السودان 2021 ..انتفاضة عسكرية تعيد رسم خريطة الانتقال
أبى عام 2021 مغادرة السودان، دون أن يترك ملامح تغيير سياسي كبير تتشكل في خواتيمه، إثر قرارات مثيرة للجدل أصدرها قائد الجيش.
ففي صبيحة 25 أكتوبر، استيقظ الشعب السوداني على واقع مختلف من الإجراءات الأمنية المشددة، التي أعلنها رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وأضفت غموضا على العملية السياسية.
تمثلت أبرز هذه الإجراءات في قطع الاتصالات والإنترنت، مع انتشار كثيف لقوات الأمن على الطرقات والنقاط الرئيسية وإغلاق الجسور، فيما كانت الإذاعات ومحطات التلفزيون تبث بشكل موحد أغان وأناشيد وطنية.
لم يدم الوضع طويلاً حتى خرج البرهان، ببيان حمل قرارات مصيرية شملت حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد، وتجميد لجنة تفكيك نظام الإخوان وتعطيل بعض بنود وثيقة الإعلان الدستوري.
خطوة الجيش السوداني التي اختلفت توصيفاتها في الشارع السوداني، رسمت خارطة طريق جديدة لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد نظراً لضخامة تلك القرارات والإجراءات اللاحقة التي تبعتها، لا سيما الاتفاق السياسي الذي أعاد الدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء.
لكن مراقبين ينظرون إلى أن طريق الانتقال الذي وضعه الجيش السوداني، محفوف بتحديات جمة رغم السند الدولي والإقليمي الذي حظي به، أقلها الاحتجاجات الشعبية المتواصلة الرافضة للاتفاق السياسي وما تضمنه.
مبررات غير مقنعة
وأتت تحركات قائد الجيش بعد احتقان واسع ساد المشهد السوداني وخلافات حادة بين القوى السياسية، وصلت حد تنظيم اعتصام أمام القصر الرئاسي بالخرطوم من قبل مجموعة منشقة عن الحرية والتغيير الائتلاف المدني الحاكم في البلاد سابقاً.
وسبق كل ذلك أزمات اقتصادية وغلاء طاحن، وسط ندرة في بعض السلع الاستراتيجية إثر إغلاق الموانئ الرئيسية في شرق السودان والطرق التي تربطها ببعض أنحاء البلاد، مشكلات ساقها قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان كمبرر لقراراته.
وقال البرهان يومها إن قراراته جاءت لتصحيح مسار الثورة، وذلك بعد أن وصل طرفا الحكم في البلاد إلى طريقٍ مسدودٍ، وفشل جميع المُبادرات التي قادها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، لتقريب وجهات النظر بعد تمسُّك كل طرف بموقفه الرافض.
غير أن مبررات قائد الجيش لم تكن مقنعة لكثيرين خاصة تحالف الحرية والتغيير الشريك المدني الذي أقصته هذه الحركات، إذ اعتبر وقتها الخطوة بمثابة انقلاب على الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية.
ومضت الأحداث بشكل متسارع في السودان نحو احتقان جديد خلفته قرارات الجيش، بعد أن تصاعدت المظاهرات المناهضة لها، سقط خلالها عشرات القتلى.
ومع تنامي الضغط الدولي والإقليمي شكل البرهان مجلس سيادة من 14 عضواً ليس من بينهم ممثلون لتحالف الحرية والتغيير كما كان في السابق، وبعدها توقيع اتفاق سياسي مع عبدالله حمدوك، عاد بموجبه إلى منصبه رئيساً للوزراء، والإفراج عن المعتقلين، خطوات قادت لتهدئة نسبية في المشهد العام في بالبلاد.
خطوة تصحيح
واعتبر الخبير القانوني السوداني الدكتور ناجي مصطفى، أن ما قام به البرهان يمثل "فعلاً خطوة تصحيحية، فهو لم يخرج عن مسار الانتقال وآلياته".
ولفت إلى أن البرهان أبقى على الوثيقة الدستورية كمرجعية لحكم الفترة الانتقالية، مع إلغاء مواد بها من صميم التغيير الذي حدث وليس لها علاقة بانتقاص الحقوق والحريات، حيث كان الهدف هو إبعاد مجموعة الأربعة أحزاب التي أفردت بالسلطة وأقصت الآخرين وحولت البلاد إلى محرقة.
وقال مصطفى في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن: "ما حدث كان ضرورياً ولا يستقيم المنطق وصفها بالانقلاب، فهي إجراءات تصحيحية لإنقاذ البلاد من وهدتها".
وليس ببعيد عن ذلك، يرى الخبير العسكري السوداني الفريق خليل محمد الصادق، أن قرارات القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، كانت ضرورية لتصحيح مسار الثورة وحفظ الاستقرار بعد أن كادت البلاد تنزلق إلى المجهول بفضل تجاذبات وخلافات القوى السياسية.
وأضاف الصادق في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "ما تم من صميم عمل القوات المسلحة، فهي المسؤول الدستوري الأول عن حماية البلاد وحفظ الاستقرار، وكان لزاماً أن يمضي فيها رغم التحركات المناهضة لها".
وأبدى ثقته في أن يمضي السودان قدماً نحو السلام والاستقرار والحرية وهي شعارات تنشدها ثورة ديسمبر المجيدة، فسوف تتوسع المشاركة السياسية وتقود البلاد حكومة من كفاءات وطنية مستقلة.
وجاءت قرارات البرهان التي حولت مسار الانتقال السياسي في السودان، قبل أيام معدودة من موعد انتقال رئاسة مجلس السيادة الى المكون المدني المقرر له شهر نوفمبر الماضي، وفق وثيقة الاعلان الدستوري.
وينتظر أن يشكل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حكومة من كفاءات وطنية مستقلة لاستكمال مسيرة الانتقال الديمقراطي، وصولا إلى انتخابات مقرر لها نوفمبر من العام 2023م، وسط دعم دولي وإقليمي ورفض من الشارع.