يوم تاريخي.. السودان يبدأ عهدا جديدا نحو الديمقراطية
الخبراء يؤكدون قدرة السودان على تخطي تحديات المرحلة الانتقالية "بدعم الأشقاء وروح الشراكة لا الخصومة بين كل الأطراف"
"يوم تاريخي".. هكذا يصف الخبراء الاتفاق الدستوري بين المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقوى الحرية والتغيير.
- إشادات عربية ودولية بتوقيع اتفاق السودان التاريخي
- واشنطن تهنئ الشعب السوداني بتوقيع الوثيقة الدستورية
الاتفاق اعتبره الخبراء "خطوة كبيرة نحو التحول الديمقراطي"، مؤكدين قدرة السودان على تخطي تحديات المرحلة الانتقالية "بدعم الأشقاء وإبداء روح الشراكة لا الخصومة بين كل الأطراف السودانية".
من الخلاف إلى طاولة المفاوضات
وفي الثالث من يونيو/حزيران الماضي بالتزامن مع أحداث فض اعتصام القيادة العامة للجيش بالعاصمة السودانية، كان مجرد الحديث عن عودة قادة المجلس العسكري إلى طاولة المحادثات مع قوى الحرية والتغيير القائدة للحراك الشعبي شبه مستحيلة على خلفية سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين السلميين إثر مداهمات أمنية لمقر الاعتصام.
واتسعت على إثرها هوة الخلاف بين قادة الجيش وقوى الحرية والتغيير، بعد أن أحرز الطرفان تقدما في المحادثات نهاية مايو/أيار وكادا أن يتفقا على تقاسم السلطة، إلا أن عملية فض الاعتصام شكلت تحولا كبيرا للأزمة.
لكن بدخول الوسيطين الأفريقي والإثيوبي لتقريب شقة الخلافات بينهما بعدما ابتدر الفرقاء السودانيون محادثات اقتسام السلطة بشكل مباشر دون وساطات.
ويعد الاتفاق السياسي والدستوري الموقع، السبت، بين قوى التغيير والمجلس العسكري خطوة للدخول في شراكة بين الطرفين لإدارة الفترة الانتقالية.
وحذر محللون سياسيون من "تشاكسهما في الفترة الانتقالية في بلد ممزق بالفقر ومحاط بالأزمات الاقتصادية".
ودفعت القوى المدنية التي تخوض تجربة جديدة بعد 30 عاما من حكم البشير بترشيحات لشغل مناصب النائب العام ورئيس القضاء ولا تزال المشاورات جارية لتسمية أعضاء مجلس السيادة وهم 5 من جانب قوى التغيير.
ويتيح الاتفاق الذي وقعه معلم الفيزياء أحمد ربيع نيابة عن قوى التغيير للأخيرة تشكيل حكومة انتقالية لمدة 3 سنوات وتشكيل مجلس تشريعي انتقالي بعد 3 أشهر من الآن وهو ما شجع السودانيين على المضي قدما في قبول الاتفاق رغم دعوات أطلقتها قوى يسارية وليبرالية بعدم الاعتراف بالاتفاق، متهمة قوى التغيير بتقديم تنازلات كبيرة وصعوبة تحقيق أهداف الثورة.
خطوة كبيرة نحو التحول الديمقراطي
الباحث السياسي أحمد الطيب يؤكد أن "الاتفاق خطوة كبيرة للتحول الديمقراطي مقارنة بالوضع في البلاد وهو وضع هش ومعقد لأن النظام البائد لم يكن مجرد نظام ارتكب أخطاء سياسية يمكن علاجها لكنه ارتكب انتهاكات واستباح المؤسسات بالتالي لا مفر من الأطراف المشاركة في الفترة الانتقالية من أجل التناغم وإبداء روح الشراكة لا الخصومة".
ويعتقد الطيب أن "حالة السودان معقدة للغاية ولولا أن السودانيين تمسكوا بالسلمية لانفرطت الدولة بالتالي يمكن تحقيق جميع المطالب بالسلمية والضغط للتحول الديمقراطي والحفاظ على التحالفات السياسية".
ويتزامن الاتفاق الذي ينص على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في أعلى هيئة انتقالية "مجلس السيادة" مع أزمة اقتصادية وارتفاع التضخم وشح السلع الأساسية مثل الخبز والوقود في الولايات السودانية وارتفاع نسبة البطالة.
ويأمل السودانيون بأن ينهي الاتفاق هذه الأزمات بينما يسود القلق حول كيفية تأمين الموارد المالية لتغطية العجز في الميزان التجاري الذي ارتفع في آخر إحصاء حكومي قبل أشهر إلى 4 مليارات دولار؛ ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء للعملات الأجنبية وشح الأدوية وتعثر طلبياتها وارتفاع أسعار الغذاء والسلع الاستهلاكية.
