«أشعلوا الحرب ويعرقلون إنهاءها».. هل تحالف البرهان مع «الكيزان» بالسودان؟
منذ إطلاق الرصاصة الأولى في حرب 15 أبريل/نيسان الماضي طفت إلى السطح دلائل تشير إلى سيطرة "تنظيم الإخوان" في السودان على مجريات العنف والاقتتال ومحاولات عرقلة العملية التفاوضية في مدينة جدة السعودية، من أجل العودة إلى السلطة مرة أخرى، وإقصاء الآخر.
وصباح 15 أبريل/نيسان الماضي، سعى الأمين العام للحركة الإسلامية (إخوان السودان أو الكيزان) علي كرتي بكل قوة لتحريك "كتائب الظل" لإطلاق الرصاصة الأولى على قوات "الدعم السريع" داخل المدينة الرياضية جنوبي العاصمة الخرطوم، وفق إفادات خاصة تلقتها "العين الإخبارية"، ما أدى إلى اندلاع حرب مدمرة.
عرقلة التفاوض
وحسب معلومات، حصلت عليها "العين الإخبارية"، فإن اللجنة الفنية المصغرة في مفاوضات جدة توصلت إلى اتفاق على كل نقاط الخلاف لطي صفحة الحرب في السودان.
وطبقا للمعلومات، فإن قيادات بارزة في تنظيم الإخوان مارست ضغوطات قوية على جنرالات الجيش لعدم توقيع أي اتفاق مع قوات "الدعم السريع"، وضرورة حسمه عسكريا في ميدان المعركة.
وبحسب المفكر والباحث السياسي السوداني النور حمد فإنه "بات واضحا أن الحركة الإسلامية هي من تدير المعارك الآن. وأن البرهان والكباشي لا يملكان سلطة القرار، ما يعني حتمية انهيار أي اتفاق قادم لوقف لإطلاق النار".
وأضاف حمد في تغريدة على منصة (إكس): "وعليه ربما يضطر المجتمع الدولي والإقليمي للتدخل للقضاء على مختطفي قرار الجيش من الإرهابيين مثلما جرى منه ضد داعش في سوريا".
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي عبداللطيف أبوبكر رأى أن الجيش السوداني مؤسسة عريقة، تدير معركتها بسياسة النفس الطويل، ووفدها المفاوض في جدة يبذل جهودا جبارة للوصول إلى اتفاق مع قوات "الدعم السريع" لوقف إطلاق النار، وفتح المسارات الإنسانية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بالنزاع.
وأشار أبوبكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الحديث عن ارتباط بعض قيادات الجيش بتنظيم الحركة الإسلامية والاتهامات بإطالة أمد الحرب فرية وادعاءات، يستهدف توريطها أمام المجتمع الدولي من أجل فرض عقوباتها عليها".
عودة النظام البائد
ووفق رئيس القطاع الإعلامي في حزب "التجمع الاتحادي" السوداني محمد عبدالحكم فإن "تدبير إدخال البلاد في حرب 15 أبريل/نيسان لقطع الطريق أمام إنهاء انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كان مخططا له بدقة، باستخدام عناصر تنظيم الحركة الإسلامية في الأجهزة الأمنية، بغرض تسديد ضربة عسكرية سريعة تعيد سيطرته الكاملة على الأجهزة العسكرية والأمنية، تعقبها ضربات متتالية لقوى ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 المجيدة ومن ثم عودة النظام البائد إلى العلن بوجه أكثر قبحا ووحشية".
وأشار عبدالحكم، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى "فشل مخطط الضربات السريعة المتتالية، رغم بدء خلاياه في الأجهزة الأمنية للحرب، ودخول كتائب التنظيم الإرهابي في أتون الحرب منذ يومها الأول، فاستخدم الفلول كل إمكاناته السابقة في التحشيد الشعبي لإسناد مشروعه التدميري الجديد في البلاد، وحتى الآن رغم الرغبة الكبيرة لطرفي النزاع في وقف إطلاق النار".
وأضاف: "يضع الفلول العراقيل أمام طاولة التفاوض، بعد أن بلغ به الأمر عقب سيطرته على مفاصل الدولة من جديد، إلى تهديد القائد العام للجيش بالتصفية أو الإقالة حال مضى في اتجاه إنهاء معركة الإسلاميين الفاصلة للعودة للحكم مرة أخرى، ولا يزال الفلول يتوعد قيادات الجيش السوداني بالويل والثبور إن اختاروا وقف الحرب وإحلال السلام في وطن أضحى مثخنا بجراحات غائرة بسبب رغبات التنظيم الإرهابي في العودة للحكم ودهس ثورة ديسمبر/كانون الأول التي ألقت به في مزابل التاريخ".
