خبيران لـ«العين الإخبارية»: حرص الإمارات على سيادتها أسقط افتراءات الجيش السوداني

شرح خبيران بارزان في القانون الدولي والعلاقات الدولية، الأسباب والآثار القانونية المترتبة على تحفظ دولة الإمارات على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
واستعرض الخبيران تداعيات هذا التحفظ على الدعوى المقامة من الجيش السوداني أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، ضد الإمارات، والتي أسقطتها المحكمة اليوم الإثنين.
وكانت محكمة العدل الدولية قد قررت، في 10 أبريل/نيسان الماضي، تأجيل الاستماع للشكوى التي تقدّمت بها حكومة القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، بعد أن نظرت في الدعوى القضائية التي اتهم فيها الجيش السوداني، الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع.
ورفضت محكمة العدل الدولية، الإثنين، الدعوى المرفوعة من السودان ضد دولة الإمارات، لعدم الاختصاص، معتبرة الدعوى التي شطبتها كأن لم تكن.
ورفضت دولة الإمارات الاتهامات التي تقدمت بها الحكومة السودانية، وقالت إنها "لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية"، وأشارت إلى أنها "لا تدعم أي طرف" في الحرب الأهلية السودانية، وأنه لا يوجد دليل يدعم ادعاءات الجيش السوداني.
تحفظ منذ 2005
يشار إلى أنه حين انضمت دولة الإمارات إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية عام 2005، أبدت تحفظاً واضحاً على المادة التاسعة من الاتفاقية، مؤكدة التزامها الكامل بمضمون الاتفاقية ومبادئها، مع الاحتفاظ بحقها السيادي في الموافقة المسبقة على أي إحالة للنزاعات إلى المحكمة الدولية.
وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية على إحالة النزاعات بين الأطراف المتعاقدة المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة، وهو ما يعني منح المحكمة اختصاصاً تلقائياً في هذه النزاعات دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من الدولة المعنية.

شطب متوقع
وفي تعقيبه، على الأثر المباشر للتحفظ الإماراتي بشأن المادة التاسعة، على الدعوى المقامة من السودان، قال الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن المحكمة نظرت أولاً في مسألة الاختصاص كمسألة أولية، قبل الدخول في موضوع النزاع، مشيرا إلى أنه مع وجود تحفظ صريح وواضح من دولة الإمارات على المادة التاسعة، وهي مادة الاختصاص، فإن المحكمة قررت بكل تأكيد عدم اختصاصها للنظر في الدعوى، وقضت بشطبها من جدول أعمالها دون الحاجة إلى النظر في الادعاءات الموضوعية.
وأضاف "هذا لا يعني بأي حال من الأحوال إصدار حكم في موضوع النزاع، سواء لصالح الإمارات أو ضدها، وإنما يعني فقط أن المحكمة ليس لها ولاية قضائية للنظر في النزاع من الأساس"، مؤكدا أن تحفظ الإمارات على المادة التاسعة يمثل ممارسة مشروعة لحقها السيادي في تحديد التزاماتها القانونية الدولية، ويعكس حرصها على تحقيق التوازن بين الالتزام بالمبادئ الإنسانية للاتفاقية من جهة، والحفاظ على سيادتها القضائية من جهة أخرى.
وشدد مهران على أن التحفظ الإماراتي، لا يؤثر بأي شكل على التزام الإمارات بالجوهر الأخلاقي والقانوني لاتفاقية منع الإبادة الجماعية.
السيادة والمعايير الدولية
وحول المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وحيثيات التحفظ عليها، قال مهران، إن التحفظ على المادة التاسعة، يعكس فهماً عميقاً للتوازن المطلوب بين احترام السيادة الوطنية والالتزام بالمعايير الدولية، وهو نهج يستحق الدراسة والتقدير في إطار العلاقات الدولية المعاصرة، مشددا على أن التحفظ على المادة "لا يمس جوهر الاتفاقية ولا يخل بالتزام الدولة بتجريم أفعال الإبادة في تشريعاتها الوطنية ومحاكمة مرتكبيها".
مهران، قدر أن تحفظ دولة الإمارات على المادة التاسعة من الاتفاقية يمنع بشكل قاطع سريان هذه المادة في مواجهة الدولة.