السودان يعود للمجتمع الدولي
تعمد محمد ناجي الأصم، الطبيب المؤسس لتجمع المهنيين الذي يحظى بشعبية واسعة بين السودانيين، التطرق إلى "العزلة التي تواجه بلاده جراء السياسات الخارجية للنظام البائد"، وفق ما ذكر في خطاب ألقاه في احتفال التوقيع أمام قادة أفارقة.
وأكد أن "السودان بصدد العودة للمجتمع الدولي لمساعدته على النهوض في ظل واقع اقتصادي يحتاج إلى إجابات سريعة من الحكومة الانتقالية، كما أن العقوبات السارية بحاجة إلى حوار مع واشنطن بالتالي فإن الحكومة الانتقالية تواجه تحديات داخلية وخارجية".
ويقول الباحث السياسي حامد حسين: "إن مستقبل الشراكة بين المجلس العسكري وقوى التغيير مرتبط باقترابهما من حقول الألغام وتفكيكها معا لعبور الفترة الانتقالية رغم أن المطالب أحيانا تعيدهما إلى فترات التوتر ربما من الأفضل الاتجاه إلى روح التصالح بدلا من التعامل الذي ساد الفترة السابقة".
دعم الأشقاء ينتشل السودان من كبوته
وتعد تعهدات الدول الصديقة والشقيقة وعلى رأسها السعودية والإمارات بمساعدة الشعب السوداني ودعمه في مواجهة التحديات من أبرز الملفات المطروحة على الساحة التي يعول عليها الخبراء في المساعدة على انتشاله من كبوته.
وقدمت الرياض وأبوظبي مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار حصل السودان بموجبها على وقود وقمح ووديعة بلغت نصف مليار دولار أمريكي منذ الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان الماضي.
ويشدد حافظ المهدي الباحث في العلاقات الدولية على أهمية تخصيص المساعدات الخليجية لإنشاء البنيات التحتية في مجال الطاقة والنقل والسكك الحديدية.
ويشير المهدي إلى أن "الحكومة الانتقالية تواجه تعقيدات حول اتخاذ القرارات لأن الاحتكام للوثيقة الدستورية لا يعني الاستغناء عن اتخاذ القرارات الصائبة في بعض الأحيان التي يمكن أن تعرقل دستوريا مثل مستقبل دعم السلع الأساسية وعما إذا كان السودان سيلجأ للبنك الدولي للاقتراض".
وأضاف: "من المبكر الحديث عن الاقتراض لكن دعنا نبحث عن كيفية خروج السودان من الأزمة الاقتصادية على المدى القصير وبالتالي فإن بناء القطاعات الإنتاجية تحتاج إلى الاقتراض الخارجي وتقوية الإرادة السياسية الداخلية ومكافحة الفساد وتقوية المؤسسات".
وأوضح أن "هذه إجراءات لا يمكن تحقيقها في أجواء تسودها الخلافات"، مضيفا: "أشعر بالتفاؤل رغم كل شيء لأن نظام البشير لن يحكم مجددا لقد شاهد السودانيون الانهيار بأعينهم".
فيما نصح الوسيط الإثيوبي محمود درير الحكومة الانتقالية بإنشاء البنية التحتية وتخفيض نسبة البطالة.
بدء تنفيذ الاتفاق
ومع دخول الاتفاق حيز التنفيذ تبدأ الأحد إجراءات تعيين رئيس القضاء والنائب العام وأعضاء مجلس السيادة على أن يعتمد الأخير مرشح قوى التغيير لمنصب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الخبير الاقتصادي بمنظمات الأمم المتحدة نهاية أغسطس/آب، كما يختار رئيس الحكومة الوزراء من قائمة الترشيحات المقدمة من قوى التغيير وهي من الكفاءات المستقلة.
وفي الأول من سبتمبر/أيلول المقبل يعقد مجلس السيادة ومجلس الوزراء أول مشترك ومن ثم يتولى مجلس الوزراء مهامه رسميا في معالجة الأوضاع التي تحتاج إلى تدخلات طارئة ورسم السياسات العامة للإصلاحات الاقتصادية والدبلوماسية وهما ملفان يبدي أحمد الطيب تفاؤلا بتغيير وضع السودان "إذا ما تركا للخبراء والكفاءات"، محذرا من "تغول أطراف أخرى في صناعة القرار والتأثير السلبي على هذين القطاعين المهمين".
ويعتقد الطيب بأن "السودان يمكنه العودة إلى المجتمع الدولي ومعالجة أزماته إذا ما تركوا الخبز لصانعه".
aXA6IDMuMTM5LjY3LjIyOCA= جزيرة ام اند امز