الإمارات في «العدل الدولية».. شمس الحقيقة تبدد ادعاءات جيش السودان

"الشمس لا يحجبها غربال".. مقولة شهيرة تعد أبلغ رد على محاولات جيش السودان التشويش على جهود دولة الإمارات الدبلوماسية الإنسانية لوقف الحرب في بلادهم.
تلك المحاولات العبثية الفاشلة، ظهرت جلية خلال أولى جلسات نظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، الخميس، التي تتهمها فيها دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية فيما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور.
إلا أن من يقف وراء تلك الادعاءات والأكاذيب أغفل أن سجل الإمارات الحقوقي البارز ومواقفها الدبلوماسية والسياسية القوية الواضحة لدعم السودان وشعبه، التي تؤكدها الحقائق والأرقام والبراهين والشواهد على أرض الواقع، واضحة كالشمس، لا يمكن أن تحجبها أبدًا مثل تلك المزاعم المليئة بثقوب الافتراءات والأكاذيب والتحامل وعدم الأمانة مثل الغربال المليء بالثقوب.
محاكمة ظهر فيها ممثلو حكومة جيش السودان في حالة ارتباك وضعف وتشتت وقلق وتناقض، متوارين خلف جبل جليد من الأكاذيب، ظنًّا منهم أنه سيحميهم، إلى أن ظهر ممثلو دولة الإمارات في منتهى الثقة والقوة والحكمة واليقين بعدالة قضيتهم وقوة موقفهم وصدق حديثهم، موجهين في مرافعتهم رسائل حاسمة للعالم أجمع، مفادها أن "غربال الأكاذيب لا يمكن أن يحجب شمس الحقيقة"، مهما طال ليل التآمر، ومهما بلغت عتمته، وأن المحتمي بجليد الأكاذيب لن ينجو عندما تسطع شمس الحق.
وقررت محكمة العدل الدولية تأجيل الشكوى المقدمة من الجيش السوداني ضد دولة الإمارات إلى موعد ستحدده لاحقًا.
انتهت أولى جلسات المحاكمة، ولكن ما زالت تداعياتها ودلالاتها والرسائل التي حملتها تتوالى.
رسائل مهمة
فرغم إيمان الإمارات بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى من الناحية القانونية، حيث إنه لا أساس لسلطة المحكمة في هذه القضية، إثر تحفُّظ دولة الإمارات على المادة التاسعة من "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" عند التوقيع عليها عام 2005، وهو حق مشروع لسيادة دولة الإمارات، وهو ما أوضحه ممثلو الإمارات خلال الجلسة، إلا أنهم آثروا الرد تفصيلًا على كل الادعاءات والأكاذيب التي أعاد ممثلو جيش السودان ترديدها في المحكمة، والتي لم تحمل أي جديد عما ظلوا يرددونه خلال الفترة الماضية، وردت عليه أيضًا الإمارات في حينه عبر رسائل رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تم فيها تفنيد جميع تلك الأكاذيب ودحض صحتها.
الموقف الذي اتخذته الإمارات داخل المحكمة أرادت منه توجيه أكثر من رسالة:
رسالة للشعب السوداني:
رسالة مفادها أن الإمارات ماضية في دعمكم إنسانياً ودبلوماسياً كما عهدتموها على مدار أكثر من خمس عقود، إيماناً منها أن الشعب السوداني يستحق مستقبلاً يقوم على السلم والكرامة، ويستحق حكومة يقودها المدنيون تضع مصالحه وأولوياته في المقام الأول.
وسرعان ما التقط الشعب السوداني الرسالة الإماراتية ليطلق عقب انتهاء الجلسة وسم #الإمارات_مع_السودان ليتصدر قوائم الأكثر تداولاً في السودان وخارجه على مواقع التواصل، حيث انبرى آلاف السودانيين عبره يدافعون عن الإمارات، ويوجهون الشكر لها على أياديها البيضاء لدعم بلادهم، ويتبرأون مما قام به الجيش ضد عاصمة الخير والإنسانية، التي قدمت مساعدات للسودان بلغت أكثر من 3.5 مليار دولار ما بين 2014 و2025، من بينها 600.4 مليون دولار منذ اندلاع النزاع في إبريل/نيسان 2023.
