أحكام إعدام في زمن الحرب بالسودان..جدل حول قانونيتها
الانتماء للخصم في السودان بات تهمة تواجه الإعدام، لكن ما مدى قانونية الحكم في زمن الحرب التي تأبى النهاية؟.
في 23 مايو/ أيار الجاري، قضت محكمة جنايات شرق القضارف، شرقي السودان، بإعدام متعاون مع قوات "الدعم السريع" بعد إدانته بإرسال معلومات استخباراتية عن تحركات قوات الجيش في الولاية التي تقع شرقي البلاد.
حرب السودان.. «تقدم» تبحث عن حلول لإسكات البنادق
وأوقع قاضي المحكمة، الحسن النوش، عقوبة "الإعدام شنقا حتى الموت على متهم بعد إدانته بمخالفة المادة 51 من القانون الجنائي الخاصة بإثارة الحرب ضد الدولة والمادة 65 المتعلقة بمنظمات الإجرام والإرهاب."
ويُعتبر هذا الحكم الثالث من نوعه، إذ قضت ذات المحكمة في 12 مايو/ أيار الجاري بإعدام مُحامٍ وفي 18 مارس/ آذار الماضي بإعدام شخص بتهم معاونة والتخابر مع قوات "الدعم السريع"، كما حكمت بالسجن فترات متفاوتة على آخرين.
محاكمات غير قانونية
من جانبه، قال الخبير القانوني، الهادي مصطفى، إن المحاكمات بحق المتعاونين مع قوات "الدعم السريع" سياسية وغير قانونية، وتفتقر لأبسط الحقوق العدلية في البلاد.
وأضاف مصطفى لـ"العين الإخبارية"، إن " المتهمين تجري محاكمتهم على أساس الانتماء السياسي، في ظل رفضهم استمرار الحرب التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، وشردت الملايين داخليا وخارجيا".
واعتبر أن "تهمة التخابر مع قوات الدعم السريع، أصبحت ذريعة، للتخلص من الناشطين السياسيين، وإسكات أصواتهم".
وشدد على أن "أحكام الإعدام ستدخل البلاد في نفق مظلم، خاصة وأن السيناريوهات تتجه نحو انزلاق البلاد في نفق الحرب الأهلية الشاملة".
لكن الخبير القانوني، الهادي عبدالكريم، رأى أن القضاء السوداني عادل لأعلى درجة، والمحاكمات طالت أعدادا قليلة ثبت تورطهم في التخابر مع قوات "الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023.
وقال عبدالكريم لـ"العين الإخبارية"، إن الحديث عن الاستهداف العرقي والمحاكمات على أساس الهوية، ليس دقيقا، خاصة أن المحاكم برأت عددا من المتهمين خلال الفترة الماضية.
وفي سبتمبر/أيلول 2023، أعلن المدعي العام السوداني السابق، خليفة أحمد خليفة، إصدار أوامر قبض بحق 250 شخصا من السياسيين والصحفيين والناشطين لتعاونهم مع قوات "الدعم السريع."
وفي أغسطس/آب 2023، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قرارا بتشكيل لجنة لجرائم الحرب وحصر انتهاكات وممارسات قوات "الدعم السريع"، منذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي.
سيناريو الحرب الأهلية
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن "مثل هذه المحاكمات تحدث عادة في ظل أجواء الحرب، وفي الحرب مسألة القتل لا تخضع لقواعد صارمة بشكل عام، لكن القانون الدولي الإنسان يُجرّم عقوبة الإعدام، ليس فقط بحق المتعاونين مع العدو، بل حتى الأعداء إذ تم القبض عليهم لا يتم إعدامهم ويتم التعامل معهم كأسرى والتعامل معهم وفق قواعد القانون الدولي الإنساني الذي يحكم مثل هذه المسائل."
وأضاف الأسباط لـ"العين الإخبارية" إن "الحرب الآن انزلقت إلى حرب أهلية، وأصبح القتل على الهوية الجهوية بل والقبيلة أحيانا، وهناك حالة من عدم الانضباط الشامل سواء من الجيش، أو قوات "الدعم السريع"، لا سيما وأن هناك حركات مسلحة تقاتل مع الجيش، وهناك قوات بعض القبائل، وكل هذه القوات لا تخضع للقواعد الصارمة للتعامل مع الأسرى أو من يشك ويظن في أنهم متعاونون مع الطرف الآخر."
وتابع، "في كل الأحوال تعتبر مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية وتخالف القانون الدولي الإنساني."
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد: "من وجهة نظري، مثل هذه الأحكام هي امتداد للحرب، أو تعبير عنها بطريقة أخرى، وفي نهاية الأمر فإن القتل بشأن السياسة هو قتل للسياسة".
وأضاف حمد لـ"العين الإخبارية"، "في تقديري أن ظروف نشأة مليشيات الدعم السريع في كنف الجيش تجعل الحد الفاصل ما بينهما ما يزال رماديا، بمعنى أنه يعج بالآلاف الذين يمكن أن تصدر بحقهم مثل هذه الأحكام".
قانون أحكام الطوارئ
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي ياسين، إنه "وفقا لقانون أحكام الطوارئ الذي أقرته الحكومة ما بعد اندلاع حرب 15 من شهر أبريل/نيسان 2023 فإن ما يترتب عليه من أحكام بحق كل متعاون مع قوات الدعم هو عرضة للمحاسبة بغض النظر عن طبيعة التعاون."
وأضاف ياسين لـ"العين الإخبارية" أنه "مؤخرا تابعنا صدور قرارات بفتح بلاغات بحق مجموعة من السياسيين والناشطين في السودان بتهمة التعاون مع تلك القوات، وقطعا هو أمر ناتج عن حالة التعبئة السياسية والاجتماعية التي يشهدها الداخل السوداني إثر ما ترتب على حرب 15 أبريل/نيسان الماضي وتعرض ملايين السودانيين لحالات النزوح واللجوء وكذا النهب والسلب والقتل".
وتابع قائلا "لنا فيما يتعرض له مواطنو ولاية الجزيرة بوسط السودان أبلغ دليل على غياب مقومات وأسس أي نزاع أو صراع يحدث مقارنة مع حوادث مشابهة حدثت في العالم."
وأشار إلى أن "خطوة استصدار الأحكام بحق البعض وصولا إلى حد الإعدام، أمر لن يتوقف حتى بتوقف الحرب حال عدم التوصل لاتفاق ينهي الصراع"، مضيفا أنه "إذا انتصر أحد أطراف النزاع المسلح على الآخر وقتها ستشهد البلاد حالة من التعصب قد يدفع السلطة القائمة لتنفيذ أحكام آنية دونما العودة إلى أي حيثيات ومصوغات قانونية."
وقال: "الأرجح التفاف السودانيين حول مرجعية دستورية قانونية تكون بمثابة إنفاذ استحقاقات العدالة في الدولة".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4zMCA= جزيرة ام اند امز