المعارضة السودانية بين الالتزام بالوثيقة واقتسام مكتسبات السلطة
سياسيون وخبراء يؤكدون لـ"العين الإخبارية" خطورة التجاذبات السياسية والمحاصصة داخل قوى الحرية والتغيير حول مكتسبات ومقاعد السلطة.
مع اقتراب موعد تشكيل مستويات السلطة الانتقالية في السودان، لاح إلى الأفق شبح محاصصات بين مكونات قوى الحرية والتغيير لاقتسام الحقائب الوزارية.
موقف ربطه العديد من السياسيين والمحللين بالعهد الذي قطعته المعارضة مع الجماهير السودانية في السابق، بأن تكون الحكومة الانتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة، لتحقيق أهداف الثورة.
هذه المحاصصة التي تخالف ما تواثقت عليه القوى السياسية في "إعلان الحرية والتغيير"، تجسد شبحها في بروز بعض الأسماء المرشحة لتولي حقائب وزارية ومقاعد في مجلس السيادة.
فبعد ما كانت جميع الأحزاب السودانية تؤكد أن الحكومة الانتقالية ستكون من الكفاءات الوطنية المستقلة، برز اسم رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير كأقوى المرشحين لرئاسة مجلس الوزراء الانتقالي.
وقال عمر الدقير خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية محلية: إن حزبه ملتزم بعدم المشاركة في أي من مستويات السلطة الانتقالية، ولكن "حال رشحت قوى الحرية والتغيير أحدا منهم لا مانع لهم".
وهو ما اعتبره مراقبون بأنه تراجع من أحزاب الحرية والتغيير عن تعهداتها السابقة لمرحلة سقوط نظام الحركة الإسلامية السياسية في 11 أبريل الماضي.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن المرشح المستقل لرئاسة الوزراء الخبير الأممي الدكتور عبدالله حمدوك بات الأقرب لتولي حقيبة وزارة المالية، بعد أن ذهبت رئاسة الحكومة لعمر الدقير.
لكن حزب المؤتمر السوداني أصدر بيانا، الثلاثاء، أكد خلاله عدم صحة الأخبار المتداولة بشأن ترشيح رئيسه عمر الدقير لمنصب رئيس الوزراء، وقال: إن الحزب غير مشارك في مجلسي الوزراء والسيادة.
وأكد أنه غير معني بهذه الشائعات، وأن تركيزه الآن منصب على مواجهة تحديات الفترة الانتقالية، ودعم السلطة التي تتوافق عليها قوى الحرية والتغيير ومواجهة قضايا الشعب الملحة وعلى رأسها السلام ومواجهة الأزمة المعيشية وتفكيك مؤسسات النظام البائد.
لكن المعلومات تشير إلى أن الدقير رشحه تحالف "نداء السودان" لتولي رئاسة الوزراء وليس حزب المؤتمر السوداني الذي تنتهي فيه دورته الرئاسية في شهر يناير المقبل.
الحركات المسلحة تطالب بمقعد
إلى جانب واقعة المؤتمر السوداني، تشير مصادر عديدة إلى أن الحركات المسلحة طلبت مقاعد في مجلسي السيادي والوزراء، خلال محادثات جرت في أديس أبابا الشهر الماضي.
وفي تطور مفاجئ، أصدرت الجبهة الثورية السودانية التي تضم حركات مسلحة بيانا ألمحت فيه إلى رفض اتفاق الإعلان الدستوري لكونه تجاوز تضمين وثيقة السلام المبرمة في أديس ابابا، وما ينضوي خلفه من محاصصة.
ووفق المصادر، فإن تجمع المهنيين السودانيين عاد وتمسك بمقعد في مجلس السيادة لصالح مرشحه طه عثمان، بعد أن أعلن في وقت سابق أنه زاهد في المشاركة التزاما بإعلان "الحرية والتغيير".
حكومة كفاءات وطنية مستقلة
شبح المحاصصات الذي يلوح إلى الأفق أعاد الجدل للمشهد السوداني، حيث تسببت هذه المسألة في احتجاجات خلال الشهر الماضي، بعد أن سير المئات مظاهرات إلى مقر تجمع المهنيين السودانيين، تطالبه بالالتزام بوثيقة "إعلان الحرية والتغيير" والتراجع عن فكرة اقتسام كيكة السلطة.