بدوره تفاعل وزير العدل السوداني السابق، نصر الدين عبدالباري، مع حركة النشطاء العفوية على "إكس"، ووصف في منشور عبر حسابه الرسمي على المنصة الدعوى السودانية بأنها "قمة النفاق"، وتفتقر إلى أي أساس أخلاقي أو قانوني راسخ.
وقال عبدالباري إن "المؤسسة العسكرية السودانية، التي تورّطت في جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، تسعى الآن لاستغلال أدوات العدالة الدولية كمنبر دعائي، في الوقت الذي تواصل فيه ارتكاب الجرائم نفسها ضد المدنيين الأبرياء في السودان".
وبين أن "المفارقة الكبرى أن هذه المؤسسة -التي لطالما رفضت آليات حقوق الإنسان الدولية ووصفتها بالمتحيزة والمسيّسة- تلجأ اليوم إلى ذات المنظومة القانونية الدولية التي طالما استهانت بها وتحدّتها".
رسائل لجيش السودان
- رسائل عدة لجيش السودان مفادها:
• إن كل محاولاتكم لإساءة استخدام سلطة محكمة العدل الدولية، برفع دعوى أمامها رغم عدم اختصاصها، عبر تشويه جهود الإمارات لتحقيق مكاسب سياسية مزعومة لن تغسل انتهاكاتكم ضد مواطني بلادكم الموثقة دوليا، ولن تحسن صورتكم الملطخة بدماء الأبرياء.
• ادعاءاتكم لن تنجح في صرف انتباه المجتمع الدولي عن جرائمكم التي شملت القتل الجماعي للمدنيين والهجمات العشوائية على المناطق المكتظة والعنف الجنسي وتجنيد الأطفال، والقصف العشوائي للبنى التحتية المدنية مثل المدارس والأسواق والمستشفيات، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين التي تمّ توثيقها من عدة سلطات دولية وإعلامية مرموقة .
• دعواكم ضد الإمارات لن تقدمكم للعالم أبدا كمدافعين عن حقوق الإنسان التي تنتهكونها آناء الليل وآطراف النهار باستمراركم في حرب عبثية مع استمراركم في رفض الاستجابة لكل مبادرات السلام التي وجهتها الإمارات وغيرها من الدول لوقف الحرب وحماية المدنيين.
• حل أزمتكم ليست في محكمة العدل الدولية بل في عودتكم إلى طاولة المفاوضات، التي تركتم فيها مقاعدكم شاغرة على مدار عامين، منذ منبر جدة وصولا إلى محادثات سويسرا مرورا بحوار المنامة، مفضلين لغة الدم على حوار السلام.
• محاولات عناصر الإخوان لاستغلاكم (الجيش) لتشويه صورة الإمارات والإضرار بسياستها الخارجية ودبلوماسيتها النشطة ودورها الإقليمي، وحتى جهودها الإنسانية، هي محاولات عبثية لن تجدي نفعا.
محاولات من الإخوان عبر تحريك عناصرها داخل المؤسسة العسكرية لها مآرب خبيثة أبرزها:
1. تشويه جهود الإمارات في إطار موقفها المعادي من تنظيم الإخوان منذ أن صنفته جماعة إرهابية.
2. سعي تلك الجهات لاستمرار الحرب ورفض أي جهود دولية أو إقليمية لاستئناف عملية التفاوض والتي ستقود حتما لعملية سياسية تستبعد الإخوان من مستقبل البلاد وتحاكمهم على جرائمهم السابقة.
3. صرف انتباه المجتمع الدولي عن أعمال العنف التي ترتكب على الأرض من قبل الأطراف المتحاربة، عبر خلق خلافات جانبية مع الإمارات.
