خبراء لـ«العين الإخبارية»: محكمة العدل برأت الإمارات من أي افتراءات

مثل قرار محكمة العدل الدولية، اليوم الإثنين، بإسقاط الدعوى التي رفعها قادة الجيش السوداني ضد دولة الإمارات، تبرئة لساحتها من أي افتراءات، حسب خبراء ثقات في القانون الدولي.
وأسقطت محكمة العدل الدولية، اليوم الإثنين، الدعوى المرفوعة من السودان، ضد دولة الإمارات، لعدم الاختصاص، معتبرة الدعوى كأن لم تكن.
وقال الدكتور مجيد بودن المحامي المختص بالقانون بالدولي المقيم في باريس، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن القرار إبراء لساحة الإمارات تماما من أي اتهامات، وتأكيد أن جميع الادعاءات الموجهة ضدها لا أساس لها من الصحة.
لا طعون
وشدد بودن على أن محكمة العدل الدولية لم تقبل بالاختصاص القضائي كما طلبته السودان، في ظل ما أبدته الإمارات من تحفظ واضح على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي انضمت لها عام 2005.
والإمارات هنا، يوضح بودن، أكدت في الوقت ذاته الالتزام بمضمون الاتفاقية ومبادئها، مع الاحتفاظ بحقها في الموافقة المسبقة على أي إحالة للنزاعات إلى المحكمة الدولية.
ووفقا لأستاذ القانون الدولي، فإن قرار محكمة العدل الدولية، يحمل دلالة واضحة على أن الإمارات لم تقم بأي أفعال تحمل أي إدانة توجه لها.
وأكد في هذا الصدد، أن قرار المحكمة يعزز موقف الإمارات تماما، بعد رفض أي قرارات تحفظية تصدر ضدها وإبراء لساحتها تماما، مضيفا: "القرار ملزم للطرفين ولا يمكن الطعن عليه".
ودعا بودن الجيش السوداني إلى الامتثال للقانون الدولي، والعمل على حماية المدنيين العزل؛ لأن ذلك هو أساس لأي حكم يقوم في السودان.
دعوى كيدية
من جانبه، أكد الدكتور عامر فاخوري، أستاذ القانون الدولي، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من الجيش السوداني ضد دولة الإمارات لعدم الاختصاص، يكشف بوضوح أن الدعوى افتقرت إلى أي أسس قانونية متينة، واتسمت بطابع كيدي وسياسي.
وأوضح فاخوري في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "غياب أي سند قانوني لاختصاص المحكمة يعكس ضعف الحجة القانونية المقدمة، ويشير إلى أن الهدف من الدعوى لم يكن تحقيق العدالة، بل ممارسة ضغوط إعلامية وسياسية على دولة الإمارات".
وأعرب أستاذ القانون الدولي عن اعتقاده بأن هذه المحاولة من قبل الجيش السوداني تظهر كقضية ذات طابع كيدي، أرادت من خلالها بعض الأطراف توظيف هيبة القضاء الدولي في معركة سياسية وإعلامية ضد دولة الإمارات.
وأضاف "القضاء الدولي ليس ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو توجيه الاتهامات دون سند قانوني واضح"، مشددًا على أن محاولة الجيش السوداني توظيف المحكمة في صراع إقليمي إنما تعكس توجهًا لتسييس العدالة الدولية.
واختتم فاخوري بالتأكيد على أن "محكمة العدل الدولية أثبتت مجددًا تمسكها بمبدأ سيادة القانون، ورفضها الانجرار وراء الأجندات السياسية، لترسخ استقلال القضاء الدولي وهيبته".
نموذج استثنائي
من جهته، أكد الدكتور محمد محمود مهران، خبير القانون الدولي البارز، أن الإمارات قدمت نموذجاً استثنائياً في الدبلوماسية القانونية الاستباقية عبر تحفظها على المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، مما أسقط دعوى السودان أمام محكمة العدل الدولية منذ اللحظة الأولى.
