السودان في أسبوع.. الحكومة تبدأ بـ10 أولويات والسلام يقترب
مساعٍ جدية من الأطراف السودانية أفضت إلى إبرام اتفاق تمهيدي مع الحركات المسلحة للتفاوض خلال محادثات رعتها دولة جنوب السودان
شهد الأسبوع الماضي أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، بـ18 وزيرا، ووضعت عشر قضايا في سلم أولوياتها للتنفيذ، أبرزها تخفيف أعباء المعيشة وإنهاء الحرب في أنحاء البلاد.
وأفضت مساعٍ جدية من الأطراف السودانية إلى إبرام اتفاق تمهيدي مع الحركات المسلحة للتفاوض خلال محادثات رعتها دولة جنوب السودان وجرت وقائعها في العاصمة جوبا نهاية الأسبوع المنصرم، وهو ما دفع الكثيرين للتنبؤ باقتراب موعد إحلال السلام في البلاد.
ومع زخم بدايات الحكومة، حط وفد رفيع من البنك الدولي رحاله في العاصمة الخرطوم، والتقى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ووزير المالية إبراهيم البدوي، في محاولة مبكرة منه لتقديم المساعدات الفنية والمادية لإنعاش اقتصاد البلاد المنهار، الخطوة التي استحسنها اقتصاديون سودانيون.
** الحكومة تنطلق بـ10 أولويات
حكومة حمدوك التي أدت اليمين الدستورية يوم الثلاثاء الماضي، طرحت في أول اجتماع لها 10 أولويات للعمل على تنفيذها خلال الأشهر الـ6 الأولى من عمر المرحلة الانتقالية.
وبحسب وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي فيصل محمد صالح، فإن الأولويات تتضمن قضية السلام والأزمة الاقتصادية، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحقيق العدالة الانتقالية وإصلاح أجهزة الدولة ووضع سياسة خارجية متوازنة.
كما طرح وزير المالية إبراهيم البدوي برنامجا إسعافيا لتحسين الوضع الاقتصادي خلال فترة زمنية حددها بـ200 يوم، الشيء الذي اعتبره مراقبون ممكنا.
وقال الخبير الاقتصادي في السودان عبدالعظيم المهل إنه يمكن إحداث استقرار اقتصادي وتخفيف أعباء المعيشة خلال المدى الزمني الذي طرحه وزير المالية، شريطة الحصول على موارد خارجية من النقد الأجنبي أو دعم عيني بالسلع الاستراتيجية كالقمح والمحروقات والأدوية، وهو ما سيخفف الضغط على ميزان المدفوعات ويعيد توازن الميزان التجاري ويخفف عجزه.
واعتبر المهل، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الأولويات التي وضعتها الحكومة الانتقالية هي جوهر القضايا التي يعانيها شعب السودان وخرج في ثورة شعبية من أجل نظام حكم جديد جدير بمعالجتها، فالسودانيون عانوا لفترات من مرارات الحرب والضائقة المعيشية.
وأضاف: "إذا حدث ضبط للموارد وتمت محاربة الفساد، وتم إصلاح القطاعات الإنتاجية واستقطاب رؤوس الأموال، يمكن أن ينتعش الاقتصاد السوداني خلال فترة زمنية بسيطة".
** اختراق في ملف السلام
نجحت الحكومة في أول مهمة لها في ملف السلام، بعدما أبرمت اتفاق "إعلان مبادئ" مع تحالف الجبهة الثورية الذي يضم نحو 8 فصائل مسلحة، كما وقعت اتفاقا مماثلا مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، قيادة عبدالعزيز الحلو، وهي أكبر فصيل مسلح، حيث تسيطر على مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان منذ ثماني سنوات.
ويرى مراقبون أن الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السودانية وحركات المعارضة المسلحة يمهد الطريق لسلام دائم في البلاد التي تعاني مرارات الحروب الأهلية منذ سنوات.
زخم التفاوض وبشريات السلام قادت رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى زيارة جنوب السودان في أولى محطاته الخارجية بعد تعيينه، حيث وصل، الخميس، إلى العاصمة جوبا، يرافقه 4 وزراء، وبحث مع رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت آفاق التعاون الثنائي ودفع العملية السلمية في بلاده.
وتضمنت الاتفاقيتان إجراءات تمهيدية لبناء الثقة توطئة للدخول في مفاوضات بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على أن تنتهي قبل 14 ديسمبر/كانون الأول في جوبا وبرعاية مباشرة من حكومة دولة جنوب السودان.
طبقا لوثيقة الاتفاق الأولى التي وقعت عليها الأطراف بوساطة مباشرة من رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت وأطلق عليها "إعلان جوبا"، فإنه تقرر الشروع الفوري في إجراءات بناء الثقة وفقا للوثيقة الدستورية ووضع الآليات المناسبة للتنفيذ.