ولم يستبعد الكاتب والمحلل السياسي حسن فاروق أن يتسبب اتجاه المحاصصة في الحكومة الانتقالية في مظاهرات جديدة ضد قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودان، لنكوصهم عن العهد.
وقال فاروق لـ"العين الإخبارية" إنه "عند لحظة التصعيد الجماهيري ضد النظام البائد كانت جميع الأحزاب قد أعلنت زهدها في المشاركة بالسلطة الانتقالية على كافة المستويات".
وأضاف: "يجب الالتزام بهذا العهد وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة، بعيدا عن التجاذبات الحزبية من أجل تحقيق أهداف الثورة".
وبالنسبة لفاروق، فإن اتفاقات غير معلنة تمت بين مكونات قوى الحرية والتغيير تقضي بتقديم قيادات حزبية للحكومة الانتقالية، ولكن هذا الشيء قد يقود إلى توتر الشارع من جديد.
وينتظر السودانيون إنفاذ مصفوفة زمنية وضعت لتوقيع الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري قوى الحرية والتغيير يوم 17 أغسطس الجاري، وتشكيل مجلس السيادة يوم 18 وتعيين رئيس الوزراء في 20 من الشهر نفسه.
ويتم تعيين الوزراء يوم 29 من أغسطس الجاري، على أن تعقد الحكومة الجديدة أول اجتماع لها مطلع سبتمبر المقبل.
توافق بين القوى على "كيكة" السلطة
تساؤلات عديدة دارت حول تأثير توجه المحاصصات الحزبية، على المصفوفة الزمنية التي وضعتها الأطراف السودانية، لتشكيل مستويات السلطة الانتقالية بعد إبرام الاتفاق النهائي.
ويرى المحلل السياسي حسن فاروق أن الجدول الزمني لن يتأثر ولن يتعطل التشكيل الحكومي، لأن توزيع "كيكة" السلطة تم التوافق عليه بين مكونات قوى الحرية والتغيير وبمباركة دولية وإقليمية، وفق تقديره.
أما المحلل السياسي آدم محمد فيؤكد أن جنوح "الحرية والتغيير" إلى المحاصصة وتقاسم مقاعد السلطة الانتقالية، سيضرب مشروعها السياسي مبكرا ويهدم الثقة بينها وبين القاعدة الجماهيرية التي بنتها طيلة فترة الاحتجاجات.
وأضاف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أن المحاصصة قد تعطل تشكيل السلطة الانتقالية، لأن التوافق حول توزيع الحقائب الوزارية ربما يكون قد تم وسط المكونات المدنية بقوى الحرية والتغيير، بخلاف الحركات المسلحة التي تبدو معترضة من واقع البيان الأخير للجبهة الثورية.
ونصح بضرورة التمسك بإعلان الحرية والتغيير، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، لأن ذلك سيجنب المواجهة مع الجماهير والتجاذبات بين الأحزاب السياسية.
تفسيرات الوسيط لكلمة "مستقلة"
بدوره، أكد القيادي في قوى الحرية والتغيير ساطع الحاج، أن الاتفاق بين مكوناتهم حول تشكيل السلطة الانتقالية من الكفاءات الوطنية المستقلة ما زال سائدا، وأن الوثيقة الدستورية المبرمة دعمت هذه الروح.
لكن ساطع كشف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" عن تفسيرات وضعها الوسيط الأفريقي محمد ولد لباد في الوثيقة الدستورية لكلمة "مستقلة" بحيث تعني أن يكون المرشح مستقلا في رأيه ومواقفه السياسية.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء يمكن أن يكون من الأحزاب السياسية بعد التوافق عليه، لكن الوزراء مستقلون حسب الاتفاق.
وشدد ساطع الحاج على عدم وجود أي اتفاقات غير معلنة تقضي بتقاسم السلطة بين الأحزاب السياسية، قائلا: "قوى الحرية والتغيير تضم أكثر من 80 مكونا، ويستحيل أن يبقى أي اتفاق على السرية والكتمان".
aXA6IDEzLjU4LjYxLjE5NyA=
جزيرة ام اند امز