حلم العودة إلى الحكم
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط: "ربما واحدة من الأسباب التي أسهمت في إشعال هذه الحرب خصوصا في الأشهر الستة قبل اندلاع الحرب في أبريل/نيسان، كان واضحا أن الإسلاميين يعملون من أجل تخريب الانتقال الديمقراطي، وأعلنوا ذلك في ندواتهم التي أقاموها في مختلف أرجاء السودان بأنهم على استعداد لعمل أي شيء لعرقلة الانتقال الديمقراطي بما ذلك إشعال الحرب".
وأضاف الأسباط في حديثه لـ"العين الإخبارية": "بعد اندلاع الحرب بدأوا في صب مزيد من الزيت في هذه الحرب، وصلت بهم هذه المرحلة إلى تنظيم كتيبة مساندة للجيش وهي كتيبة البراء بن مالك، وظل كل التابعين للإخوان سياسيين أو إعلاميين يدعمون الحرب والجيش، بالتالي لديهم مصلحة في استمرار الحرب لتوهمهم بأن الجيش تحت سيطرتهم، وسينتصر ويعيدهم مرة أخرى إلى السلطة".
وتابع: "بالتالي أي مسار لإيقاف الحرب سيعطل الأوهام أو هذه التصورات، مع العلم أن الإخوان قد قال السودانيون فيهم كلمتهم المدوية منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 وحتى أبريل/نيسان 2019، وربما يريدون الانتقام من السودانيين الذين أزاحوهم عن الحكم بثورة سلمية مدنية، ولهذه الأسباب يعتبرون أن دعمهم للحرب واستمرارها هو السبيل الوحيد والأخير للعودة مرة إلى الحُكم".
سيناريوهات متعددة
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي عباس محمد إبراهيم "في ظل استمرار سيطرة أنصار نظام البشير على قيادة الجيش، هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل الحرب في السودان".
السيناريو الأول: استمرار الحرب وتصاعدها، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق وانهيار الدولة.
السيناريو الثاني: انتصار أحد الطرفين في الحرب، مما سيؤدي إلى سيطرة أحدهما على السلطة وفرض سيطرته على البلاد.
السيناريو الثالث: وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سلام بين الطرفين، مما قد يؤدي إلى حل سياسي للأزمة.
وأضاف إبراهيم في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "السيناريو الأول هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا في ظل استمرار سيطرة أنصار البشير على الجيش ورفضهم إجراء أي تغييرات سياسية. في هذا السيناريو، قد تستمر الحرب لفترة طويلة، مما يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، كما قد يؤدي إلى تصاعد الصراعات القبلية في مناطق أخرى من البلاد، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق".
وأضاف "السيناريو الثاني هو الاحتمال الأقل ترجيحا، لكنه لا يزال واردًا. في هذا السيناريو قد ينجح أحد الطرفين في الحرب، مما سيؤدي إلى سيطرة أحدهما على السلطة وفرض سيطرته على البلاد. إذا انتصر الجيش فمن المرجح أن يواصل سيطرة الإسلاميين على السلطة، مما قد يؤدي إلى استمرار الأزمة السياسية في البلاد. أما إذا انتصرت قوات الدعم السريع فمن المرجح أن تفرض سيطرتها على البلاد، مما قد يؤدي إلى تغيير في النظام السياسي، لكن من غير المرجح أن يؤدي إلى حل جذري للأزمة".
وتابع "السيناريو الثالث هو الاحتمال الأكثر إيجابية، لكنه يتطلب إرادة سياسية من الطرفين للتفاوض وحل الخلافات سلميًا. في هذا السيناريو قد يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق سلام، مما يؤدي إلى إنهاء الحرب وبدء عملية انتقالية نحو الديمقراطية".
وزاد: "في ظل استمرار سيطرة أنصار البشير على قيادة الجيش، من الصعب تحقيق السلام في السودان. ومع ذلك لا يزال هناك أمل في أن يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق سلام، إذا توافرت الإرادة السياسية منهما، ودعم المجتمع الدولي، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة".
ورثة جهاز الدولة
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي يوسف حمد "خلال السنوات الثلاثين الماضية ورثت جماعة الإخوان جهاز الدولة بكل عنفه وسلطاته، وتحولت هذه الوراثة إلى ثراء مالي ونفوذ سياسي، والعكس أيضا صحيح، وهذا يعني أنهم سيقاتلون بكل وسعهم لحماية هذا الإرث".
وأضاف حمد في حديثه لـ"العين الإخبارية": "في الحرب الحالية ما أزعج الإخوان حقا هو وجود طرف آخر لديه أدوات عنف كبيرة ولديه المال، هو قوات الدعم السريع".
وتابع "ما يسميها الإخوان (معركة الكرامة) هي في الأصل معركتهم للقضاء على خصم ينازعهم في امتلاك المال وأدوات العنف".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يشهد السودان حربا بين الجيش و"الدعم السريع" خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلا عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
aXA6IDE4LjIyNy4yMDkuMTAxIA== جزيرة ام اند امز