السودان في 2019.. مبادرات سلام لإنهاء عقود من الحروب الداخلية
مبادرات سلام وإن لم تتحقق أهدافها في عام 2019 فإن العام الذي يليه سيشهد ميلاد تلك الأهداف المتمثلة في تحقيق السلام في السودان
مع بزوغ فجر عام ٢٠١٩، أبصر السودانيون بشريات تحقيق السلام في مناطق النزاعات تلوح في الأفق، فأسرعوا الخُطى نحوها بإطلاق مبادرات مجتمعية لتحقيق حلم إسكات البنادق التي ظلت تدوي في أطراف البلاد منذ استقلالها في عام 1956.
- المفاوضون السودانيون يتطلعون لجولة "حاسمة" بجوبا
- السودان يتعهد للأمريكيين بتعويض ضحايا "إرهاب" النظام السابق
كما سارعت دول من الجوار السوداني والمحيط الإقليمي بتقديم مبادرات مشابهة انتهت إلى الاتفاق على استضافة جنوب السودان للمفاوضات بين الحركات المسلحة والحكومة الانتقالية.
وأكد خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" أن تحقيق السلام وإنهاء الحروب في كل من دارفور غربي البلاد ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بات قريباً بفضل المبادرات التي تقدمت بها جهات مختلفة ساعدت في تهيئة الأجواء وتقريب المسافات بين الأطراف.
وقطعت المفاوضات التي تستضيفها عاصمة جنوب السودان "جوبا" شوطا بعيدا في طريق تحقيق السلام، حيث انتهت في سبتمبر/أيلول الماضي الجولة الأولى باتفاق الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة على قضايا التفاوض ومساراته وتمديد وقف إطلاق النار وقد ترتبت على تلك الاتفاقات زيارات متتالية لقادة الحركات المسلحة إلى السودان بعد طول حرمان من قبل نظام الرئيس السابق عمر البشير.
واستأنفت يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2019 الجولة الثانية من التفاوض بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وسط تفاؤل بتوصل الأطراف إلى اتفاق ينهي حقبة طويلة من الحرب الأهلية.
استدامة السلام
مدير مركز "سلام ميديا" السوداني والخبير المختص بشؤون النزاعات، عباس التجاني، قال إن التغييرات السياسية التي شهدها السودان في عام 2019 جعلت جهات عديدة تتقدم بمبادرات لحل الأزمة السودانية.
وأضاف التجاني، في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "جميع تلك المبادرات المطروحة تهدف لتحقيق مرحلة حكم انتقالي تفضي إلى عملية بناء السلام في السودان".
وأوضح أن أهمها هي مبادرة حكومة جنوب السودان التي توجت باحتضان جوبا للمفاوضات بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي "جنوب كردفان والنيل الأزرق".
وأشار إلى أن "قيادة دولة جنوب السودان تعي أهمية السلام في الجزء الشمالي الذي يعني تحقيق السلام في الجزء الجنوبي".
واعتبر التجاني أن مبادرة جنوب السودان وغيرها من المبادرات المحلية والإقليمية تسهم في مستقبل استدامة السلام في الخرطوم وستكون انعكاساتها إيجابية على المرحلة الانتقالية.
ولفت إلى أن تلك المبادرات وإن لم تتحقق أهدافها في عام 2019 فإن العام الذي يليه سيشهد ميلاد تلك الأهداف المتمثلة في تحقيق السلام الذي يضع الخطوات العملية للتحول الديمقراطي واستدامة السلام.
وتزامن حلول عام 2019 مع حراك الثورة السودانية التي بدأت في أواخر عام 2018 وانتهت بالإطاحة بنظام الإخوان في 11 أبريل/نيسان الماضي، ما جعل مبادرات السلام التي قُدمت متسقة مع أهداف الثورة وشعاراتها المتمثلة في "الحرية والسلام والعدالة".
وبعد سقوط نظام الإخوان أصبحت الأجواء مهيأة للتقارب، لجهة أن حملة السلاح وقادة التغيير هم شركاء في العمل الذي أطاح بالبشير، ما جعل عددا من قيادات الحركات المسلحة يعودون إلى الخرطوم بعد قطيعة وحرمان طويل.
