سياسة
مسؤول سوداني رفيع لـ"العين الإخبارية": الإخوان إلى مزبلة التاريخ ولن يعودوا للحكم
ملفات شائكة تشكل نقاط توقف بالمشهد السوداني تطرق لها عضو مجلس السيادة الجديد أبو القاسم محمد برطم، وقدم توضيحات قد ترفع الضبابية.
وفي مقابلة حصرية مع "العين الإخبارية"، بعث برطم بتطمينات للشارع السوداني فحواها أن الإخوان ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ولن يعودوا إلى مفاصل السلطة، مشيراً إلى أن عملية تفكيك التنظيم ستتواصل وفق أسس قانونية محكمة يصعب نقضها في المستقبل.
ودافع بشدة عن قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وما تبعها من اتفاق سياسي مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، معتبرا أن الخطوة "تصحيحية" لتفادي الخراب والانهيار الذي يعيشه السودان بسبب إخفاقات تحالف الحرية والتغيير، المكون المدني بالائتلاف الحاكم سابقا.
وأشار الى أن الأيام القليلة القادمة ستشهد توقيع ميثاق سياسي لاستكمال الفترة الانتقالية، لافتا إلى أنه تم الشروع في خطوات تشكيل الحكومة وتعيين الولايات والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية وتكوين المفوضيات.
وبحسب برطم، فإن الساعات القادمة ستشهد حلا تم التوافق عليه لأزمة شرق السودان يرضي كافة الأطراف، مشددا على أنه "ستحل قضية الشرق انتهاء المهلة التي أعطاها مجلس نظارات البجا لإعادة إغلاق الميناء".
والأحد، أعلن المجلس أنه سيتم غلق الطرق والموانئ شرق السودان بالموعد المحدد في 4 ديسمبر/ كانون أول الجاري (السبت).
وفي 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلن البرهان فرض حالة الطوارئ وحل الحكومة ومجلس السيادة، أعقبه اتفاق سياسي بينه وبين حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين ثاني المنقضي، عاد بموجبه الأخير إلى منصبه.
وإلى نص المقابلة:
* ما توصيفكم لقرارات البرهان في 25 أكتوبر الماضي؟
** في تقديري أن كلمة "تصحيح" هي أبلغ توصيف لما قام به الجيش، فالثورة السودانية لم تقم من أجل إسقاط الرئيس المعزول عمر البشير فحسب، وإنما لتطبيق شعاراتها المرفوعة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، لكن ما جرى خلال العامين الماضيين كان بعيدا كل البعد عن هذه الشعارات التي استشهد من أجلها الشباب.
فشهداء ثورة ديسمبر قدموا أرواحهم من أجل أن ينعم الآخرون بوطن تسود واقعه الحرية والسلام والعدالة، ولكن على النقيض، فإن فترة العامين الماضيين شهدت تغيير استبداد بآخر، وكانت الحكومة تسير بلا رؤية وهدف مثل السفينة دون ربان، وهذا أضاع البلاد وأدى لتدهور في المجالات الحياتية.
لقد تحديت في وقت سابق ما تسمى بالحاضنة السياسية للحكومة، تحالف الحرية والتغيير ، بأن يقدموا برنامج عمل لنصف ساعة قادمة ناهيك عن فترات زمنية طويلة، وتيقنت أنه لايمتلك برنامجا أو هدفا، وهذا ما قاد إلى انهيار تام في الاقتصاد وأضر بحياة المواطنين خلافا لما كان يتوقعه الشارع عقب الثورة.
إلى جانب كل هذه الإخفاقات، ساد خطاب كراهية وتمييز مضر، فإن كنت تقول إن المواطنة أساس الحياة فيجب أن يعامل السودانيون بالتساوي بغض النظر عن انتماءتهم الحزبية والقبلية، لكن "الحرية والتغيير" مارست نفس الاستبداد الذي كان ينتهجه نظام الإخوان المعزول، وجراء هذه الممارسات لم نحصد خلال تلك المدة سوى الخراب.
ولذلك، فإن ماجرى في 25 أكتوبر الماضي كان ضرورياً، وأعتقد أنه تأخر كثيراً وكان يجب أن يحدث منذ وقت لأن الخراب كان مستمرا. فما حدث (يشكل) مرحلة جديدة تستوجب بناء مؤسسات الدولة التي فشلنا فيها منذ 60 عاما، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة والمفوضيات هي ضمن شعارات 25 أكتوبر التي يجب أن نكون صادقين فيها.
نحن بحاجة إلى ثورة مفاهيم وكان ينبغي أن تستغل الحكومة السابقة الحماس الثوري للشباب وتوجيه طاقاتهم إلى الإنتاج وانشغلت بتوزيع كيكة (كعكة) السلطة والمحاصصات السياسية، وهو ما أنتج الواقع المرير الذي عايشناه، وجاءت بعده قرارات 25 أكتوبر.
* كيف تنظرون إلى الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك؟
اتفاق جيد وأدى إلى حقن الكثير من دماء السودانيين ومهد الطريق لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك لأن يعمل مع مكونات السلطة الأخرى، وصارت الأجواء مهيأة تماما بعد أن كان يشتكي في السابق من عراقيل الحاضنة السياسية، وهناك ميثاق سياسي سيوقع بالفترة القادمة.
* انتفض الشارع ضد قرارات الجيش وما تبعها. كيف تنظرون لحركة الاحتجاجات الأخيرة؟
التظاهر حق مشروع، ففي كل يوم يثبت الشارع السوداني أنه صاحب كلمة وإرادة قوية استمدها من تاريخه الطويل في صناعة الثورة ضد كل أشكال الاستبداد، لكن ما يجري حالياً يندرج في سياق الخلاف السياسي، فمن الطبيعي أن تجد معارضين لك فلا يوجد إجماع في العمل السياسي العام، فالحكومة الانتقالية نفسها خرجت ضدها احتجاجات سواء "الزحف الأخضر" أو غيره، فهم مواطنون سودانيون فوق كل شيء، وخرجوا يومها لأنهم فقدوا امتيازات السلطة ويحاولون استرجاعها.
ينبغي الالتزام بسلمية التظاهرات، فإغلاق الشوارع يعطل حرية الآخرين فضلاً عن أنه يدمر ممتلكات الدولة، والطوب وأعمدة الكهرباء هي ملك لدافعي الضرائب وعامة الشعب وليس لأعضاء مجلس السيادة. قادة الاحتجاجات يبررون إغلاق الطرق للحيلولة دون وصول القوات الأمنية إليهم وقمعهم، وهذا ليس منطقياً لأن القوات الأمنية يمكنها الوصول إلى المحتجين في أي مكان ولديها آليات تمكنها من ذلك، لكن المتاريس تعيق حركة الناس وتدمر الممتلكات العامة، فهذا الأمر يتم بتحريض خاطئ لشباب صغار في السن، نحن بحاجة إلى ثورة لتصحيح المفاهيم.
* سقط عشرات القتلى في الاحتجاجات الأخيرة ما يؤكد عنف القوات الأمنية. ما تعليقكم على هذا الأمر؟
موقفي المبدئي هو رفض قتل النفس وإراقة نقطة دم سودانية، ويجب أن ينال مرتكبو هذه الجرائم عقابهم سواء كانوا يتبعون للشرطة أو الجيش أو قوات الدعم السريع أو أي طرف ثالث أو خامس أو حتى لو جاء من المريخ، ينبغي أن تطاله المحاسبة.
لكن هناك مزايدات سياسية تحدث بهذا الخصوص وضبابية تكتنف حتى العدد الفعلي للشهداء من المتظاهرين، وجدل حول من يقتلهم وسط تقارير حول وجود طرف ثالث، والشرطة أيضاً تتحدث عن مصابين من جانبها، فما أستطيع تأكيده هو وجود تعليمات واضحة صادرة لكافة تشكيلات الأجهزة الأمنية بعدم إطلاق الرصاص على المحتجين في كل الأحوال.
* شكل مجلس السيادة لجنة للتحقيق في أحداث 13 و17 نوفمبر التي أسفرت عن مقتل عشرات المحتجين. هل يمكن أن تفضي لنتائج تقود الجناة للعقاب؟
مجلس السيادة مستمر بالتحقيق في هذه الأحداث. نحن كدولة حريصون على الاستقرار وعدم إراقة الدماء والمضي قدماً، ولكن هناك طرف آخر لا يرغب في ذلك ويزرع العراقيل بالمسيرات والموت، فهناك تظاهرات في الأسبوع ولدينا يومان إجازة فأصبحنا نعمل ثلاثة أيام فقط في الأسبوع وهذا تعطيل كبير لدواليب العمل بالدولة لا يتماشى مع واقعنا كبلد فقير، وبوضعية مماثلة لن يستطيع المسؤولون تغيير الحال ولو امتلكوا عصا موسى.
* طالما الأمر مؤثر لهذه الدرجة، فلماذا لا يستجاب لصوت الشارع؟
كلمة شوارع أصبحت فضفاضة ولا تعبر عن واقع الحال، فـ"مليونية" تعني خروج مليون شخص في الاحتجاجات وما نشاهده الآن بضع مئات الآلاف وهذا قطعاً لا يعبر عن كل السودان الذي تسكنه 40 مليون نسمة، في تقديري الذين خرجوا هم مجموعة فقدت السلطة وتحاول استعادتها.
* كيف تمضي خطوات تشكيل الحكومة الجديدة؟
حسب علمي سيتم تعيين الولاة خلال وقت قريب بترشيح من القواعد والمكونات المجتمعية في الأقاليم وكذلك الوزراء، وقد دفعت بعض المناطق بمرشحيها بالفعل، وتم اعتماد معايير للمرشحين أهمها أن يكون مستقلا ويتمتع بالكفاءة ومؤهلا علمياً للمنصب، وألا يتجاوز عمره 70 عاماً وسيعرض المرشحون للفحص الأمني للتأكد من صحة المعايير.
لم يتم تحديد سقف زمني، ولكن خلال وقت وجيز من الآن سيتم تعيين النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية وتعيين الولاة والوزراء وتشكيل المفوضيات خاصة مفوضيتي الانتخابات والدستور وغيرها.
* كنتم من أبرز الداعمين لملف السلام مع إسرائيل. ماذا بعد تقلدكم منصبا رسميا؟
كان لدي موقف داعم بشدة لهذا الملف عندما كنت خارج السلطة، ولكن الآن لا أستطيع التعبير عن رأي شخصي، فموقفي سيكون في سياق الموقف الكلي الذي ستتبناه الدولة السودانية وفق ما تقتضيه مصلحتها العليا في كل علاقاتها الخارجية.
* ما مستقبل لجنة تفكيك الإخوان بعد المستجدات الأخيرة؟
تم تكوين لجنة من مجلس السيادة ستباشر عملها وفق أسس قانونية، وستقوم بمراجعة عمل اللجنة السابقة ومن ثم المواصلة في إجراءات تفكيك النظام السابق ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بطرق علمية وقانونية وبقرارات تصدر عن المحاكم حتى لايتم نقضها مستقبلاً.
* هل نفهم أن اللجنة الجديدة ستلبي مطالب السودانيين بتفكيك الإخوان ورد الظلم الذي وقع عليهم طوال 3 عقود؟
السودانيون مظلومون ليس لثلاثة عقود فحسب، وإنما طوال 60 عاما في الحكومات السابقة، فهناك أشخاص تمت مصادرة أموالهم بقرارات سياسية في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري ومن حقهم رفع شكاوى لدى حكومة السودان طالما الإجراء لم تتخذه محكمة، لذلك نحن بصدد تلافي الأخطاء التاريخية واسترداد أموال الشعب السوداني بطرق قانونية غير قابلة للنقض مستقبلاً.
* هناك تقارير تتحدث عن عودة كوادر الإخوان لمؤسسات الدولة ما يثير المخاوف والشكوك. ما حقيقة ذلك؟
أقول وأكرر أن نظام المؤتمر الوطني (الذراع السياسية للإخوان) وتجار الدين ذهب إلى مزبلة التاريخ ولن يعودوا مطلقاً بحكم الوثيقة الدستورية التي نصت بشكل واضح على عدم مشاركة هذا التنظيم، ولقد طالبت في العام 2017 بحل هذا الحزب لأنه تلقى أموالاً من دولة أجنبية وشيد بها مقره في الخرطوم.
لكن هناك فهم خاطئ، إذ لا ينبغي أن يطرد موظف من الخدمة العامة لمجرد انتمائه السياسي، هذا الأمر أقعد الخدمة المدنية فكل فنظام حكم يأتي يجري عليها جراحات وفق أجندته، كل ذلك أضر بالخدمة العامة خسرت الدولة كفاءات.
ينبغي أن لا تخضع الخدمة العامة لمعيار الكفاءة وليس الانتماء الحزبي طالما ننشد المواطنة أساساً للحياة، يجب أن يفصل الموظف إذا كان يتبنى خطا حزبيا داخل المؤسسة يعيق به العمل العام.
* أين وصلت مساعيكم لحل أزمة الشرق مع قرب انتهاء المهلة المحددة لإعادة إغلاق الموانئ؟
قبل حلول موعد انتهاء المهلة سيتم التوصل لحل يرضي كل الأطراف وهناك توافق على حل يرضي الجميع ولن يضطر أهلنا في الشرق لإغلاق الموانئ مرة أخرى.