خلاف الجيش و"الدعم السريع" بالسودان.. جذور ومحطات
لا صوت يعلو فوق أصوات الرصاص والاشتباكات في الخرطوم ومدن سودانية أخرى، لتعيد أزمة الجيش وقوات الدعم السريع إلى المربع صفر.
العاصمة الخرطوم ومطار وقاعدة مدينة مروي الجوية (شمال)، شهدت جميعا اشتباكات مسلحة بين الطرفين بمشاركة الطيران العسكري والدبابات والمدرعات.
ومع الاشتباك العسكري العنيف، فإن نقطة الخلافات بين الطرفين وصلت إلى نقطة غير مسبوقة من التوتر الأمني، الأمر الذي يكشف عن عمق الأزمة السودانية المستمرة منذ سنوات طويلة.
بوادر الأزمة
ويتزامن هذا التطور الميداني الخطير مع خلافات بين الجيش و"الدعم السريع" حول قضايا "الإصلاح العسكري والأمني" التي دعا لمناقشتها الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية لإدارة المرحلة الانتقالية بالبلاد.
وأثار الوضع المتوتر بين القوتين العسكريتين، المخاوف من نشوب حرب في بلد يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وأوضاع أمنية غير مستقرة في عدد من أقاليمه، خاصة في دارفور.
بدأت بوادر الشقاق الأخير بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" مع انطلاق "مؤتمر الإصلاح الأمني العسكري" آخر المؤتمرات، لمناقشة قضايا الاتفاق النهائي السياسي لاستكمال بنود "الاتفاق الإطاري".
وهو المؤتمر الذي انتهى بعد 4 أيام من انطلاقه في 26 مارس/آذار الماضي، دون التوصل لاتفاق بشأن وضعية قيادة الجيش و"الدعم السريع" خلال الفترة الانتقالية المتبقية، وكان سببا رئيسيا في تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي مع القوى المدنية.
وفي 8 يناير/كانون الثاني الماضي، انطلقت عملية سياسية بين الموقعين على "الاتفاق الإطاري" في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، وهم مجلس السيادة العسكري وقوى مدنية، أبرزها "الحرية والتغيير - المجلس المركزي"، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية بالبلاد.
تلك الأزمة التي اندلعت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ، وهو ما اعتبره رافضون "انقلابا عسكريا".
لكن البرهان قال إن إجراءاته تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
ولمحاولة إبعاد المؤسسة العسكرية عن السلطة المدنية في السودان، أصبحت قضية "الإصلاح الأمني والعسكري" أحد مطالب الثورة السودانية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
قضايا خلافية
تباينات رؤى الجيش السوداني و"الدعم السريع" بشأن عدد من قضايا الإصلاح الأمني والعسكري، وأبرزها قضية دمج قوات "الدعم السريع" في الجيش النظامي بشكل كامل وما يتبع ذلك من اتفاق حول الجداول الزمنية لعملية الدمج.
ويطالب الجيش السوداني بألا تتجاوز فترة دمج "الدعم السريع" عامين، في حين يريد الأخير أن يكتمل دمجه في الجيش خلال فترة تتجاوز 10 سنوات.
بجانب فترة الدمج، تبرز قضية رتب ضباط "الدعم السريع" كأحد نقاط الخلاف بين الجانبين، حيث يرى الجيش أن تتم مراجعة رتب ضباط "الدعم السريع"، في حين يطالب الأخير بأن يتم استيعاب ضباطه في الجيش برتبهم الحالية.
قضية خلافية ثالثة هي مطالبة الجيش بإيقاف التجنيد الجديد لصالح قوات "الدعم السريع"، وهو الأمر الذي يجد معارضة من هذه القوات.
وفي الآونة الأخيرة، تحدثت تقارير إعلامية عن خلاف حاد بين الجيش و"الدعم السريع" بشأن قيادة القوات المشتركة السودانية خلال فترة الدمج، فالجيش يقترح هيئة قيادة (4 من الجيش و2 من الدعم السريع)، إلا أن الأخيرة تطالب بأن تكون هيئة القيادة تحت رئاسة مدنية.
وبسبب عدم حسم هذه الخلافات العسكرية، أعلنت أطراف العملية السياسية بالسودان في 5 أبريل/نيسان الجاري، إرجاء توقيع الاتفاق النهائي إلى أجل غير مسمى.
وهذا هو التأجيل الثاني لتوقيع الاتفاق الذي كان مقررا في 6 أبريل/ نيسان الجاري، بعد أن كان مقررا في وقت سابق مطلع الشهر نفسه؛ وذلك بسبب خلافات الجيش و"الدعم السريع".
وسط الخلاف المتفاقم بين الجيش و"الدعم السريع"، لا تجد القوة السياسية المدنية خاصة الموقعة على "الاتفاق الإطاري" وعلى رأسها "الحرية والتغيير - المجلس المركزي"، خيارا آخر تلجأ إليه سوى دعوة الطرفين للتهدئة، تجنبا لوقوع قتال يهدد مستقبل البلاد والاتفاق السياسي المرتقب.
وعبر نصوص "الاتفاق الإطاري"، ظلت القوى المدنية تطالب بإصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها وتكوين جيش مهني موحد ذي عقيدة جديدة.
وتنص المادة 10 من المبادئ العامة في "الاتفاق الإطاري" على "التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي".
وبشأن قوات "الدعم السريع"، أكد "الاتفاق الإطاري" على "دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية وقوات حركات الكفاح المسلح".
كما وصف الاتفاق قوات "الدعم السريع" بأنها "قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها، ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع".
تاريخيا، برزت قوات الدعم السريع في ثمانينيات القرن الـ21 بالسودان، حيث ولدت كقوة عسكرية جديدة سارع مئات الشباب في الانضمام إليها، متعهدة بحماية الدستور الأول لهذا البلد.
مرت السنوات، وتلك القوة تتأثر بكل ما يشهده السودان، إلى أن حل عام 2010 لتقر سلطات الخرطوم بـ"قوات الدعم السريع" تحت قيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ(حميدتي)، ويتم تكليفها بمهام محددة بدارفور، في محطة ثانية فارقة بتاريخ تلك القوات.
منذ عام 2011، شاركت تلك القوات في حماية الحدود السودانية وحفظ النظام في البلاد، وكانت تتبع جهاز المخابرات قبل أن تنتقل تبعيتها إلى الجيش في يناير/كانون الثاني 2017.
aXA6IDMuMTM4LjM2LjE2OCA= جزيرة ام اند امز