بلا شك، القرار الذي بتته محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الادعاءات والمزاعم التي تقدمت بها القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات يوم الخميس الماضي؛ يُعد فضيحة للمؤسسة العسكرية.
بل ويفترض أن القرار الدولي قد سبب إحراجاً شديداً لمن يقف وراء هذا الجيش الذي انقلب على الحكم المدني في السودان بعد الثورة الشعبية ضد نظام البشير في 19 ديسمبر 2019؛ منهياً بذلك آمال الثورة السودانية السلمية بشأن استقرار البلاد وشعبها.
وإذا كان هناك من إيجابية في هذه الادعاءات التي تحاول من خلالها تلك المؤسسة تشويه دولة الإمارات، فربما تكون أن هذه الادعاءات لفتت انتباه الرأي العام العالمي إلى أن الجيش السوداني يتهرب من مسؤوليته في حماية الشعب والعمل على تحقيق الاستقرار بل إنه يُمعن في تشريده وارتكاب جرائم حرب ضده وذلك من خلال تلفيق أكاذيب وفبركة تقارير لا أساس لها من الصحة، وعليه فإن المحكمة الدولية التي هي إحدى المؤسسات التي تمارس من خلالها الأمم المتحدة مهامها الدولية رفضت الشكوى التي تقدم بها الجيش لأنها: شكوى ضعيفة ولا تتوافق والمعايير القانونية الدولية.
الذي يبدو الآن أمام العالم، أنه لم يخطر ببال الجيش السوداني وهو يمارس إحدى المهن "الإخوانية" بتلفيق الأكاذيب ومحاولة تسييس المنصات الحقوقية أنه سيواجه مؤسسة قضائية دولية تعتمد على الأدلة والبراهين الحقيقية للبت فيها، بل أكاد أجزم أنه لم يتصور أن تتقدم دولة الإمارات بملف يؤكد صحة موقفها الداعي إلى مساعدة السودان وشعبه في تحقيق الحلم والأمل الذي ناضل من أجله في ثورته الشعبية، ولم يدرك أن ما تقوم به دولة الإمارات على الأرض السودانية هو محل متابعة ومراقبة المؤسسات الإنسانية الدولية فسقط في فخ المطالبة بالأدلة؛ فحاول أن يتهرب من خلال مطالبته للمحكمة والقضاة بتخفيف مصداقية الأدلة التي تؤكد مزاعمه.
ورغم أن دولة الإمارات كانت تصمت عن الرد على محاولات الجيش السوداني الذي أصابه سعار الإخوان المسلمين في الضجيج في المنصات الإعلامية وكانت الإمارات تترفع عن اتهامات القوات المسلحة السودانية في مجلس الأمن وغيرها من المؤسسات الدولية وذلك حفاظاً على "حبل الود" للعلاقات التي تربط البلدين والشعبين منذ أكثر من خمسة عقود والتي لم ولن يستطع أحد أن يمسها بسوء لأن ما يربطهما أكبر من نوايا وأهداف شخصية لأشخاص يسعون لخدمة الحزب على حساب وطن ومجموعة على حساب شعب.
فما بيننا نحن في دولة الإمارات مع السودان الدولة والشعب ليس علاقات عادية، وبالتالي فإن تقدير الإمارات وصمتها كان من هذا الباب، غير أن القوات المسلحة السودانية ظلت مستمرة كل يوم في محاولة محو تلك العلاقة حتى تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي رغم معرفتها ضعف حجتها بعدما قتلت وهجرت الشعب السوداني.
المراقب لما يفعله الجيش السوداني يدرك أنه ابتلع الطعم وانكشف أمام داعميه ومؤيديه من الداخل والخارج، وهو يتصرف الآن وكأن الذي كان يدعي الشرف والأمانة افتضح عندما لم يستطع إثبات صحة موقفه وأن مساعيه ونواياه المتشكلة من أيديولوجية دينية حاولت تخريب العالم العربي كله والتي أخفاها في صورة المؤسسات العريقة في الدول وهو المؤسسة العسكرية صارت واضحة للجميع.
الخلاصة، حين يبالغ طرف في الردح الإعلامي وبصوت عال فإنه يعطي انطباعا بشيئين اثنين. الشيء الأول: أنه قلق وغير واثق من موقفه والذي يمثل هنا الدلائل والبراهين والقرائن لشكوى الجيش السوداني حيث لم يستطع بشهادة المحكمة إثبات ادعاءاته، وهذا ما تأكد للرأي العام العالمي خلال جلسة يوم الخميس الماضي.
والشيء الآخر: أنه خائف من فضيحة ما فيحاول التهرب، وهنا نستطيع أن نتذكر حجم الجرائم الإنسانية التي ارتكبها هذا الجيش في حق الشعب السوداني والتي أدى لأن تُفرض على قائد القوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان عقوبات دولية.
إن إسراف القوات المسلحة السودانية في تهديد دولة الإمارات والتلميح بالعواقب التي يمكن أن تحدث لها تم إفشاله في خلال ساعات ومن أعلى سلطة دولية محكمة العدل في لاهاي وأمام الرأي العام العالمي، وبالتالي اليوم هذه القوات أمام مطالب دولية بفتح الملفات الداخلية قبل الخارجية والإجابة عن تساؤلات قضاة محكمة العدل الدولية بشأن البراهين والدلائل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة