إن ما تحقق هو إزاحة شخصيات قديمة من الساحة السياسية، وجلب وجوه جديدة تلعب نفس الأدوار السابقة مع تعديل بسيط في قوانين اللعبة السياسية.
ما يحدث في السودان هو نتاج طبيعي لمخلفات "الإنقاذ" التي عملت على تغييب الشعب السوداني طوال ربع قرن من الزمان، من خلال حرصها على إنهاك خصومها، وتمسكها بالسلطة بكل الطرق المباحة وغير المباحة، وبالنهب والفساد والمحسوبية والتزوير وغيرها من الأساليب الملتوية لتجعلها متربعة على عرش السلطة طيلة ربع قرن.
وبما أن السلطة الحالية تتعامل بشفافية ومكاشفة مع الشعب فإنها سوف تصطدم بالعديد من المطبات وستواجه عثرات مفتعله من بعض ضعاف النفوس ومن يسعون إلى الحصول على السلطة دون مراعاة لمصلحة المواطن والوطن.
فمنذ تشكيل المجلس العسكري الانتقالي الذي هو امتداد للجنة الأمنية "للإنقاذ" التي شكلها "الرئيس المخلوع" لإخماد الثورة الشعبية، وحتى تكوين مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين لم نر إنجازا يحسب للمجلسين يحقق شعار الثورة السودانية "حرية سلام وعدالة"، بل شهدنا أحداثا وهفوات كثيرة في المدة الزمنية التي انقضت من الفترة الانتقالية.
حيث حدثت وقائع وأحداث أعادت للأذهان ما كان يقوم به "الرئيس المخلوع" وأعوانه من الوزراء والمسؤولين في عهد "الإنقاذ البائد"، من تهليل لافتتاح مجمع أو مخاطبة جمع تم حشده خصيصاً لزيارة مسؤول أو زيارة سعادة الوزير لتفقد الأوضاع وصياغة الوعود والعهود لتنمية وتطوير المنطقة أو المدينة.
شهدنا خلال هذه الفترة تصفية حسابات بين بعض الأحزاب السياسية المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير، كما شهدنا استقالات لوزراء وإقالة وزير دون مبررات ومحددات إدارية ولا مركزية بل تلبية "لرغبات وغايات" بعض الشخصيات النافذة، ودون وجود تقييم منهجي يستند إلى مقومات جوهرية وواقعية لما تم إنجازه من قبل الوزراء الذين استقالوا من مهامهم الوزارية ولا الوزير الذي تمت إقالته.
هذه هي أفكار "الإخوان" التي دمرت السودان، وأوصلتنا لما نحن عليه الآن، فقد كانوا لا يهمهم المواطن ولا الوطن بل مصلحة "الجماعة".
نعود لنتابع الإنجازات التي تحققت منذ توقيع الوثيقة الدستورية والتي يمكننا أن نقول إنها "صفر" في نظر الشارع الثوري، لأنها لم تحدث أي جديد يصب في تحسين معاش الناس ويحقق الازدهار والنمو الاقتصادي والتنموي، ولا حتى السياسي كأبسط الإنجازات التي يتطلع لها السودانيين.
إن ما تحقق هو إزاحة الشخصيات القديمة من الساحة السياسية، وجلب وجوه جديدة تلعب نفس الأدوار السابقة مع مجرد تعديل بسيط في قوانين اللعبة السياسية، لنعود لنفس الدائرة القديمة ونستنسخ نموذج "الإخوان" الفاشل بإضافة تعديلات في اللاعبين الأساسيين فقط، وإزاحة الستار عن بعض القوانين المقيدة للحريات.
إن ما قام به أعضاء مجلس السيادة ووزراء الحكومة الانتقالية منذ استلامهم السلطة، هو استكمال ما كان يمارسه وزراء ومسؤولي الحكم البائد، يتحدثون في المنابر والمحافل ويشاركون في تدشين المنشآت المهمة وغير المهمة ويتسابقون في استقبال الوفود الرسمية وغير الرسمية وهذا كله لا يغني ولا يثمن من جوع لشعب ينتظر منهم أكثر من حضور افتتاح أو تدشين مصنع أو مركز، لشعب ثار لإعادة حقوقه المنهوبة ولتحقيق مطالبه الثورية "حرية وسلام وعدالة" والتي لم يتحقق منها شيء حتى يومنا هذا.
وهذه هي أفكار "الإخوان" التي دمرت السودان، وأوصلتنا لما نحن عليه الآن، فقد كانوا لا يهمهم المواطن ولا الوطن بل مصلحة "الجماعة" هي الأعلى وفوق كل غاية، لذا قاموا بنهب خيرات السودان باسم "الدين" وقسموه أجزاء وأقاليم وولايات وأشعلوا فيه الحروب وخلقوا النعرات القبيلة والجهوية، لتخلوا لهم الساحة لممارسة هوايتهم وألاعيبهم الدنيئة ويعثوا فساداً في بلد لم ينعم شعبه بالحرية منذ الاستقلال، وقد آن الأوان لينعم بالحرية والسلام والعدالة بعد الحرمان.
ليس من مصلحة الشعب السوداني استنساخ تجربة "الإخوان" الفاشلة مرة أخرى، ليعيش التجربة المريرة مرة أخرى، لهذا نقول لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء راجعوا بنود الوثيقة الدستورية "الثورية" وليست التي كتبتموها بأيديكم لأن الشارع لا يعرف سوى صوت "حرية سلام وعدالة" وكلمة "تسقط بس" هي السلاح القوي في حال لم تتحقق مطالب الثورة الشعبية، وشعب صبر ثلاثين عاما على الظلم والقهر والحرمان لن يلدغ من الجحر مرتين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة