يحسب للشعب السوداني نضجه وتحضره من خلال ثورته السلمية التي نجحت في تحقيق أهدافه ومطالبه دون الانزلاق نحو العنف والفوضى.
في خطوة تاريخية ومهمة في تاريخ السودان الحديث، وبعد أكثر من أربعة أشهر على عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقعت الأطراف السودانية وثيقة الاتفاق الرسمي للمرحلة الانتقالية بين المجلس العسكري وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ونص الاتفاق على تشكيل مجلس سيادي ومجلس للوزراء، وقد أجمع السودانيون على رجل الاقتصاد عبدالله حمدوك كرئيس لمجلس الوزراء، حمدوك الذي رفض وزارة المالية في الأشهر الأخيرة من حقبة البشير ينطبق عليه قول شاعر العصر العباسي الشهير "أبو العتاهية" في وصف تتويج الخليفة المهدي حيث قال: "أتته الخلافة منقادة.. إليه تجرّر أذيالها".
يحسب للشعب السوداني نضجه وتحضره من خلال ثورته السلمية التي نجحت في تحقيق أهدافه ومطالبه بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة دون الانزلاق نحو العنف والفوضى، فلم يمسك الشعب السوداني بمعاول الهدم ليخرب وطنه الذي يعيش فيه، ولم نشاهد هجوما على المقرات الحكومية أو السجون، ولم نشاهد أعلاما ترفع غير علم السودان
صحيح أن هذا الاتفاق التاريخي طوى 30 عاما من حكم المعزول عمر البشير وجماعة الإسلام السياسي في السودان "جماعة الإخوان"، وأسس لبداية مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي في السودان، ولكن لا يزال أمام حكومة حمدوك تحديات وأزمات يجب تجاوزها خلال السنوات الثلاث القادمة للمرحلة الانتقالية، أهم تلك التحديات هي ما خلفه نظام البشير من أزمات، تلك التي لا تزال تعاني منها البلاد حتى الآن، وكذلك وجود بقايا الدولة العميقة من جماعة الإخوان التي كانت شريكة البشير في الحكم. نتيجة لذلك، فإنه يتوجب على حمدوك أولا التخلص من فلول الإخوان وإبعادهم نهائيا عن حكومته، ثم إعادة بناء العلاقات الخارجية للسودان، والعمل على إعادة تعزيز الثقة في العلاقات الداخلية بين المدنيين والعسكريين خلال المرحلة الانتقالية حتى تتمكن حكومته من أداء مهامها على أكمل وجه.
يحسب للشعب السوداني نضجه وتحضره من خلال ثورته السلمية التي نجحت في تحقيق أهدافه ومطالبه بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة دون الانزلاق نحو العنف والفوضى، فلم يمسك الشعب السوداني بمعاول الهدم ليخرب وطنه الذي يعيش فيه، ولم نشاهد هجوما على المقرات الحكومية أو السجون، ولم نشاهد أعلاما ترفع غير علم السودان. كل تلك المشاهد التي حضرت في ثورات ما عرف بـ"الربيع العربي" في بعض دول المنطقة لم تكن حاضرة على أرض السودان.
نبارك للأشقاء في السودان نجاح ثورتهم وتحقيق أهدافها والانطلاق نحو مستقبل أفضل في ظل حكومة نأمل أن تعبر بالخرطوم نحو بر الأمان والاستقرار والازدهار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة