عام من الأزمة.. كابوس الحرب «يقبر» أحلام السودانيين
قبل سنوات قليلة، لم يكن السوداني عمر عوشاري ليتخيل -ولو مازحا- أنه سيصبح يوما لاجئا وأنه سيضطر للفرار من الحرب المستعرة ببلاده منذ عام.
وعندما اندلعت الثورة في 2028، اعتقد أن محنته والكثيرين انتهت للأبد، وأن فجرا جديدا أشرق ليبني «سودانا جديدا» يلبي تطلعات وانتظارات الشعب بعد عقود.
ففي ذلك الوقت، كان المحامي ابن الـ37 عاما خلف القضبان، مثل العديد من المعارضين الذين اعتقلوا في عهد نظام عمر البشير الذي حكم البلاد ثلاثين عاما.
ومثل كل السجناء السياسيين، فرح عوشاري بتلك الانتفاضة الشعبية التي أسقطت البشير في أبريل/نيسان 2019، وقرر تحقيق حلم ظل يراوده سنوات طويلة وهو أن يفتح مقهى ثقافيا.
وبسرعة تحول المقهى الذي سماه "رتينة" إلى ملتقى للأدباء والفنانين والناشطين يتداولون فيه بناء "سودان جديد".
لكن عندما اندلعت الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، "بدأ المكان يتآكل أمامي رويداً رويدا"، بحسب تعبير عوشاري.
وعلى مدى أشهر بعد نشوب الحرب وقبل أن يخرج من السودان، كان الشاب يذهب إلى مقهاه مستغلا أي فترة هدوء في المعارك.
"أشبه برواية"
يقول عوشاري لوكالة فرانس برس: "كنت أضع كرسيا في وسط رتينة وسط ظلام دامس بسبب انقطاع الكهرباء وأستغرب كيف تحول المقهى من مسرح حي للفنانين والموسيقيين والنشطاء السياسيين والمثقفين والأدباء، إلى مكان أسمع فيه من كل النواحي أصوات الرصاص وأصوات الراجمات .. شيء أشبه بالرواية".
ويتابع "تحول المقهى إلى زجاج متناثر في كل مكان بجانب شظايا الرصاص".
وبحسب عوشاري الذي ودع ما تبقى من مقهاه مدركا أن "الثورة سرقت"، فإن "عاما من الحرب أدى الى سقوط آلاف الضحايا وانهيار "آلاف الأحلام".
وفي السودان، أوجدت المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية التي أعقبت سقوط البشير "آمالا وحماسة وجرأة" لدى الشباب، بحسب ما قالت لفرانس برس سارة سلمان التي كانت تعمل آنذاك في شركة استثمارية بالخرطوم وانتقلت بعد الحرب إلى الولايات المتحدة.
ويتذكر عوشاري أنه في ذلك الحين عندما قامت "الثورة .. أحيت السودان، وأصبح البلد مختلفا وكان التفكير خارج الصندوق .. في هذا الوقت كانت الآمال كبيرة أن السودان يوضع على المسار الصحيح كبلد نام منطلق تجاه الديمقراطية والحكم المدني والحرية".
رغم المنفى والألم
فجأة، استيقظ سكان الخرطوم في يوم سبت بحدود نهاية رمضان على دوي المدافع وأدركوا أن حربا تدور في الشوارع.
غادر عدة ملايين من السودانيين العاصمة، واضطرت عوشاري ومثله كثيرون للفرار من الخرطوم، ليجد نفسه لاجئا بالعاصمة المصرية القاهرة.
وعندما كان يحاول إعادة ترتيب أموره في القاهرة، تلقى لقطات فيديو أظهرت نشوب حريق ضخم، وقال "هكذا عرفت أن (مقهى) رتينة احترق".
العديد من السودانيين العاملين في الخارج استثمروا في بلادهم بعد الثورة وأنفقوا مدخرات حياتهم في بناء منازل في الخرطوم.
وتقول الطاهية المتخصصة في صنع الحلويات شيماء عدلان (29 عاما) إنها وجدت نفسها بعد الحرب في القاهرة، بعيدا من موطنها وبلا عمل.
وما زال الشباب السودانيون الذين كانوا يأملون في مستقبل واعد لبلادهم وينظمون التظاهرات يحلمون بالديمقراطية.
أما من بقي منهم داخل السودان فقد باتوا يشرفون على شبكة المساعدات الإنسانية ويشكلون، وفق الأمم المتحدة "الخط الأول" لتلبية الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن الحرب.
ورغم المنفى والألم، يقول عوشاري "لا تزال هناك شعلة من الثورة موجودة في كل قلب".