"مبادرة حمدوك".. سيناريو سوداني لإضاءة "النفق المظلم"
وسط أجواء ملبدة بالغيوم وسيل من التحديات، بدأت الآلية الوطنية لتنفيذ مبادرة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، أعمالها بآمال كبيرة.
وتهدف مبادرة حمدوك التي أطلقها الشهر الماضي وشكل آلية وطنية من 71 قياديا سياسيا وأكاديميا لتنفيذها، إلى توحيد قوى الثورة السودانية وإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتحقيق العدالة ومعالجة الأزمة الاقتصادية واستكمال السلام، وتفكيك نظام الإخوان المعزول ومحاربة الفساد، وترسيخ السياسة الخارجية والسيادة الوطنية، وتشكيل المجلس المجلس التشريعي.
ورغم التباين الذي برز في المشهد السوداني إزاء مبادرة حمدوك، إلا أن ثمة التفافا شعبيا وسياسيا من جانب القوى الثورية حول خطوة رئيس الوزراء، بوصفها خارطة طريق جديدة لتجاوز حالة الجمود والانسداد نحو حلول شاملة لأزمات البلاد.
وأبدى سياسيون تفاؤلا كبيرا بأن تقود مبادرة رئيس الوزراء إلى اختراق كبير في الوضع السياسي وحالة التوهان والإحتقان السائد الآن، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى معالجات للضائقة الاقتصادية وبالتالي تحصين كلي لعملية الانتقال الديمقراطي المنشود.
وفي كلمته أمام الاجتماع الأول للآلية الوطنية لمعالجة الأزمات "منبثقة عن المبادرة"، أكد رئيس الوزراء السوداني، أن حكومته تسعى بكل ما لديها من قوة لمواجهة التحديات والمصاعب في البلاد.
وشدد على أن المبادرة تهدف إلى توحيد قوى الثورة الذين وصفهم بـ"أهل المصلحة" في كتلة واحدة من أجل تحقيق الانتقال ومعالجة الأزمات.
ونبه إلى أن "الآلية الوطنية التي شكلها لتنفيذ المبادرة، مؤقتة وليست دائمة وسوف تنجز عملها في غضون شهرين وستقدم توصياتها حول القضايا السياسية والاقتصادية التي تسعى المبادرة إلى معالجتها".
وقال حمدوك أيضا إن "الفترة الانتقالية ستنتهي بإقامة إنتخابات حرة ونزيهة في البلاد وسوف تسلم السلطة لمن يختاره الشعب، وهذا جزء من المهمة المؤكلة للآلية الوطنية".
اختراق سياسي
وعبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، مصطفى ضواي عن تفاؤله بأن تقود مبادرة رئيس الوزراء إلى اختراق كبير في الوضع السياسي والخروج من ما وصفه بـ"حالة التوهان والاحتقان السياسي".
وشدد ضواي في حديثه لـ"العين الإخبارية" على أن "نجاح المبادرة في تحقيق هذه الأهداف السامية يتوقف على توفر الظروف الموضوعية وحدوث توافق سياسي وعقد جتماعي بين القوى السودانية بمكوناتها المختلفة".
ودعا الأكاديمي السوداني إلى تجنب الجنوح إلى المحاصصات الحزبية في تقاسم السلطة، حتى لا تكون خطوة حمدوك نسخة مكررة من "مبادرة الحوار الوطني" سيئة الذكر التي أطلقها الرئيس المعزول عمر البشير في أيامه الأخيرة بكرسي السلطة.
واعتبر أن مصدر قوة مبادرة حمدوك هو إحتوائها لقادة الإدارات الأهلية وهم أصحاب نفوذ وتأثير قوى على المجتمعات "القبائل" يفوق الأحزاب السياسية بمراحل.
لكنه أعاب على المبادرة من ناحية ضعف تمثيل النساء في آلية تنفيذها مما يشكل تراجعا في التقدم الذي أحدثته السلطة الانتقالية في مجال تمكين المرأة وزيادة تمثيلها السياسي.
وبذات التفائل تحدث المحلل السياسي الجميل الفاضل، عن مبادرة حمدوك، مشيراً إلى أنها "شخصت الأزمات والمشكلات كتشظي قوى الثورة والاحتقان السياسي والانفلات الأمني وتأخر سير العدالة، وهي تحديات عطلت مسيرة الانتقال.
ونبه "الفاضل" في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن المبادرة سوف تضع حلولا لهذه المشكلات عبر الآلية الوطنية التي جرى جدل حول تشكيلها وربما تسهم في علاج أزمات البلاد خاصة وأنها حظيت بدعم وتأييد من الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الكبرى.
وأشار إلى أن اعتذار 4 قيادات عن عضوية الآلية الوطنية وهم مني أركو مناوي وهادية حسب الله، والإمين ترك، ودقلل، يعود إلى خلافات سابقة داخل تحالف الجبهة الثورية والحرية والتغيير انعكست على المبادرة.
وقال الفاضل إن قوى الثورة المضادة وفلول الإخوان إلتفوا حول مبادرة حمدوك في بداية الأمر ظنا منهم أنها بمثابة إعلان لفشله في إدارة الشأن التنفيذي ورفع للراية البيضاء وتمهيد لإشراكهم في السلطة، لكن سرعان ما هاجموها بعد أن اكتشفوا أنها ضدهم.
وأشار الى أن حمدوك قام بعمل توازن كبير في تشكيل الآلية الوطنية تناسب تعقيدات المشهد، واختياره لرئيس حزب الأمة القومي اللواء المتقاعد فضل الله برمة ناصر المحسوب تاريخيا على القوات المسلحة رئيسا للآلية، هو بمثابة رسالة طمأنة للمكون العسكري في السلطة الانتقالية.
وفي يونيو /حزيران الماضي، طرح حمدوك رسميا مبادرة تهدف لما وصفه بإنقاذ البلاد وتحصين عملية الانتقال ووحدة قوى الثورة وإنجاز السلام الشامل في السودان.
ولفت إلى أنه اطلع القادة العسكريين والمدنيين في السلطة بمبادرته، موضحاً أنها ستوزع مكتوبة مصحوبة بمشاورات يجريها بنفسه مع كل القوى السياسية في البلاد.
وقال رئيس الوزراء السوداني: "مبادرتنا ستعمل على توحيد مراكز القرار داخل البلاد عبر آليات متفق عليها".
وأوضح أن المبادرة تشمل معالجة قضية العدالة وإنصاف الأبرياء والقضاء على الإفلات من العقاب.
وشدد على ضرورة تفكيك "دولة الحزب" لصالح دولة السودان، مضيفا: "لا بد من تواجد القدرة للتوافق على برنامج اقتصادي يعالج أزمات شعبنا"
ومضى في حديثه: "يجب التوافق على آلية لحماية المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد".
aXA6IDUyLjE0LjI3LjEyMiA= جزيرة ام اند امز