مبادرات سلام
وتعدّ مبادرة جنوب السودان المتمثلة في استضافة جوبا للمفاوضات السودانية استكمالاً لوثيقة أبوظبي التي وقعتها أطراف العمل المسلح في أبريل/نيسان الماضي، والتي نصت على ضرورة الوصول إلى اتفاق سلام شامل يخاطب الأسباب الجذرية للحرب خلال 6 شهور من المرحلة الانتقالية، وتمثيل قوى الهامش في الحكومة بنصيب يخاطب المظالم التاريخية التي وقعت على تلك الأقاليم.
ويجد منبر جوبا للمفاوضات السودانية الدعم من دول الجوار السوداني وهي "أوغندا، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ومصر"، إضافة إلى دولتي الإمارات والسعودية.
المحلل السياسي شوقي عبد العظيم لـ"العين الإخبارية"، قال إن مبادرات السلام التي شهدها عام 2019 أتت مختلفة شكلاً ومضموناً عن المبادرات السابقة لحل أزمة الحرب بالسودان، وذلك للأجواء التي وفرتها الثورة الشعبية لنجاح عملية السلام.
وأضاف: "حتى اللغة التي حملتها تلك المبادرات كانت تشير إلى ضرورة البحث عن توافق بين شركاء النضال حول ترتيبات السلام، وليست كتلك اللغة التي كانت توجه لأطراف التفاوض على عهد النظام البائد".
وأشار إلى أن الخرطوم تشهد لأول مرة وصول الوفود للحركات المسلحة حتى قبل التوصل إلى اتفاق سلام، وهو ما لم يكن يحدث أبداً في عهد النظام السابق الذي ظل يلاحق تلك القيادات بالأحكام السياسية.
وتابع: "أهم مبادرات السلام التي طرحت في عام ٢٠١٩ هي مبادرة جنوب السودان التي ترتبت عليها استضافة جوبا للمفاوضات والتي قطعت شوطاً كبيرا اليوم في طريق الاتفاق النهائي".
مبادرات مجتمعية
هناك أيضا مبادرات مجتمعية خاصة في مناطق النزاع مثل جنوب كردفان، حيث بدأت حركة تبادل زيارات بين السكان الموجودين في مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة عبد العزيز الحلو، والسكان الذين يعيشون في المناطق تحت سيطرة الحكومة السودانية.
وذكر شوقي أن تبادل الزيارات بدأ منذ عيد الأضحى في عام ٢٠١٩ وامتدت الزيارات إلى الأسواق ثم تشكلت بعدها وفود مجتمعية من الطرفين للتواصل وتوطيد العلاقات في مناطق "كالوقي".
وأوضح أن المفاوضات التي تجري في جوبا تستند على الإرث والأجواء التي وفرتها الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام الإخواني ما يجعل فرص التوصل إلى الاتفاق النهائي كبيرة.
وأضاف: "الآن الأطراف المتفاوضة قريبة جدا من السلام، بيد أن هنالك أزمة داخل الجبهة الثورية إن لم يتم تداركها يمكن أن تؤثر في تسريع التوصل إلى اتفاق، وتتجلى تلك الأزمة في تضارب تصريحات المسؤولين بها مثل أركو مناوي الرافض للطريقة التي تدار بها الدولة وهو عكس ما يراه آخرون داخل الثورية".
وأكد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة عبد العزيز الحلو هي أقرب الآن للاتفاق حول السلام، لأن موقفها واضح وليس فيه تقاطع، موضحاً أن عام 2020 المحك الحقيقي لنجاح الثورة السودانية التي ينبغي أن تتجلى أهدافها خلال الربع الأول منه، من خلال تحقيق السلام وحدوث الاستقرار الاقتصادي.
وتابع: "متفائل بشكل كبير بتحقيق السلام خلال الشهور المقبلة، لأن العودة إلى الحرب بعد الثورة السلمية لن تكون خيارا لأي من أطراف التفاوض".
وفي 12 سبتمبر/أيلول الماضي، وقّع وفد حكومة السودان اتفاق "إعلان جوبا" مع تحالف الجبهة الثورية الذي يضم نحو 6 فصائل مسلحة، واتفاقاً مماثلاً في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع الحركة الشعبية (قطاع الشمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو.