تعثر مفاوضات جدة.. مصير «جنيف» بيد البرهان و«بديل صعب» في الأفق
رغم الضغوط الإقليمية والدولية، تعثرت المشاورات الاستباقية في مدينة جدة السعودية، قبيل انطلاق محادثات جنيف الأسبوع المقبل.
وانتهت المفاوضات التي شارك فيها وفد حكومي سوداني مع الولايات المتحدة دون نتيجة أو أمل نحو اتفاق، وعاد الوفد إلى بورتسودان.
وأبدى الشارع السوداني، وقواه السياسية والمدنية استياء بالغا من تعثر المفاوضات في مدينة جدة، الأمر الذي يخيم بظلاله على مفاوضات جنيف المقررة الأسبوع المقبل.
مواجهة المجتمع الدولي
إذ قال رئيس تحرير صحيفة (التيار) عثمان ميرغني: "لا يزال موقف الحكومة غامضًا، وقابل للتغيير رغم البيان الرسمي الصادر عنها والذي أغلق الباب أمام مفاوضات سويسرا".
وأضاف ميرغني في حديثه لـ"العين الإخبارية": "إذا استمر الرفض وفشلت المفاوضات فإن هناك تبعات كبيرة لذلك قد تدخل السودان في مواجهة مع المجتمع الدولي."
وتابع، "منها على سبيل المثال فرض مزيد من العقوبات على الشخصيات القيادية في الدولة، وسحب الاعتراف بالحكومة الحالية، وفرض ممرات آمنة لإيصال المعونات الإنسانية دون إذن من الحكومة."
وأشار إلى أن الحديث عن الفصل السابع بميثاق الأمم المتحدة (استخدام القوة) قد يكون سابقًا لأوانه، لكن من المحتمل استخدام أساليب دبلوماسية وإحكام الحصار حول السودان وفرض حظر غير مُعلن على السلاح.
ابتزاز الإسلاميين
من جهتها، قالت رئيسة تحرير صحيفة "التغيير"، رشا عوض: "ما حدث في مدينة جدة معناه أن هناك جهة سياسية تعرقل ذهاب الجيش السوداني للحل التفاوضي إلا بشرط حصولها على مكاسب سياسية من خلال مشاركتها في المفاوضات."
وأضافت عوض في حديثها لـ"العين الإخبارية" أن "ما يحدث هو ابتزاز الإسلاميين للجيش السوداني والمجتمع الدولي، لو رضخ رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، ولم يذهب إلى جنيف أو ذهب وأفشل التفاوض بالتعنت والمطالبات غير المعقولة، فهذا معناه أن السودان يتجه للتصعيد العسكري في كل الجبهات، وهو ما يعني موجات جديدة من نزوح ملايين السودانيين وتشردهم".
وتابعت: "لو انفتحت جبهة قتال جديدة في شرق السودان فهذا معناه تحول الحرب إلى حرب وكالة إقليمية".
حرب شاملة
فيما قال الكاتب والمحلل السياسي، عبدالجليل سليمان، إن "تعثر مفاوضات جدة وإغلاق الباب أمام مفاوضات سويسرا سيؤدي إلى حرب شاملة، خاصة وأن النزاع المُسلح حاليا على تخوم ولاية نهر النيل (وسط) وولايات شرق السودان، وما تبقى من السودان تغطيه الحرب فعلا".
وأوضح سليمان في حديثه لـ"العين الإخبارية": "استمرار الحرب يعني تفاقم المجاعة، والسودان سينهار كدولة".
وأضاف: "إذا استمرت الحرب لسنة أخرى فإن السودان سيتحول إلى دولة أمراء حرب، خاصة أن مجموعات طرفي النزاع ستتبعثر وتتناسل إلى أطراف كثيرة وتسيطر كل جهة على جزء منفصل عن الآخر".
ومضى قائلا: "حال عدم ممارسة الضغط بقوة على الطرفين لإنجاح المفاوضات في سويسرا، فإن الحرب ستؤثر تأثيرا سلبيا على المحيط الإقليمي".
تعثر مفاوضات جدة
وفور عودته إلى مدينة بورتسودان شرقي السودان، قال وزير المعادن السوداني، رئيس وفد الحكومة للتشاور مع الحكومة الأمريكية، محمد بشير أبو نمو: "أعلن بصفتي، رئيسا للوفد الحكومي في الاجتماعات التشاورية مع الأمريكيين في مدينة جدة السعودية، انتهاء المشاورات من غير الاتفاق على مشاركة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف".
وأوضح أبو نمو على صفحته الرسمية عبر "فيسبوك": "كتوصية للقيادة سواء كان الوفد ممثلا للجيش حسب رغبتهم أم ممثلا للحكومة حسب قرار الحكومة من الآن وصاعدا، والأمر كذلك متروك في النهاية لقرار القيادة بتقديراتها".
وأضاف "هناك بالتأكيد تفاصيل كثيرة قادتنا إلى هذا القرار بإنهاء الحوار التشاوري دون اتفاق".
لكن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم برييلو، قال في تغريدة عبر منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، ليل الأحد، "بفضل المملكة العربية السعودية وسويسرا كمضيفين مشاركين، يسعدني الوصول إلى جنيف من جدة لإطلاق هذا الجهد الدولي العاجل في سويسرا لإنهاء الأزمة في السودان."
وأضاف، "بالإضافة إلى المشاورات مع الأطراف، سمعنا من عشرات الآلاف من المدنيين داخل وخارج السودان، رسالتهم واضحة؛ إنهم يريدون وضع حد للإرهاب اليومي المتمثل في القصف والتجويع والحصار، والولايات المتحدة وشركاؤنا ملتزمون بالاستجابة لهذه الدعوة."
وكانت الحكومة السودانية أعلنت في بيان، الجمعة، إرسال وفد إلى جدة للتشاور مع الحكومة الأمريكية بخصوص الدعوة المقدمة منها لحضور مفاوضات ستنعقد في جنيف في 14 أغسطس/آب الجاري لبحث وقف إطلاق النار في السودان.
وتهدف المحادثات إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 16 شهرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وكان من المفترض أن تكون محادثات جنيف، التي وافقت قوات "الدعم السريع" على حضورها، أول محاولة كبيرة منذ أشهر للتوسط بين الطرفين المتحاربين في السودان.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل.