الدولة العميقة موجودة في الأقاليم والولايات وليست في الخرطوم فقط ويجب الانتباه لهذا الأمر جيداً
السلطة الانتقالية في السودان تواجه العديد من التحديات والصعوبات للخروج بالسودان إلى بر الأمان وإخراجه من أزمته السياسية والاقتصادية والتجارية والعزلة الدولية.
كذلك تواجهها معضلة كبيرة في تحقيق التوافق وجلب السلام، فمنذ توقيع الوثيقة الدستورية لم يتحقق إنجاز يُحسب لها حتى الآن فيما يتعلق بمعاش الناس، وخطاباتها كلها وعود وسجال بينها وبين قوى الحرية والتغيير، ومحصصات حزبية جاءت على حساب الشعب السوداني وخصماً من رصيده الثوري.
قبل أسابيع كتبت مقالاً عن ضرورة تشكيل المجلس التشريعي واستكمال هياكل السلطة التنفيذية وتعيين الولاء المدنيين، وإذا تحقق ذلك فستكون هذه البداية الفعلية لتفكيك تمكين "الإخوان" في الأقاليم والولايات.
ما زالت السلطة الانتقالية بمجلسيها السيادي والوزاري تعمل على صياغة وعود وتوقعات وإعطاء مهدئات موضوعية فقط دون وضع حلول جزرية وحقيقة لحل المشكلات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطن السوداني.
فقوى الحرية والتغيير ومن بعدها مجلس السيادة والوزراء ركزوا جميعاً على تعديل وهيكلة السلطة المركزية أي الوزارات والمؤسسات والهيئات التي توجد في العاصمة فقط، ولم يهتموا بباقي أقاليم وولايات السودان، وهو ذات النهج الذي أودى بـ"الحكم البائد"، وقد تحدث عنه العديد من الساسة والخبراء مراراً وتكرارًا (التمركز والقوقعة في الخرطوم له أضرار كثيرة ومدمرة للسودان) ولا تجلب غير الخراب والهلاك والعجز الإداري والتنفيذي.
لذا لابد من العمل على تعيين الولاة وإنهاء تمكين "الإخوان" والحركة الإسلامية في ولايات البلاد الـ18 كما حدث في الخرطوم، وأن يتم حسم الانفلات الإداري والسلطوي ويشعر المواطن بتحقيق مواثيق الثورة التي أسقطت نظام "الإنقاذ البائد".
إن ما حدث في "مدني" و"الجنينة" و"بورتسودان" سيحدث مجدداً إذا استمرت السلطة الانتقالية في انتهاج نهج ضعيف وهش في التعامل مع المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
فهي تتحرك بوتيرة بطيئة لا تسهم في حسم الأمور بصورة سريعة وواضحة للجميع، لأن "الإخوان" لديهم مرتع خصب في الولايات المهجورة والمهمشة، التي لم تولِها السلطة الانتقالية اهتماماً كبيراً ولم تعمل على تفكيك تسلط "شرذمة" الإنقاذ فيها حتى الآن.
الدولة العميقة موجودة في الأقاليم والولايات وليست في الخرطوم فقط، يجب الانتباه لهذا الأمر جيداً، لأن أعضاء المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي هم في الأصل "حركة إسلامية" وينتشرون في كل السودان ولديهم عضوية في كل ولايات السودان.
ولتفكيك التمكين في الولايات، لا بد من استئصال العمق، لأنه جوهر التفكيك، وإذا رغبت في هزيمة عدوك فعليك بضربه في أعمق مكان لديه، لشل حركته وإيقاف تحركاته في ولايات السودان المختلفة، ولأن الأقاليم والولايات هي مربط الفرس في تحقيق السلام والتنمية والتعمير والرخاء ودعم الاقتصاد الوطني، يجب تنظيف حكوماتها من "الكيزان" وبعدها سنشهد سلاماً وتنمية وتعميماً في كل شبر من السودان.
إن مواطني هذه الأقاليم والولايات خرجوا على الظلم والجبروت، وهم من أسقطوا "الكيزان"، لذا فهم أولى بانتخاب من يرونه مؤهلاً لخدمتهم، وكما يقال "أهل مكة أدرى بشعابها"، يجب أن يقوم كل إقليم أو ولاية بانتخاب "والياً" شريطة أن يكون من أبناء المنطقة يعرف مشاكلها ويسهم في حلها مع المواطنين.
إن المسيرات التي جابت كل أنحاء السودان، للمطالبة باستكمال هياكل السلطة الانتقالية وتحقيق استحقاقات التحول الديمقراطي، وتنفيذ ما حوته الوثيقة الدستورية من تشكيل النقابات والاتحادات، ستتحول إلى مسيرات للمطالبة بتنحي الحكومة الانتقالية في حال لم يشاهد، ويرى الشارع السوداني والرأي العام نتائج ملموسة على أرض الواقع تحقق تطلعاته وتسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية والمعيشية للمواطن السوداني. ما زالت السلطة الانتقالية بمجلسيها السيادي والوزاري تعمل على صياغة وعود وتوقعات وإعطاء مهدئات موضوعية فقط، دون وضع حلول جزرية وحقيقة لحل المشكلات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطن السوداني وتتفاقم كل يوم.
لابد من إعادة النظر في الوثيقة الدستورية وما حوته ومعالجته في أسرع وقت تفادياً لحدوث ما لا يحمد عقباه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة