السودان في 2019.. طي صفحة الإخوان واستشراف للمستقبل
قادة تنظيم الإخوان الإرهابي في السودان يواجهون عقوبات تصل إلى الإعدام والمؤبد في قضايا انتهاكات إنسانية ارتكبوها خلال سنوات حكمهم
طوى السودانيون في عام 2019 صفحة مؤلمة من الحكم الإخواني الذي امتد لثلاثين عاماً عاشوا خلالها أنواعاً من الانتهاكات الإنسانية؛ بدءاً من الاعتقالات والتعذيب وصولاً إلى القتل، واستشرفوا عهداً جديداً نحو التحول الديمقراطي.
واقتلع السودانيون النظام الإخواني من الحكم بواسطة ثورة شعبية بدأت شرارتها في مدينة عطبرة شمال السودان، قبل أن تتوسع لتشمل كل مدن البلاد، وبعد خمسة أشهر توجت بانحياز الجيش للمحتجين في 11 أبريل/نيسان الماضي وعزل البشير من السلطة.
ويواجه قادة تنظيم الإخوان الإرهابي في السودان عقوبات تصل إلى الإعدام والمؤبد في قضايا انتهاكات إنسانية مروعة ارتكبوها ضد السودانيين خلال سنوات حكمهم، خاصة أن تلك القضايا قد تم فتح ملفاتها حالياً أمام أجهزة العدالة بالحكومة الانتقالية.
وكان الإخوان بعد عام من وصولهم لسدة الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1989، قاموا بإعدام 28 ضابطاً بالجيش بزعم محاولتهم الانقلاب على الرئيس المخلوع عمر البشير.
كما ارتكب هذا النظام في التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2005 "مجزرة في مدينة بورتسودان" حينما قتل نحو 22 مواطناً رمياً بالرصاص خلال احتجاجات شعبية.
ولم تتوقف الانتهاكات الإنسانية للإخوان، بل رافقت حكمهم حتى نهايته التي شهدت مقتل أكثر من 100 شخص برصاص مليشياته المسلحة خلال ثورة ديسمبر التي وضعت حداً لتلك الانتهاكات.
عزيمة شعبية
ويقول المحلل السياسي مبارك علي إدريس لـ"العين الإخبارية"، إن نهاية حكم الإخوان بثورة شعبية سلمية على الرغم من تجذر نظامهم في أجهزة الدولة واستخدامه العنف المفرط ضد المتظاهرين توضح عزم الشعب التحرر من قبضة النظام القمعي.
وأشار إلى أنه رغم أن الثورة انطلقت في ديسمبر/كانون الأول 2018 لكن بداية نهاية حكم الإخوان تجلت عقب نجاح مواكب احتجاجات يناير/كانون الثاني 2019، لأنها أتت عقب تصريحات شهيرة لمدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش، استخف فيها بالثورة وتحدى المعارضة.
وأضاف: "كان الرد الفوري هو خروج أكثر من 7 مواكب في مدن العاصمة السودانية الثلاث رغم آلة القمع التي استخدمها النظام ضد المتظاهرين، بعد ذلك تيقن الكثيرون بأن حكم الإخوان إلى زوال".
وأشار مبارك إلى تراجع الاحتجاجات في شهر مارس/آذار لكن سرعان ما اتقدت جذوة الثورة لدى الشعب في أعقاب إصدار الرئيس السابق عمر البشير قوانين الطوارئ التي تحظر مواكب الاحتجاجات، وهو الأمر الذي جعل السودانيين على يقين بأن البشير بدأ عهده بالطوارئ وسينتهي بها.
وأضاف: "تحولت الاحتجاجات إلى مظاهرات ليلة في الأحياء وكانت تمهيداً لليوم الفاصل في مسار الثورة المحدد بـ6 أبريل/نيسان، وقد كان الشعب في الموعد، حيث خرج إلى الشوارع، على الرغم من علمه بأنه سيواجه بقمع مفرط ربما لا يعود معه إلى منازله".
ووصل يوم 6 أبريل/نيسان الماضي نحو مليونين من المتظاهرين إلى مباني القيادة العامة للقوات المسلحة، وبدأوا اعتصاماً مفتوحاً إلى حين تنحي البشير وتسليم السلطة لحكومة مدنية.
ورغم احتشاد الملايين خارج محيط مبنى القيادة العامة للجيش، فإن البشير رفض الاستجابة لمطالب المحتجين، فأمر بفض الاعتصام لكن قيادات اللجنة الأمنية رفضت تنفيذ الأوامر واتفقت على عزل البشير والاستجابة لمطالب الجماهير.
