الأزمة السودانية.. مبادرات دولية ومساعٍ داخلية للتقارب والحل
خبراء ومحللون سياسيون يؤكدون أن فرص تقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة في السودان لدفعهما لطاولة الحوار تتطابق مع رؤية الحكومة
بعد أن أكملت الاحتجاجات الشعبية في السودان شهرها الثالث دون أن تستجب الحكومة لمطالب المحتجين، أو يفتر المتظاهرون عن الحراك، بدأت هذه الأيام تحركات دولية لمحاولة تدارك الأزمة، تعتمد حسب ما ظهر مبدأ الحوار لتقريب المسافات بين المحتجين والحكومة السودانية.
- قوى"نداء السودان" المعارضة تنسحب من المفاوضات مع الحكومة
- السودان بعد 3 أشهر من الاحتجاجات.. تصعيد يواجه الحلول السياسية
وأكد خبراء ومحللون سياسيون، تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، أن فرص تقريب وجهات النظر بين الطرفين لدفعهما لطاولة الحوار تتطابق مع رؤية الحكومة للحل التي ظلت تنادي بها منذ اشتداد وتيرة حراك الاحتجاجات، لكن "تجمع المهنيين السودانيين وشركاؤه في إعلان الحرية والتغيير" الذين يقودون هذه الاحتجاجات يرفضون مبدأ الحوار مع الحكومة جملة وتفصيلا.
وينتظر أن يجتمع دبلوماسيون غربيون خلال الأيام المقبلة في العاصمة الفرنسية باريس مع قوى المعارضة وقيادات بالحكومة السودانية كل على حدة لبحث الأزمة بالسودان، في اجتماعات دعت لها "المجموعة الدولية للقانون والسياسات العامة"، وهي الاجتماعات التي اعتذر عن حضورها "تجمع المهنيين السودانيين" بعد تلقيه دعوة رسمية من المجموعة المنظمة لها، لكنه أبدى احترامه لتقديرات شركائه في "إعلان الحرية والتغيير" حول المشاركة فيها.
ويتوقع أن يشارك في الاجتماعات تحالف "نداء السودان" الذي أنهى، الأربعاء، اجتماعات مكثفة في العاصمة الفرنسية باريس استمرت 4 أيام لمناقشة تطورات الأزمة السودانية، وانتهت بانسحابه من مفاوضات خارطة الطريق.
المفاوضات طريق إنهاء الأزمة
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية ياسر زيدان، لـ"العين الإخبارية"، إن "الاحتجاجات التي دخلت شهرها الرابع دون أن تحقق مطلبها المنادي بإسقاط النظام، أو تفلح الحكومة في إسكاتها وتراجعها، لن يكون أمامها بعد اليوم إلا التفاهم بين الأطراف على منطقة وسطى تقود البلاد إلى بر الأمان".
وحول المبادرات الخارجية التي بدأ تقديمها للأطراف بغرض الحوار، يؤكد زيدان أن "نجاحها يعتمد على مدى تأثير الجهات الراعية للمبادرة على أطراف الأزمة"، مضيفا "كلما كانت الجهة صاحبة المبادرة تتمتع بتأثير قوى على أطراف الأزمة كلما كانت فرص نجاح المبادرة أكبر".
وتابع "إذا لم تكن للجهة الراعية للمبادرة تأثير على الأطراف يمكنها أن ترفض الدعوات أو تعتذر عنها". لكن زيدان يؤكد أنه "لا بد من طرف ثالث يتولى مهام تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية في النهاية".
الحكومة أكثر انفتاحا على الحوار
وتبدو الحكومة السودانية على استعداد لقبول المبادرات التي تدعو للحوار مع المحتجين، وفق ما ظلت تنادي به منذ اشتداد حراك هذه الاحتجاجات، ودللت على ذلك بتصريحات عديدة لقيادتها.
كما أطلق الرئيس عمر البشير، في فبراير الماضي، دعوة رسمية للحوار مع المحتجين بعد أن أعلن حالة الطوارئ وحل الحكومات المركزية والولائية، ودعا المعارضة للتحرك إلى الأمام والمشاركة في التشاور حول القضايا الراهنة والمستقبلية عبر آلية حوار يتفق حولها.
الحل يأتي من الداخل
ومن جانبه، أكد المحلل السياسي علي يوسف أن الأزمة السودانية الناتجة عن الاحتجاجات وانسداد الأفق السياسي لا بد من حل لها عن طريق الحوار بين أطراف الأزمة.
وقال في تصريحات لـ"العين الاخبارية" إن "على الحكومة والمعارضة التوافق على عقد لقاء مباشر يتم التحاور فيه على القضايا لأجل التوصل لصيغة مقبولة تخرج البلاد من أزمتها".
واعتبر يوسف أن "التقاء الأطراف في طاولة حوار أمر ممكن وسيكون ذا جدوى لو تبنته جهات سودانية وطنية مستقلة تحظى باحترام جميع الأطراف".