رسالة للعالم أجمع
رسالة تقدير واحترام للقانون الدولي ومحكمة العدل الدولية وقضائها وقضاتها إيمانا منها بدورهم الهام، رغم إيمانها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
رسالة مفادها:
موقف دولة الإمارات إزاء السودان واضح وراسخ، فلا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، حيث دعت الدولة إلى وقف إطلاق النار وإلى هُدَن إنسانية لتسهيل إيصال المساعدات وإلى تحميل طرفي النزاع: قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية مسؤولية انتهاك القانون الدولي.
ستبقى الإمارات العربية المتحدة على أهبة الاستعداد للقيام بدورها -كما دأبت دائماً- كشريك يعمل من أجل السلام، وهذا الالتزام جزء من رؤية الإمارات الراسخة لتعزيز الازدهار والتنمية المستدامة في جميع أنحاء أفريقيا والعالم.
الإمارات ستواصل القيام بكل جهد متاح لتعزيز فرص السلام، فالشعب السوداني الشقيق يستحق مستقبلاً قائماً على السلم والسلام والكرامة، ويستحق قيادة تضع مصالحه - لا مصالحها - واحتياجاته وأولوياته في المقام الأول والأخير.
شفافية ووضوح
أيضا حملت المحاكمة العديد من الدلالات المهمة، تجسدت في حضور دولة الإمارات جلسة المحكمة، والحرص على البث الحي لمجرياتها عبر القنوات ووسائل الإعلام المحلية الأمر الذي يعبر بشكل جلي عن الوضوح والشفافية المطلقة وقوة الموقف، فليس هناك ما تخفيه الإمارات أو تخجل منه، والشعب والحكومة والقيادة على قلب رجل واحد، يدركون جيدا ما تقوم به بلادهم لنصرة الحق ودعم السلام في السودان والعالم أجمع.
خطوة حكيمة
الشفافية المطلقة جاءت إيمانا من الإمارات بعدالة وصلابة موقفها وقوة منطقها وصدق سياستها الداعمة للحق والسلام وهو ما تجسد فيما يلي:
- الكلمة القوية التي ألقاها ممثلو الإمارات خلال المرافعة.
وقامت دولة الإمارات بالرد بشكل حاسم على هذه الادعاءات خلال الجلسة، وأوضحت أن الدعوى المقدمة أمام محكمة العدل الدولية لا تستند إلى أي أساس واقعي.
وأكد الوفد الإماراتي أنّ "موقف دولة الإمارات إزاء السودان واضح وراسخ، فلا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، حيث دعت الإمارات إلى وقف إطلاق النار وإلى هُدَن إنسانية لتسهيل إيصال المساعدات وإلى تحميل طرفي النزاع: قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية مسؤولية انتهاك القانون الدولي"، موضحاً أنّ دولة الإمارات "دعت على الدوام للانتقال إلى عملية سياسية يقودها المدنيون، إضافةً إلى دعمها ومشاركتها في جهود الوساطات الإقليمية والدولية لوقف الاقتتال، بما في ذلك المحادثات التي تمت في جدة والمنامة وجهود الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة العام الماضي في سويسرا".
وأظهر وفد الإمارات أنه "في الجهة المقابلة وفي تناقض صارخ، سعى المدّعي (القوات المسلحة السودانية) إلى تحقيق حسم عسكري مُقدّماً إياه على جهود التوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع، إذ رفض الدعوات للعودة إلى المحادثات في جدة، وانسحب من حوار المنامة، ورفض ممثلوه حضور محادثات الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة في سويسرا. لكن القوات المسلحة السودانية سارعت إلى صعود هذا المنبر في لاهاي على الرغم من تركها مقعدها حول طاولة المفاوضات خالياً لمدة عامين!".
- كشفت الدعوى عن أن الجانب السوداني لا يمتلك الدلائل والبراهين التي تثبت اتهاماته وادعاءاته، فظهر جلياً أنّ الدلائل كانت واهية والبراهين غائبة، وهذا ما تجسّد في تغيير الادعاء السوداني الاتهامات ضد دولة الإمارات قبل وقت قصير على انطلاق جلسة الاستماع على الرغم من تقديمها للدعوى قبل أكثر من شهر، وطلبه خفض معايير الأدلة وتغيير نهج الولاية القضائية. وهنا، يتضح جوهر المسألة، فهذه الطلبات الجديدة مبنية – كسابقاتها – على أكاذيب ووقائع مفبركة.
