سياسة «الأرض المحروقة».. سلاح جديد في معركة الفاشر المصيرية
معركة محتدمة بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، تطول المنشآت الحيوية، وتعمق معاناة المدنيين.
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، يواجه نحو مليون مدني محصورين داخل الفاشر مصيرا مجهولا، لعدم استطاعتهم مغادرة المدينة إلى المناطق الآمنة، في ظل صعوبة الحصول على الغذاء بسبب غلق الطرق ومنع شاحنات المواد الغذائية من دخول المدينة.
ورغم تحذيرات إقليمية ودولية لطرفي النزاع لتجنب المواجهات العسكرية، داخل الفاشر المكتظة بالنازحين الفارين من جحيم الحرب في عواصم دارفور الأخرى، فإن الحشد العسكري وصل ذروته مؤخرا.
استهداف المنشآت الحيوية
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عباس عبدالرحمن، إن المعارك المستمرة بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع" أخفقت في تحقيق أهدافها المرجوة، بل تسببت في تدمير منشآت الكهرباء والمياه والمستشفيات.
وأضاف عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية" أن القصف العشوائي أدى إلى تشريد الآلاف من منازلهم، كما أن مجموعات كبيرة من النازحين في المخيمات بدأت في الهروب من نيران الاشتباكات.
وأوضح أن حرب الفاشر بالفعل تشبه سياسة الأرض المحروقة، خاصة أن عشرات القرى احترقت وأصبحت فارغة من السكان، مشيرا إلى أن الاشتباكات المستمرة في الفاشر والقرى المجاورة تسببت في معاناة بالغة التعقيد بالنسبة للمواطنين البسطاء.
عقوبات دولية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي يس، إن "استخدام أكثر من أسلوب من طرفي النزاع المسلح في السودان أمر ليس بالمستغرب سعيا لتحقيق انتصارات عسكرية حتى وإن كان على حساب البنية التحتية للبلاد، كما حدث قبل أيام مع مدينة الفاشر التي استخدم فيها كل طرف سياسة الأرض المحروقة دون مراعاة لأدنى مستويات الاحتياجات الإنسانية".
وأضاف يس لـ"العين الإخبارية": "قطعا هذا الأمر لن يخدم قضية الحرب التي يخوضها كل طرف في سبيل تحقيق أهدافه الموضوعة وفقا لمشروع مسبق، إنما سيفقد الدولة إمكاناتها رغم قلتها، بل سيضاعف هشاشة المؤسسات."
وتابع قائلا: "ربما ستعجل سياسة الأرض المحروقة بفرض مزيد من العقوبات الدولية على السودان، كما لوّح الاتحاد الأوروبي مؤخرا بهدف إيقاف الحرب وإنهاء نزيف دماء السودانيين".
واعتبر أن انتهاج سياسة الأرض المحروقة باستهداف المؤسسات، قد يدخل السودان في نفق مظلم خاصة ما بعد الحرب، حال عدم تفاعل المجتمع الدولي في إعادة ما دمرته الحرب، إذ ستزداد حينها المتاعب والتحديات، وقد تظهر مجموعات مسلحة جديدة تضع لنفسها برنامجا عسكريا/سياسيا تحت دعاوى انعدام تلك الخدمات.
سياسة "الأرض المحروقة"
ومع تصاعد وتيرة العنف، قالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، إن "التصعيد الحالي من قوات الدعم السريع، واعتداءاتها على مدينة الفاشر وانتهاجها سياسة الأرض المحروقة وإزالة قرى كاملة من على الأرض وقصفها المستمر للأحياء السكنية التي تخلو من أي وجود عسكري هو إحدى نتائج التقاعس الدولي".
وأوضح البيان، أن "مدينة الفاشر تحتضن أكبر عدد من النازحين، واستهداف المدينة هو استهداف للنازحين والمدنيين".
في المقابل، ذكرت قوات "الدعم السريع" في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية": "في تعدٍ سافر ومحاولة لإجبار قواتنا على الدخول في مواجهات مباشرة، تعمدت قوات الجيش السوداني والحركات المسلحة، الهجوم للمرة الـ23 على مواقعنا في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور".
وأوضح البيان، أن "الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، قصف الأحياء السكنية والمواقع الحيوية والمستشفيات في استهداف ممنهج لإشاعة الفوضى وتمرير مخططهم الخبيث بإشعال الحرب الأهلية".
وأضاف: "كل يوم يكشف مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور) عن وجهه الحقيقي كمرتزق، لا يأبه لمصير الأبرياء من أهل دارفور الذين تاجر وتسلق إلى السلطة باسمهم، وعاد اليوم ليسقط البراميل المتفجرة على رؤوسهم".
تدمير مستشفى الأطفال
من جانبها، كشفت منظمة أطباء بلا حدود عن إغلاق مستشفى "بابكر نهار" للأطفال بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد غارة جوية أودت بحياة طفلين ومقدم رعاية صحية.
ويقع مركز علاج الأطفال بالقرب من المستشفى الجنوبي الذي يُعد المرفق الصحي الوحيد العامل في المدينة الذي يتكدس بالجرحى الذين أُصيبوا خلال الاشتباكات التي تشهدها الفاشر على مدى 3 أيام.
وقالت المنظمة، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، "غارة نفذها الجيش، سقطت على بعد 50 مترا من مستشفى بابكر نهار للأطفال، ما أدى إلى انهيار السقف فوق وحدة العناية المركزية ووفاة طفلين كانا يتلقيان العلاج بجانب أحد مقدمي الرعاية".
وتأسفت على إغلاق المرفق الذي يُعد واحدًا من المستشفيات القليلة المتخصصة في علاج الأطفال، كما يتلقى إحالات من جميع أنحاء إقليم دارفور بعد إغلاق معظم المستشفيات الأخرى.
ونُفذت الغارة الجوية، إثر اندلاع مواجهات شرسة بين طرفي الصراع في الفاشر أسفرت عن مقتل 27 شخصًا وإصابة 160 آخرين.
وقال رئيس عمليات الطوارئ في أطباء بلا حدود، ميشيل أوليفييه لاشاريتيه، إن "طفلين كانا يتلقيان العلاج في وحدة العناية المركزة في مستشفى الأطفال قُتلا، بالإضافة إلى مقدم رعاية صحية، نتيجة أضرار جانبية لغارة جوية شنها الجيش".
ومضى قائلا إن "المستشفى تعرض للنهب في بداية الحرب، إذ جرى إجلاء الأطفال إلى عيادة صحية صغيرة، قبل أن تقوم المنظمة بإعادة تأهيله وتوسيعه في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023".
وتابع "تطوير عيادة صغيرة إلى مستشفى فعال ليس بالمهمة السهلة، خاصة في أثناء النزاع الدائر. الآن لدينا مستشفى آخر معطل بينما كنا نحاول توسيع نطاق الاستجابة في الفاشر ومخيم زمزم لأزمة سوء التغذية الكارثية."
تعطيل وصول الإغاثة
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، ومن بينهم العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توافر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة، بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDIg جزيرة ام اند امز