ورأى الخبير في القانون الدولي، أن التحفظ على المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية يعد إجراءً قانونياً صحيحاً ومقبولاً في القانون الدولي، وينتج أثره القانوني الكامل في استبعاد هذه المادة من نطاق الالتزامات القانونية للدولة المتحفظة.
وأضاف "هذا يعني أن دولة الإمارات غير ملزمة بقبول الاختصاص القضائي التلقائي لمحكمة العدل الدولية في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية، وهو ما يجعل الدعوى المقامة من السودان ضد الإمارات تفتقر إلى الأساس القانوني اللازم لقبولها".
سوابق قضائية
وشرح الخبير القانوني، لـ"العين الإخبارية"، أن المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية هي المادة الوحيدة التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص للنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق الاتفاقية، وبالتالي فإن التحفظ عليها يستبعد تماماً هذا الاختصاص ما لم توافق الدولة صراحة على قبوله في قضية محددة.
وأوضح أن هناك سوابق قضائية مستقرة في هذا الشأن، فقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن رفضت النظر في قضايا مماثلة بسبب وجود تحفظات على المادة التاسعة، كما حدث في قضية الكونغو ضد رواندا عام 2006، حيث قررت المحكمة عدم اختصاصها للنظر في الدعوى بسبب تحفظ رواندا على المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأشار مهران إلى أن فقه محكمة العدل الدولية مستقر على احترام تحفظات الدول على المادة التاسعة، واعتبارها مانعاً من موانع الاختصاص لا يمكن تجاوزه.
مهران اعتبر أن المحكمة تستند في قراراتها إلى مبدأ الرضائية، الذي يعد حجر الزاوية في القضاء الدولي، والذي ينص على أن المحكمة لا يمكن أن تمارس اختصاصها تجاه دولة ما إلا بموافقة صريحة من هذه الدولة.
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أن النهج الإماراتي في هذا الصدد يتماشى مع ممارسات العديد من الدول ذات السيادة، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وسنغافورة، التي تحرص على الالتزام بالمعايير الدولية مع الاحتفاظ بحقها السيادي في تحديد الآليات القضائية التي تقبل الخضوع لها.
وفي هذا الصدد، لفت إلى أن مفهوم السيادة يظل حجر الزاوية في النظام القانوني الدولي، وهو ما يعني حق كل دولة في اختيار الآليات القضائية التي تقبل الخضوع لها، دون أن يؤثر ذلك على التزامها بالمبادئ والقواعد الموضوعية للقانون الدولي.
لا اختصاص قضائي
وفي تقدير الباحث في العلاقات الدولية عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، نعمان أبوعيسى، فإنه "بعد أن تحفظت الإمارات على المادة التاسعة عندما وقعت على الاتفاقية في عام ٢٠٠٥، فإن المحكمة خلصت إلى أنها تفتقر إلى الاختصاص القضائي للنظر في النزاع، حيث إن المادة التاسعة هي البند الذي يمنح الدول صلاحية قبول اختصاص محكمة العدل الدولية في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تنفيذ أو تطبيق الاتفاقية، ولا توجد آلية للتنفيذ على أي حال".
وشدد الباحث في العلاقات الدولية، في حديث لـ"العين الإخبارية" على أن "التحفظ على المادة التاسعة لا يمس جوهر الاتفاقية المتعلق بمنع جريمة الإبادة الجماعية، ولا يخل بالتزام الدولة بتجريم أفعال الإبادة الجماعية، لكن الأمر يتعلق فقط بآلية تسوية النزاعات بين الدول الأطراف".
دور الإمارات
ومنذ اندلاع الأزمة، لعبت الإمارات دورا فاعلا في الحث على خفض التصعيد، وذلك عبر لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف، بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والانخراط في حوار دبلوماسي شامل.
وفي رسالة رسمية وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 21 أبريل/نيسان 2024، أوضحت دولة الإمارات أن حملات التضليل الإعلامي والروايات الزائفة التي تُبث ضدها، تهدف إلى صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للصراع، وتُقوض الجهود الدولية المبذولة لمعالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في السودان.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية في أغسطس/آب 2023، أكدت دولة الإمارات بشكل حاسم رفضها الكامل للادعاءات التي تزعم قيامها بتزويد أطراف النزاع السوداني بأي نوع من أشكال الدعم.