وأوضح أن "الأطراف الدولية التي تتولى المبادرات دائما ما تنطلق من مصالحها التي إن توافقت مع الحوار ستدعمه حتى النجاح، لكن الأفضل تجنب المبادرات الخارجية التي سيكون ضررها أكثر من نفعها، لأن أي تحرك خارجي يكون مرتبطا بمصالح محددة، وذلك يقتضي أن تنهض أطراف سودانية محايدة لتبني مبادرات الحوار".
وأضاف "الواقع اليوم هو انسداد في الأفق السياسي والاقتصادي، لذلك لا بد من حوار ومنطقة وسطى بين (تسقط بس وتقعد بس)، ويتم الاتفاق على نقاط محددة بينها التداول السلمي للسلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وقانون انتخابات متفق عليه، ولجنة مستقلة، وفترة انتقالية يتفق عليها الأطراف".
مبادرات دولية متعددة
ولم تكن دعوة "المجموعة الدولية للقانون والسياسات العامة" لعقد اجتماعات في العاصمة الفرنسية باريس بين طرفي الأزمة السودانية الأولى من نوعها، فقد تحدثت تقارير صحفية عن محادثات سرية بين أطراف سودانية يرعاها "المعهد الملكي للعلاقات الدولية البريطاني" المعروف بـ"شاتام هاوس" للترتيب لرؤية يتم طرحها للفترة المقبلة في السودان.
ويخطط المعهد البريطاني لعقد جلسة بين أطراف الأزمة السودانية في الـ25 من مارس/آذار الجاري بالعاصمة الكينية "نيروبي"، تستمر لمدة 3 أيام، بعدما يقوم برعاية جلسة محادثات بين كبار رجال الأعمال السودانيين، ومدراء شركات كبرى وسياسيين وناشطين وشخصيات مقربة من الحكومة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا فبراير الماضي.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية ياسر زيدان أن كل الأطراف الدولية تتفق في رؤيتها للحل في السودان، وهي تسعى لوجود دولة مستقرة آمنة في المنطقة والإقليم، قائلاً إن "عدم استقرار السودان من شأنه أن يؤثر على استقرار دول المنطقة والإقليم ومن ثم تأثر مصالح دول غربية في المنطقة"، مردفا "لذلك لا بد من اتفاق سياسي بين الأطراف كلها يحافظ على استقرار الدولة واستقرار المنطقة".
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت مبعوث رئيسها إلى السودان قبل نحو شهر من الآن، لبحث الأزمة مع الحكومة السودانية والتعرف على وجهة نظرها للمعالجة.
وقال سيريل سارتر، المساعد الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب مباحثات أجراها مع مساعد الرئيس السوداني فيصل حسن إبراهيم، في الخرطوم 18 فبراير الماضي، إن "السودان يمر بتطورات ومرحلة انتقالية، ومزيد من الصبر سيمكن الحكومة السودانية من إيجاد حل سياسي دون أن تتم فرض أي حلول على السودان من الخارج".
مبادرات داخلية
ومنذ اندلاع الاحتجاجات السودانية برزت في الساحة السياسية عدد من المبادرات التي تدعو لتجاوز الأزمة، بيد أن غالب تلك المبادرات السودانية أجمعت على قيام فترة انتقالية تعقب تنحي الرئيس البشير، ترتب لانتخابات في البلاد، لكن تلك المبادرات يعتبرها المحلل السياسي والسفير السابق بوزارة الخارجية السودانية علي يوسف تنطلق من مواقف سياسية ما يجعلها غير مقبولة عند كل الأطراف، داعيا إلى مبادرة تطلقها جهة مستقلة لجمع الأطراف للتوصل لصيغة مقبولة تخرج البلاد من أزمتها.
ولم تعلق قوى "نداء السودان" في البيان الختامي لاجتماعاتها في باريس التي انتهت اليوم الأربعاء على المبادرات الخارجية بصورة مباشرة، لكنها قالت إنها طورت خطة للتواصل الخارجي مع الفاعلين الدوليين والإقليميين.
كما أكد البيان، الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن "الجلسة الافتتاحية لاجتماعات التحالف شهدت حضور ممثلين لحكومات فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي".
وبدأت الاحتجاجات بالسودان في عدد من الولايات بسبب الضائقة الاقتصادية، ولكن سرعان ما ارتفع سقف المطالب إلى رحيل الحكومة التي يتزعمها حزب المؤتمر الوطني، بسبب الفشل في إدارة البلاد.
واليوم تدخل الاحتجاجات شهرها الرابع دون أن تظهر الحكومة السودانية تجاوبا مع مطالب المحتجين بخلاف دعوتها المتكررة للحوار، ووعد الرئيس البشير بإجراء إصلاحات سياسية تخفف من حدة الاحتقان السياسي ومعالجات اقتصادية جذرية ومكافحة الفساد، وطلب من البرلمان تأجيل تعديلات دستورية تمكنه من الترشح لدورات رئاسية مفتوحة.
aXA6IDMuMTQ1LjkzLjIyNyA=
جزيرة ام اند امز