"منقسم ويُعاني انهيارات داخلية".. هكذا هو حال تنظيم الإخوان الإرهابي في السودان الذي لا يختلف كثيرًا عن قيادته العامة بلندن وإسطنبول.
لكن هذ التنظيم يسعى للتماسك من أجل مواجهة التحديات التي تقف أمامه، وفي مقدمة هذه التحديات تبعات الثورة الشعبية التي أطاحت بالتنظيم في عام 2019.
- فرار قيادات البشير.. نار الفتنة على أسوار السودان والجوار
- جيش السودان يؤكد انفراد "العين الإخبارية".. هذا مكان البشير
وفي هذا الإطار ترصد "العين الإخبارية" وضع التنظيم في السودان بخلافاته التي لا تزال مستمرة منذ نشأته وحتى قيام الحرب السودانية التي شارك التنظيم في إشعالها.
فضلًا عن محاولات التوحد بين التيارين المنقسمين بهدف إسقاط الدولة التي فشلوا في إدارتها على مدار ثلاثة عقود، والانتقام من الشعب السوداني الذي ثار على حكمهم.
تيارات الإخوان المنقسمة
وانقسم تنظيم الإخوان في السودان إلى تيارين رئيسيين، كلاهما له علاقة بالتنظيم الأم، أحدهما بقيادة، عادل على الله، وهذا التيار يلقى مباركة ومبايعة التنظيم الدولي للإخوان.
بينما التيار الآخر يرأسه، سيف الدين أرباب، وهو المسؤول الحالي للتنظيم داخل السودان، وهنا يبدو الانشقاق بين الجماعة الأم ممثلة في التنظيم الدولي وبين فرع التنظيم في السودان.
ولعل الانشقاق الذي تُعاني منه القيادة العامة للتنظيم ما بين جبهتين رئيسيتين إحداهما بزعامة، صلاح عبد الحق وتُعرف بـ"جبهة لندن"، والأخرى بزعامة محمود حسين وتُعرف باسم "جبهة إسطنبول"، قد ألقى بظلاله على فرع التنظيم في السودان، لكن الملمح الأهم أن الانقسام في السودان سبق انقسام قيادات الإخوان على مستوى "لندن" و"إسطنبول".
ورغم تعارض مصالح كلا التيارين المنشقين داخل إخوان السودان، إلا أنهما أعلنا تأييدهما للجيش في النزاع الدائر حاليًا، وهو ما يُعزز، بحسب مراقبين، أنهم من أطلقوا الرصاصة الأولى في هذا النزاع أو على الأقل وراء التصعيد الدائر حاليًا.
كما أنه يُعزز ما قيل عن وجود قوي للتنظيم داخل المؤسسة العسكرية رسخ له نظام الرئيس المعزول عمر البشير على مدار 3 عقود كاملة، فضلًا عن الوعود التي أعطاها الفريق عبد الفتاح البرهان من عودة "التنظيم" للمشهد السياسي في مواجهة القوى المدنية وقوات الدعم السريع.
المراقبون أكدوا أن "الإخوان في السودان هم من أشعلوا النزاع وهم المستفيدون من استمراره، انتقاما من القوى المدنية التي حركت الشارع السوداني ضد حكم الحركة الإسلامية السياسية والإخوان".
وهنا يبدو موقف الإخوان محصورًا في الانتقام من القوى المدنية التي تتزعم الحراك في الداخل، ومحاولة العودة للمشهد السياسي بعد أن يتوقف النزاع.
خلافات أم اختلافات
مجرد خلافات وليست اختلافات الإخوان في السودان؛ فالخلاف أعمق من مجرد الاختلاف في وجهات النظر تجاه إدارة نشاط التنظيم داخل التنظيم، فهناك تيار يعتبر نفسه امتدادا للمؤسس الأول حسن البنا، وهو التيار الذي يمثله عادل على الله، وهو نفس التيار الذي لقي شرعية من قبل التنظيم الدولي.
بينما التيار الآخر شبه منكفئ على نفسه ويعتبر نفسه ممثلًا للتنظيم في الداخل السوداني.
تيار عادل على الله، هو الأكثر ميلًا للمدرسة الدعوية داخل التنظيم، أي ميل التنظيم للعمل الدعوي أكثر من بناء روابط تنظيمية خارجية، والتنظيم المحلي له علاقة بالتنظيم الدولي ولكنه يرى أن الانشغال بشأن التنظيم في الداخل السوداني قد يكون أكثر إفادة للتنظيم على مستوى الانتشار.
ولعل حالة الاحتراب الداخلي جمعت تياري الإخوان لإعادة ترتيب أنفسهم، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الانقسام شكلي وصوري وليس انقساما في البناء العقائدي أو التنظيمي للجماعة، وبالتالي من السهولة أن يجتمعا مرة أخرى وهو ما حدث بالفعل، فكل منهما اجتمع بالفعل على دعم الجيش.
ودفع الصراع الذي ساعدوا في اشتعاله في جمع التيارين من أجل اقتناص فرصة العودة ومواجهة مؤسسات الدولة ودفع نحو الاستمرار لوقت أطول.
النشأة وأسباب الانقسام
وتعود نشأة تنظيم الإخوان في السودان إلى أربعينيات القرن الماضي، فالنشأة أخذت شكل التيار الديني وليس التنظيم، ففي حين كان التنظيم موجودًا إلا أن التيار كان أقوى من التنظيم.
فالتيار يجمع في نفس الوقت أفرادا أكثر من التنظيم، الذي يشترط على أعضائه قواعد للعضوية والانتماء، وهنا نجح التنظيم في بناء قاعدة عريضة من الأتباع، وترجم التيار قوته في الانقلاب الذي قام به الرئيس المعزول عمر البشير في العام 1989، وأعطى مساحة أكبر لوجود هذا التيار داخل مؤسسات الدولة.
قد كانت بداية الانقسام في العام 1991، ورأس التيار الأول "علي جاويش"، بينما رأس التيار الثاني "صديق علي البشير" وكان يُطلق عليه وقتها "تيار الإصلاح".
وفي العام 2016 توسط الزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي للوحدة بين التيارين الأبرز داخل التنظيم، تيار "على الله" و "أرباب" أو بالأحرى تحول التيار بمفهومه الواسع إلى تنظيم.
وظلت محاولات جمع التيارين إلا أن أحدهما نجح في الإطاحة بالآخر، وهنا أسفرت محاولات الوحدة بين الجناحين عن تعيين، علي جاويش، مراقبًا عامًا للجماعة الأم والتنظيم الدولي.
وتمكن الإخوان في السودان بكل انقساماتهم في إبعاد خلافاتهم الداخلية وتركيز جهودهم في استمرار الصراع ولكن داخل السودان أو نقل الصراع داخل التنظيم إلى داخل الخرطوم، حتى تبقى المواجهة مستمرة وحتى ينجح التنظيم للعودة إلى الحكم ولكن على جثث الشعب السوداني.