وبعد خمسة أيام من بدء الاعتصام استيقظ السودانيون في 11 أبريل/نيسان على موسيقى عسكرية تصدر من الإذاعة والتلفزيون القوميتين إيذاناً بإعلان نهاية حكم الإخوان، فانطلقت الجماهير إلى الشوارع تعبر عن فرحتها بهتافات الثورة المأثورة "أي كوز ندسو دوس".
وبعد أكثر من شهرين شاهد السودانيون لأول مرة البشير بين رجال شرطة السجون، حينما تم نقله من سجن كوبر إلى نيابة مكافحة الفساد للتحقيق معه حول أموال ضخمة من مختلف العملات تم العثور عليها داخل أحد المقار السكنية التابعة له.
ولاحقاً اعتاد الجميع على مشاهدة البشير داخل قفص الاتهام بالمحكمة يواجه اتهامات بحيازة أموال أجنبية بطريقة غير مشروعة، حيث ضبطت الشرطة في 16 أبريل/نيسان 2019 داخل منزله مبالغ 6,9 مليون يورو و351,770 دولارا و5,7 مليون جنيه سوداني.
ويوم السبت 14 ديسمبر/كانون الأول أوقعت محكمة بالخرطوم عقوبة السجن لمدة عامين على البشير بعد إدانته بالفساد وحيازة مبالغ بالعملة الأجنبية بصورة غير مشروعة، وقضت بإيداعه مؤسسة الإصلاح الاجتماعي.
واعتبرت مكونات قوى الحرية والتغيير الإدانة التي أوقعتها المحكمة على البشير، بالثراء الحرام والتعامل في النقد الأجنبي، إدانة للنظام السابق بكامله "أخلاقياً وسياسياً"، وأن الحكم يوضح بجلاء الطريقة التي كانت تدار بها أموال الدولة.
الكنداكات يفتكن بالإخوان
وخلال الثورة الشعبية التي أنهت حكم الإخوان، لعبت المرأة السودانية أدواراً حاسمة، وذلك من خلال وجودها الكثيف في مواكب الاحتجاجات وإطلاقها "الزغاريد" التي تلهم الثوار على الإقدام.
وتقول المنسق الإعلامي لتجمع المهنيين السودانيين مشاعر عثمان دراج، لـ"العين الإخبارية": "إن الكنداكات كان لهن دور كبير في إسقاط النظام الإخواني، وما زلن في مقدمة حراس الثورة".
وأشارت إلى أن المرأة السودانية كانت ضحية للحكم الإخواني، حيث تلقت صنوفاً من الاضطهاد بواسطة القوانين المذلة المسماة بقوانين "النظام العام"، وهو الأمر الذي جعلها تتقدم الصفوف المنادية بإسقاطه.
وأكدت أن "درجة الوعي التي وصل إليها الشعب السوداني بعد هذه الثورة هي ضمان لعدم عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وأن النظام الإخواني لن يكون له أي وجود في المستقبل، وذلك من وقع الرفض المطلق له من الشعب السوداني".
كما بيَّنت أنه "انتهى عهد الإخوان الإرهابي، ويستشرف السودان مرحلة جديدة نحو التحول الديمقراطي والتنمية والحرية والسلام والعدالة.. 2019 كان عاماً استثنائياً بحق".
عزل وتفكيك
الحكومة الانتقالية بدأت في إجراءات تفكيك نظام الإخوان من خلال سن تشريعات قانونية لإنهاء التمكين داخل أجهزة الدولة وحل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة ممتلكاته، إضافة إلى تحريك الدعاوى الجنائية في مواجهة قادة التنظيم.
لكن بدأت عناصر الفلول في التحرك في محاولة لقطع الطريق على الإجراءات التي تعتزم الحكومة تنفيذها ضدهم، حيث حشدوا بالتزامن مع النطق بالحكم ضد البشير مجموعة للتظاهر ضد الحكومة الانتقالية.
هذه الخطوة التي يعدها المحلل السياسي مبارك علي إدريس نتيجة للتساهل وعدم حسم عناصر النظام البائد ثورياً، مشيراً إلى أن الحكومة الانتقالية تبنت تنفيذ شعار الثورة المتمثل "حرية ـ سلام- عدالة" مع الفلول، وهو ما أغراهم بالتحرك في محاولة للعودة للمشهد مرة أخرى.
أما الصحفية مشاعر دراج فقالت: "الآن الدولة تتبنى ثقافة الاحتكام للقانون، على الرغم من أن الشارع يريد أن يتم حسم الفلول ثورياً، نظراً لحجم الجرائم التي ارتكبوها ضد السودانيين طوال فترة حكمهم".
وذكرت أن الشعب اليوم في حالة وعي غير مسبوقة، ويعرف كل محاولات "الكيزان" الساعية للالتفاف والعودة من خلال استخدام الشعارات الدينية التي أصبحت أسطوانات مشروخة مكررة.
aXA6IDMuMTIuNzMuMTQ5IA==
جزيرة ام اند امز