وقال مهران في حديث لـ"العين الإخبارية" إن تحفظ الإمارات في عام 2005 شكل نظام حماية قانوني يحصن سيادة الإمارات الوطنية ويؤكد في الوقت نفسه التزامها الصارم بموضوع وجوهر الاتفاقية، فدولة الإمارات تمكنت من موازنة احترامها لمبادئ القانون الدولي مع صيانة حقها الأصيل في عدم الخضوع لاختصاص قضائي دولي لم توافق عليه صراحة.
وأوضح مهران أن قرار محكمة العدل الدولية يمثل سابقة قضائية مهمة للدول العربية، تفتح آفاقاً جديدة في كيفية الانضمام للاتفاقيات الدولية بطريقة تحمي المصالح الوطنية دون الإخلال بالالتزامات الدولية.
واضاف أن ما يجب أن تتعلمه الدول من هذا الدرس القانوني هو أن التحفظات ليست مجرد إجراء شكلي، بل استراتيجية قانونية متقدمة تستخدمها الدول الحريصة على مصالحها، فالمادة التاسعة تتعلق فقط بآلية تسوية النزاعات وليس جوهر الالتزام بمنع الإبادة الجماعية، وهذا الفارق الدقيق هو ما أغفلته الحكومة السودانية عند تقديم دعوى كانت محكومة بالفشل منذ البداية.
ولفت الخبير الدولي إلى أن التداعيات المستقبلية لهذا القرار ستتجاوز العلاقات الإماراتية - السودانية، لتؤسس لنهج جديد في التعامل القانوني الدولي.
وتابع: "القانون الدولي يحترم سيادة الدول وإرادتها، والإمارات قدمت نموذجاً في الالتزام الذكي بالمعاهدات الدولية، فهي لم ترفض مبادئ الاتفاقية، بل أكدت على حقها الأصيل في تحديد آليات تسوية النزاعات التي ترتبط بها، وقد أثبتت المحكمة احترامها لهذا الحق في قرارها التاريخي الذي يضاف إلى سجل الانتصارات القانونية للدبلوماسية الإماراتية".
حجر الزاوية
من جهته، قال الدكتور مروان القطب استاذ القانون العام في الجامعة اللبنانية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن قرار محكمة العدل الدولية، برفض الدعوى المقدمة من السودان ضد دولة الإمارات، يستند إلى أساس قانوني سليم ضمن إطار القانون الدولي.
وأوضح القطب أن المحكمة قررت أنها تفتقر إلى الولاية القضائية للنظر في هذه القضية، وذلك بسبب التحفظ الذي أبدته الإمارات عند توقيعها على الاتفاقية عام 2005 بشأن المادة التاسعة، التي تمنح المحكمة صلاحية البت في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية.
وتُعد المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 حجر الزاوية في تحديد الآلية القانونية لحل النزاعات بين الدول الأطراف في الاتفاقية.
وفي هذا الإطار، أبرز القطب، أنه يحق للدول إبداء تحفظات على بعض بنود المعاهدات الدولية، بشرط ألا تتعارض مع الغرض من الاتفاقية، وألا تكون محظورة بنص صريح، وفي حالة اتفاقية الإبادة الجماعية، يُعد التحفظ على المادة التاسعة قانونيًا، وله أثر مباشر في استبعاد اختصاص محكمة العدل الدولية بشأن النزاعات مع الدول التي أبدت هذا التحفظ.
ومن الناحية القانونية المتخصصة، قال استاذ القانون العام في الجامعة اللبناني، إن قرار المحكمة برفض الدعوى لعدم الاختصاص يتوافق مع القواعد والإجراءات المعتمدة في القانون الدولي. إذ يحق للدول، وفقًا لأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، إبداء تحفظات على بنود معينة في الاتفاقيات الدولية، ما دامت هذه التحفظات لا تتعارض مع موضوع المعاهدة أو غرضها، ولم تُحظر صراحةً في نصوصها.
aXA6IDE4LjExNi42NS4xMTkg جزيرة ام اند امز