اتفاق الخرطوم.. تفاؤل حذر بإحلال السلام في جنوب السودان
محللون يرون أن تحقيق السلام في جنوب السودان بموجب اتفاق الخرطوم، مرتبط بالإرادة السياسية لقادة البلاد.
وقّع فرقاء جنوب السودان، اتفاق سلام نهائيا في العاصمة السودانية الخرطوم، بشأن تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية، في خطوة وجدت ترحيبا واسعا من الأطراف الدولية والإقليمية لأنها تمثل أساسا لوقف الحرب بالبلاد.
الاتفاق الذي تسبب في فرحة واسعة وسط شعب جنوب السودان، أثار تساؤلات ملحة بشأن قدرته في إحداث استقرار حقيقي في البلاد، خلافا للاتفاقات السابقة التي خسرت معركة البقاء والصمود طويلا.
ويرى محللون تحدثوا لـ"العين الاخبارية" أن تحقيق السلام في جنوب السودان بموجب اتفاق الخرطوم، مرتبط بالإرادة السياسية لقادة البلاد في الحكومة والمعارضة، ومدى تفهمهم للحالة التي وصلت إليها البلاد.
فانهيار نحو 3 اتفاقات سابقة بين فرقاء جنوب السودان، جعل قادة الدولة الوليدة، أنفسهم يبدون مخاوف علنية بشأن تنفيذ الاتفاق وحمايته من مواجهة مصير الاتفاقات السابقة.
وعبّر رئيس دولة جنوب السودان، خلال مراسم توقيع الاتفاق في الخرطوم، عن أنه يأمل في ألا يكون الاتفاق النهائي "حبرا على ورق"، وأن تجد بنوده طريقا للتنفيذ.
أما زعيم المعارضة المسلحة رياك مشار، فكان له ذات المخاوف، رغم تفاؤله الكبير بنجاح الاتفاق، وقال: "نحن وقعنا ولكن الشيطان في التنفيذ".
لكن الرئيس السوداني عمر البشير "راعي الاتفاق"، بدا واثقا من تنفيذ اتفاق سلام جنوب السودان، مؤكدا استمرار بلاده في دعم الجنوب إلى النهاية، من واقع مسؤوليته الأخلاقية تجاه الشعب الجنوبي.
وبخلاف جدلية تطبيق الاتفاق من عدمه، يرى خبراء أن توصل فرقاء الجنوب إليه يعد خطوة مهمة لتحقيق السلام، ويشكل إنجازا للوساطة السودانية التي نجحت فيما فشل فيه الآخرون.
ويرى المحلل السياسي السوداني عبدالله النصيح، أن حكومة الخرطوم نجحت في إقناع جميع الفصائل الجنوبية المتمردة، حتى الممانعين، بقبول الشكل النهائي للاتفاق واستطاعت في فترة وجيزة أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه بقية الدول الأفريقية بحضور ومباركة دولية.
وأضاف النصيح، أن الفرقاء في جنوب السودان أدركوا أن حل النزاع بينهم لا يأتي عبر السلاح، لذلك قدموا كثيرا من التنازلات من أجل إحلال السلام، لافتا إلى أن الصيغة الحالية للاتفاق تعد مرضية للجميع، كونها نصّت على اقتسام كل الفرقاء الحكم، وإنهاء السيطرة المطلقة لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، بشكل تدريجي بعد فترة انتقالية، وتضمين نص إجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد نهاية أمد الاتفاقية.
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي من جنوب السودان ملوك ميوت، إن الاتفاقية تعد إنجازا يحسب للخرطوم، التي استطاعت إقناع الفصائل المتنازعة في الجنوب بالالتقاء حول هدف إنهاء النزاع الدائر منذ 4 سنوات.
وذكر أن الوساطة السودانية نجحت في إدارة التفاوض بسبب تفهمها طبيعة الصراع ومطالب كل طرف، واستطاعت إقناع كل الأطراف بتقديم التنازلات لضمان تحقيق السلام والتوصل لاتفاق نهائي.
وقال ميوت إن اتفاقية الخرطوم تختلف عن اتفاقية 2015 التي وقعت في جنوب السودان، لكونها غير مفروضة على كل الأطراف، بل إن الخرطوم منحت وقتا كافيا لكل من الفصائل المتنازعة للتشاور وإبداء الرأي، وهو ما كان مفقودا في كل الجولات السابقة التي فشلت فشلا تاما في تحقيق التوافق بين المتمردين والحكومة.
وأضاف أن الاتفاقية صارت ملك شعب جنوب السودان، لأنه أصبح مدركا لأهميتها في إنهاء الحرب، مشيرا إلى أن حديث سلفاكير ووصفه للاتفاقية بأنها غير مسبوقة، يعد مؤشرا لإمكانية صمود الاتفاقية وتحقيقها لأهدافها المتمثلة في إنهاء الصراع، وإحلال السلام النهائي في جنوب السودان.
فيما قال أستاذ العلوم السياسية السوداني د. بهاء الدين مكاوي، إن اتفاق السلام كان ضرورة حتمية لإنهاء النزاع المدمر في جنوب السودان، الذي قاد إلى انهيارها.
ويرى أن السودان تضرر بشكل كبير من هذا النزاع، بسبب توقف النفط ونزوح أعداد كبيرة من أبناء الجنوب، لذا كان الخيار الأفضل للخرطوم بعد تعقد الأوضاع وفقدان المجتمع الدولي الثقة بسياسيي جنوب السودان، وضع حدٍ لنزاعاتهم وإعادة بناء دولتهم ووقف التقاتل على أسس إثنية وعرقية.
وأفاد بأن معظم أبناء شعب الجنوب أدركوا بعد سنوات، أن المعارضة لم تنتصر على الحكومة، وكذلك الحكومة لم تستطع القضاء على المعارضة، لقوة الطرفين النسبية، وأشار إلى أن اتفاق السلام استطاع مراعاة مصالح الأطراف المختلفة، وهو ما سيكون سببا لنجاحه في المستقبل.