وثيقة دستورية جديدة بالسودان.. مناورة من الجيش أم خطوة للحل؟
خطوة جديدة أعلنها الجيش السوداني فتحت باب التساؤلات حول الهدف منها، في ظل تصاعد وتيرة الحرب مع قوات الدعم السريع.
فقد أعلن مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، أن عبدالفتاح البرهان قائد الجيش رئيس مجلس السيادة سيلغي الوثيقة الدستورية ويعلن أخرى جديدة.
العطا قال في تصريحات له إن البرهان "سيعين رئيس وزراء مستقلا، توطئة لتشكيل الحكومة الجديدة".
تصريحات العطا في ظل تصاعد وتيرة الحرب التي دخلت الشهر الماضي، عاملها الثاني مخلفة نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وفي أغسطس/آب 2019، وقع كل من المجلس العسكري (المحلول) وقوى "إعلان الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم)، وثيقتي "الإعلان الدستوري" و"الإعلان السياسي"، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، حالة الطوارئ في السودان، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وقرر إعفاء الولاة، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية.
التخلص من المظاهر المدنية
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي ياسين، فإن مضي الحكومة في إلغاء الوثيقة الدستورية يعني قطعا التخلص من أي مظاهر مدنية أو مكتسبات ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019 بصورة أساسية وإسقاط أي التزامات تجاهها من ناحية الأطراف العسكرية.
وقال ياسين لـ"العين الإخبارية"، إن الإعلان عن وثيقة دستورية جديدة يعني كذلك استبدال نظام الحكم السائد الآن في الدولة بآخر، وربما تتم العودة إلى المجلس العسكري لقيادة الدولة مع تعيين رئيس وزراء.
وأضاف: "يبدو أن الخطوة تكاد تُقرأ في سياق سعي الجيش لإنهاء كافة مظاهر العلاقة السابقة بين المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع من كافة الجوانب التشريعية والقانونية".
واعتبر أن الخطوة حال اكتمالها تعد تطبيقا فعليا لدعوة تفويض المؤسسة العسكرية لإدارة شؤون البلاد وفقا لمقتضيات المرحلة الحالية التي يمر بها السودان.
وقال: "بشأن تعيين رئيس وزراء للبلاد، تتلخص الخطوة في مدى الصلاحيات الممنوحة وصيغة العلاقة ما بينه والطرف العسكري في تولي زمام قضايا مثل القضاء، المالية، والعدل".
محاولة تهدئة غضب الشارع
وبالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي، عباس عبدالرحمن، فإن الإعلان عن إلغاء الوثيقة الدستورية، وإعلان أخرى جديدة، وتشكيل حكومة جديدة، هو "محاولة لتهدئة غضب الشارع السوداني من طول أزمة الصراع في البلاد".
وقال عبدالرحمن في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن "المجتمع الدولي لن يعترف بأي حكومة يشكلها المكون العسكري بشكل أحادي"، مشيرا إلى أن إعلان حكومة مقرها مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، سيكون بمثابة ضوء أخضر، لإعلان حكومة موازية يشكلها قائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو "حميدتي" في مناطق سيطرته.
واعتبر أن "تشكيل حكومة في البحر الأحمر، وأخرى مناطق سيطرة الدعم السريع ،يعني عمليا تقسيم السودان".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد: "إذا تمت.. ستكون خطوة بلا قيمة، ومجرد تنقل داخل غرف البيت.. لقد انتهت الوثيقة الدستورية والعمل بالدستور منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022".
وأضاف حمد لـ"العين الإخبارية" أنه "في الوقت الراهن، لا يمتلك أي طرف شرعية وصلاحية إعداد وثيقة دستوري ملزمة للسودانيين. كل ما في الأمر أن السودان في حالة استثناء وإباحة."
وأضاف، "أما حديثه عن تشكيل الحكومة وتعيين رئيس للوزراء فهو اختزال للمشكلة في شكليات ليست لها قيمة".
حقوق الإنسان في الفاشر
ومع تصاعد وتيرة العنف، طلب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إجراء تحقيق عاجل حول حالة حقوق الإنسان بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقال مجلس السلم والأمن، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية" إنه "طلب من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إجراء تحقيق عاجل في حالة حقوق الإنسان في الفاشر ومناطق أخرى في دارفور."
وتشهد مدينة الفاشر، منذ 10 مايو/ أيار الجاري، اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع وحلفائهما يصاحبها قصف جوي ومدفعي على المرافق الطبية ومساكن المدنيين البالغ تعدادهم 2.8 مليون نسمة.
وشكلت مفوضية الاتحاد الأفريقي في 18 يناير/كانون الأول الماضي، آلية رفيعة المستوى لدعم استعادة الاستقرار والنظام الدستوري في السودان، على أن تعمل مع الأطراف العسكرية والقوى المدنية والمجتمع الإقليمي والدولي لتنفيذ ولايتها.
ارتفاع حصيلة القتلى
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان "أوتشا"، مقتل 85 شخصا وإصابة 700 آخرين في الاشتباكات الدائرة في الفاشر بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
بينما قالت منظمة أطباء بلا حدود، التي تدعم المستشفى الجنوبي والذي يعتبر الوحيد العامل في الفاشر، إن الإمدادات ستنفد خلال 10 أيام بينما يمنع الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة من وصول الأدوية والغذاء إليها.
من جهتها ذكرت تنسيقية لجان المقاومة الفاشر (نشطاء)، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، إن أكثر من 80 دانة وقعت في أحياء مختلفة من أحياء الفاشر، "حي الجبل"، "تيمانات"، "الفردوس"، "الهجرة"، "السلام"، "الرياض"، "ديم سلك"، و"شمال الأهلية"، ما أدى إلى إصابات كثيرة وسط المدنيين ووفيات معظمهم من الأطفال وصغار السن.
وأضاف البيان أن القصف طال مراكز الإيواء والمستشفى الوحيد داخل الخدمة (المستشفى الجنوبي).
كما أفادت منظمة العفو الدولية بأن الفاشر تعتبر موطنا لأكثر من 1.5 مليون شخص محاصرين داخل المدينة، مرجحة وقوع انتهاكات واسعة النطاق بحقهم في الأيام والأسابيع المقبلة.
تجاهل التحذيرات الدولية
ورغم تحذيرات إقليمية ودولية لطرفي النزاع لتجنب المواجهات العسكرية، داخل الفاشر المكتظة بالنازحين الفارين من جحيم الحرب في عواصم دارفور الأخرى، إلا أن الحشد العسكري وصل ذروته مؤخرا.
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، ومن بينهم العاملون في قطاع الزراعة والرعي الذي يمثلون 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبة بالهجمات العشوائية على المدنيين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.