السودان.. «صقور البشير» تؤجج «حرائق الإخوان»
الصراع على قيادة حزب الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير يدخل مرحلة جديدة لينتقل إلى القواعد وسط بوادر انشطار وانشقاق.
وبرزت الخلافات إثر انتخاب «مجلس شورى» حزب «المؤتمر الوطني» (الحاكم سابقا)، في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أحمد هارون، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، رئيسا للحزب، وذلك رغم اعتراض التيار الذي يقوده رئيس المكتب القيادي إبراهيم محمود.
وسارعت مجموعة أحمد هارون – وفق مصادر مطلعة- إلى عقد اجتماع "مجلس الشورى"، بدعم من أمين عام «الحركة الإسلامية» علي كرتي، المسؤول الأول عن إطلاق الرصاصة الأولى وإشعال حرب 15 أبريل/نيسان 2023، للسيطرة على مفاصل الحزب.
ومع تململ القواعد داخل الحزب، ظهرت علامات الانقسام بقوة داخل الحزب الذي تولى السلطة لثلاثة عقود قبل عزل البشير بانتفاضة شعبية في 2019.
ويسعى تيار إبراهيم محمود - وفق تقارير إعلامية- إلى التخلص من القيادات الحزبية المطلوبة لدى المحكمة الجنائية الدولية، وعلى رأسهم عمر البشير، وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، والتي تسببت في خسائر سياسية كبيرة للحزب.
الصراع يحتدم
احتدم الصراع بين "صقور" الحزب عقب عودة إبراهيم محمود من تركيا، والأخير يحظى بدعم كبير من القياديين البارزين نائب رئيس الحزب السابق نافع علي نافع، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق، محمد عطا المولى.
ويعتبر أحمد هارون من المقربين من البشير وكلاهما على قائمة المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ترجع إلى الحرب التي اندلعت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بإقليم دارفور بالسودان.
وسبق أن عرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في يناير/كانون الثاني الماضي، مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يساعد في القبض على هارون.
وخرج هارون والعديد من كبار نواب البشير السابقين من السجن بعد اندلاع الحرب الحالية، وما زالوا طلقاء.
ويقول محامي البشير (80 عاما) إن موكله محتجز حاليا في مدينة مروي بعد نقله إلى هناك من العاصمة المحاصرة الخرطوم لتلقي العلاج الطبي.
وكان هارون رئيسا لحزب المؤتمر الوطني عند اندلاع الحرب، قبل استبداله لاحقا بإبراهيم محمود حامد.
وكان حامد يمارس دوره من خارج السودان لكنه عاد في الآونة الأخيرة، ورفض قرار مجلس الشورى واحتفظ بوضعه رئيسا لحزب المؤتمر الوطني.
ووفق تقارير محلية فإن "أعضاء من الفصائل المتنافسة في حزب المؤتمر الوطني وجماعات إخوانية أخرى يقاتلون داخل وحدات الجيش النظامي، وينشط بعضهم ضمن كتيبة «البراء بن مالك»، وهي مجموعة مسلحة متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان".
تحذيرات ومخاطر
وحذر رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان من صراعات داخل حزب الرئيس المعزول، معتبرا أنها تنطوي على مخاطر تمس السودان.
وفي 19 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، قال البرهان في كلمة له ، إن اجتماع مجلس شورى الحزب كان مثيرا للانقسام، وأضاف: "لن نقبل بأي عمل سياسي مناوئ أو يهدد وحدة السودان أو يهدد وحدة مقاتليه"، وفق قوله.
وتابع: "لسنا في حاجة لأي صراعات الآن ولسنا في حاجة لأي تشتت الآن. نحن عندنا هدف (نمضي نحوه) متماسكين وموحدين.. هزيمة هؤلاء المتمردين (قوات الدعم السريع) والقضاء عليهم."
وفي تعقيبه، يرى عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، ورئيس تحرير صحيفة "التيار" المحلية، أن «هذه الخلافات تعبر عن إحساس حزب المؤتمر الوطني بالعودة إلى النشاط السياسي الكامل بلا مخاطر».
ويقول ميرغني، في حديثه لـ«العين الإخبارية»، إن تلك الخلافات تؤكد أيضا أن الحزب «لم يستطع استيعاب متغيرات ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2019، والتي تتطلب مراجعة لتاريخه وتغييرات مهمة في الفكر والمنهج السياسي والقيادة».
وأضاف أن «الخلافات إجرائية تتعلق بمرحلة غياب القيادة السابقة التي يمثلها أحمد هارون في السجون ومحاولة استعادتها الآن بعد إحساس الحزب بأنه تجاوز مرحلة الخطر».
صراع يتجدد
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن «ما يدور داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني هو صراع قديم منذ الأيام الأخيرة لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير».
واعتبر الأسباط أن الحزب فرض «بقوة السلطة التي يمتلكها تيار أحمد هارون، وكان هناك عدد كبير من قيادات الإسلاميين يعتقدون أن هذه القيادة تحتاج إلى شخص غير أحمد هارون».
وأضاف لـ«العين الإخبارية»: «بالتالي، ظل الصراع مكتوما لعدة أسباب أهمها حالة الاضطراب التي أصابت الإسلاميين بعد سقوط نظامهم في أبريل/نيسان 2019».
كما أرجع ذلك إلى «دخول بعضهم إلى السجون والمحاكمات وحالة الرفض الشعبي للإخوان التي وصلت إلى مرحلة الكراهية في تلك الفترة دفعت بهم إلى التماسك".
وموضحا: «الآن مع اندلاع الحرب والتعجل للاستعداد لجني ثمارها، بدأ الصراع بإعادة سلطة القيادة إلى من يرونها أحق في وسط الإسلاميين».
و«بالتالي»، يقول الخبير، «ظهرت هذه الصراعات، ولا أعتقد بأن يكون لها أي تأثير على المشهد السياسي لأن الإسلاميين أصبحوا خارج المشهد السياسي وما يقومون به هو محاولة لإثبات الوجود».
ولفت إلى أنه «عبر التاريخ، فإن أي نظام أيديولوجي حكم أي بلد في الدنيا لم تقم له قائمة بعد سقوطه والدليل على ذلك النازية والفاشية والشيوعية، لذلك لا أعتقد أن هذه الصراعات سيكون لها تأثير على المشهد السياسي السوداني».
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.