واتفقت -بحسب الوثيقة التي اطلعت عليها "العين الاخبارية"- الأطراف على عرض وثيقة الاتفاق على مجلس السلم والأمن الأفريقي ليصدر بموجبه تفويضا جديدا بشأن مفاوضات السلام السودانية كما طلبت الأطراف من الاتحاد الأفريقي السعي لاعتماد التفويض في المؤسسات الدولية على رأسها مجلس الأمن.
ونصت الوثيقة الموقعة مع الجبهة الثورية على أهمية إشراك الاتحاد الأفريقي ودول تشاد ومصر والسعودية والإمارات والكويت ومنظمة "إيجاد" ودول الترويكا والاتحاد الأوروبي كأطراف مهمة لا بد من إشراكها في مراحل صناعة السلام وبنائه.
كما نصت على تكوين لجان مشتركة تعمل إحداها على متابعة إطلاق سراح الأسرى والمحكومين منهم ما لم يكن هناك حق خاص، بجانب لجنة أخرى لمتابعة إجراءات وقف العدائيات والمسائل الإنسانية مع اعتماد آليات المراقبة.
كما تم الاتفاق على إرجاء تشكيل المجلس التشريعي لحين التوصل إلى اتفاق سلام، وبحسب معلومات حصلت عليها "العين الإخبارية"، فإن الحركات المسلحة ستحصل على 33% من مقاعد البرلمان.
ونص الاتفاق كذلك على تكوين لجنة لمتابعة الترتيب لمفاوضات السلام والإعداد لها والتنسيق بين مسارات التفاوض بآليات مناسبة.
ووافق وفد الحكومة السودانية بموجب الاتفاق المبدئي على إلغاء قوائم حظر السفر المحددة لأسباب ذات صلة بالحرب، مع مراجعة القرارات بشأن أراضي السدود وتلك التي منحت لمستثمرين في الولاية الشمالية.
كما تقرر أن تكون أطراف التفاوض مع الحكومة هي الحركة الشعبية بزعامة الحلو والجبهة الثورية، وتجمع قوى دارفور، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور وأي قوى أخرى يتم ضمها بالاتفاق بين حكومة السودان وأي من الأطراف الأساسية الموقعة على إعلان جوبا.
** تفاهمات تعجل بالسلام
واعتبر المحلل السياسي السوداني عبدالناصر الحاج أن التفاهمات التي جرت في جوبا ستعجّل بعملية السلام، فضلا عن أنها أزالت حالة احتقان كبيرة لدى الحركات المسلحة وقواعدها في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث شعرت قبل أيام بأن السلطة الجديدة تسعى لإقصائها.
وقال الحاج، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن مفاوضات جوبا سادتها روح إيجابية للأطراف، ما سيعجّل بالتوصل لاتفاقيات تنهي الحرب الدائرة في مختلف أنحاء البلاد.
وأكد ضرورة أن تركز المحادثات، التي ستستأنف أكتوبر/تشرين الأول المقبل بعاصمة جنوب السودان جوبا، على جذور الأزمة بحيث يتم تضمين معالجات فعلية للقضايا التي دفعت هذه الحركات إلى حمل السلاح في وجه نظام الحكم.
ورأى أن الحركات المسلحة تمردت بناء على شعور بالتهميش السياسي والاقتصادي ولديها مطالب وينبغي تحقيقها حتى يعم السلام.
** عودة المدارس والجامعات
وشهد الأسبوع الماضي استئناف الدراسة لمرحلتي الإعدادي والثانوي، خلال فترة أقصاها 15 سبتمبر/أيلول الجاري، والجامعات اعتبارا من مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما أعاد البهجة لنفوس الأسر السودانية الطامحة إلى استقرار أكاديمي لأبنائها.
وجاء قرار استئناف الدراسة الجامعية من قبل مجلس الوزراء السوداني، الأربعاء الماضي، بعد توقف استمر لنحو 8 أشهر بفضل الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام عمر البشير في أبريل/نيسان الماضي.
وقرر الاجتماع سحب الشرطة من الجامعات عندما تكون هذه الجامعات جاهزة لتولي دورها الأمني، وشدد على ضرورة تهيئة بيئة المجمعات السكنية لتكون جاهزة لاستقبال الطلاب.
وأُغلقت جميع الجامعات الحكومية في السودان بقرار وزاري منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، في محاولة من النظام المخلوع بقيادة عمر البشير تحجيم الاحتجاجات المندلعة ضده.
وبعد سقوط البشير، صدر قرار باستئناف الدراسة الجامعية، ولكن لم يتسنَّ تطبيقه بسبب استمرار الحركة الاحتجاجية.