وأعاد الجانب السوداني ترديد نفس الاتهامات والادعاءات الزائفة التي لطالما تصر السلطات السودانية على تكرارها، دون وجود أي أدلة منطقية على صدقها، والتي لطالما سبق أن نفتها دولة الإمارات مرارا وتكرارا، بل ودحضتها وفندت ما تحتويه من أكاذيب.
أبرز الاتهامات التي أعاد ممثلو السلطات السودانية ترديدها أمام المحكمة هي:
- الإمارات تدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة.
- العثور على أسلحة ومركبات استخدمتها قوات الدعم السريع تحمل شعارات إماراتية.
- المستشفى الميداني الإماراتي في أمدجراس يستخدم لأنشطة أخرى غير العمل الإنساني.
وفي كلمتها أمام محكمة العدل الدولية، فندت ريم كتيت نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، كل تلك الأكاذيب، وبينت أنه منذ بدء الحرب، لم تقدم دولة الإمارات أي أسلحة أو أي مواد ذات الصلة لأي من الطرفين المتناحرين، بل إنها قامت منذ اندلاع هذا النزاع، بالعمل دون كلل ولا ملل لتخفيف المعاناة عن الشعب السوداني.
وأكدت أنه في إطار اتفاقية للتعاون العسكري التي وقعت في شهر يوليو/تموز 2021، كان هناك طلب موجه إلى دولة الإمارات للمساعدة من قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، لكن ذلك توقف في شهر أبريل/نيسان 2023 عندما انخرط طرفا الأزمة في نزاع دموي وفي حرب قاسية، كان يمكن تفاديها.
وشددت على أن فكرة أن دولة الإمارات هي التي تؤجج هذا النزاع في السودان بعيدة كل البعد عن الواقع، فـ"هذه الدعوى هي مثال على إساءة استخدام هذا الطرف (الجيش) للمؤسسات الدولية من أجل مهاجمة دولة الإمارات".
وفيما يتعلق بالادعاءات التي طالت المستشفى الميداني الإماراتي في مدينة أمدجراس، والتي زعمت استخدامه في أنشطة غير إنسانية، وادعت رفضه استقبال طلبات من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر للدخول إليه، تجاهل ممثلو السلطات السودانية الإشارة إلى أن تأسيس دولة الإمارات للمستشفيات الميدانية جاء بعد أن رفضت القوات المسلحة السودانية العرض الرسمي الذي تقدمت به الإمارات بتاريخ 25 مايو/أيار 2023 لإنشاء مستشفى ميداني داخل الأراضي السودانية لتقديم الدعم والمساعدات الطبية العاجلة.
وعقب هذا الرفض، بادرت الإمارات إلى إنشاء مستشفيين ميدانيين على مقربة من الحدود السودانية التشادية، لا يزالان حتى اليوم يشكلان شريان حياة لا غنى عنه لمن هم في أمسّ الحاجة إلى الرعاية الصحية، قبل أن تؤسس لاحقًا مستشفى ثالثًا في جنوب السودان خلال شهر مارس/آذار الماضي.
أدلة جديدة
في ضربة لكل الادعاءات الواهية والمضللة التي عمدت إليها القوات المسلحة السودانية لتحميل الإمارات مسؤولية ما ارتكبته -كونها أحد طرفي هذا الصراع الدامي- بحق الشعب السوداني، سيظهر التقرير القادم للجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالسودان ( الذي صدر ومقرر نشره قريبا) أنّ الادعاءات الموجهة ضد الإمارات العربية المتحدة لم تستوفِ الحد الأدنى المطلوب من الأدلة والقرائن، وعليه، فإنّ لجنة عقوبات السودان (1591) خلصت إلى عدم وجود أي دلائل سلبية ضد دولة الإمارات.
aXA6IDMuMTI4LjE4Ni45NyA= جزيرة ام اند امز