أهرامات السودان.. صمود أسطوري في مواجهة زحف الزمن
مساعٍ حثيثة لحماية آثار البجرواية من أهرامات ومعابد ومتاحف ومدافن تعود لممالك قديمة حكمت السودان قبل 8 قرون، إليك قصتها.
بالقرب العاصمة الخرطوم، تقبع منطقة البجراوية الأثرية كشاهد تاريخي على حضارة سودانية ضاربة في القدم متحدية بصمود أسطوري عوامل الطبيعة وتعاقب العصور والأزمنة؛ لتحافظ على معالم أهراماتها ومعابدها بنفس الهيبة والألق القديم.
تاريخ عريق للسودان
هنا ازدهرت ممالك نبتة ومروي وكوش وكرمة، وهنا يلتئم شمل الملوك العظماء مثل بعانخي وتهراقا وشبتاكا الذين امتد نفوذهم عبر مصر إلى حدود فلسطين.
وتشمل الآثار الموجودة في البجراوية عشرات الأهرامات والمعابد والمتاحف إضافة إلى مدافن عشرات الملوك الذين تعاقبوا على حكم مملكة مروى التي سادت السودان نحو 8 قرون.
وتسعى وزارة السياحة والآثار السودانية حاليا لتنفيذ عمليات ترميم منذ سنوات بالتعاون مع خبرات أجنبية، كما تقوم فرق بحثية بدراسات حول تاريخ المنطقة التليد، وقد أثمرت جهود فرق التنقيب مؤخرا عن العثور على مقتنيات تعود للقرن الثامن قبل الميلاد، تحت الهرم رقم 9، تحت مدفن أشهر ملوك مروي الملك «تابرك» في منطقة «البجراوية» بشمال البلاد.
وتنبع أهمية الكشف الأثري من كونه سيسهم في معرفة وتتبع سير وتواريخ الملوك الذين تعاقبوا على الحكم في المملكة المروية بدقة، وبذلك تحسم الفرضيات حول حكمهم.
ويقدر متحدث باسم وزارة السياحة السودانية عدد السياح الذي يزورون أهرامات البجراوية بنحو 18 ألف سائح في السنة، ويقول لـ"العين الإخبارية" إن السياحة في البجراوية صارت موردا ماليا مؤثرا في خزانة الولاية وخزانة الدولة.
وترسم الآثار التي تحتويها البجراوية خاصة أهراماتها ومدافنها صورة شديدة السطوع عن حضارة اجتهدت كثيرا في تأمين سبل العيش المتطور للسكان في ذلك الزمن السحيق دون أن يكون ذلك بأي حال من الأحوال امتدادا للحضارة الفرعونية إلى العمق السوداني وهي الفكرة التي ظلت تلاحق الكثيرين ممن ينظرون إلى تاريخ هذا البلد من غير أهله .
ويشير المدير العام لهيئة الآثار السودانية السابق حسن حسين، إلى أن "أهرامات البجراوية تنقسم إلى 3 مجموعات، مجموعة جنوبية وهي الأقدم تاريخيا ثم المجموعة الشمالية، وهاتان المجموعتان تضمان مدافن الملوك والملكات، وهناك مجموعة ثالثة هي الأهرامات الغربية، حيث يدفن فيها الأمراء والأميرات وكبار موظفي الدولة والنبلاء.
ويضيف حسين أن الأهرامات توجد في مواقع عديدة من السودان ويبلغ إجمالي عددها 225 هرما إلا أن منطقة البجراوية تستأثر بالاهتمام والشهرة دونا عن بقية الأهرامات.
ويقدم حسن وصفا تفصيليا لأهم أهرامات البجراوية قائلا إنها "تتكون في الغالب من وحدتين؛ الوحدة الأولى علوية، وتتكون من هرم وغرفة ملحقة به في الجانب الشرقي ووحدة سفلية تتدرج من الأعلى إلى أسفل عبر درج يؤدى إلى غرفتين أو 3 تستخدم كمدافن وتزين الغرفة الملحقة بالهرم على الأغلب برسوم ونقوش تصور الحياة الدينية والاقتصادية والسياسية والأمنية وتوضح قوة ومكانة الملك والملكة اللذين بني الهرم كقبر لهما".
ويعتبر غالبية باحثي الآثار أن أبرز وأهم أهرامات البجراوية وهو هرم الملكة (أماني شيختو) التي حكمت في منتصف القرن الأول قبل الميلاد .
وقامت الملكة ببناء هرمها في الهزيع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، كما قامت ببناء معبد آمون في منطقة مروي وقصر ودبانقا الواقع على مسافة 80 كلم إلى الشمال من الخرطوم.
وتروي كتابات المؤرخين عن الملكة أماني أنها قادت جيوش مملكتها ضد الرومان وهزمتهم ويقال إن تمثال أغسطس الذي اكتشف في معابد مروي والموجود الآن في المتحف البريطاني في لندن دليل على ذلك.
وتضيف الروايات أن شيختو كانت امرأة تهتم بزينتها ويدل على هذا الحديث المجوهرات التي عثر عليها داخل الهرم الخاص بها والتي توجد الآن بمتحفي ميونيخ وبرلين بألمانيا .
وفي هذا الخصوص تشير أوراق صحفية في دار الوثائق السودانية إلي قصة لسرقة هذه المجوهرات والتي قام بها طبيب إيطالي يدعي فرليتي كان مرافقا لحملة محمد على باشا لغزو السودان عام 1821م .
وتظهر النقوش المكتوبة على جدار هرم الملكة شيختو أن هذه الملكة كانت تلتزم بالزي المروي الذي يتكون من "شال" (قطعة قماش توضع على الكتف) وعلى وجهها تظهر خطوط عريضة يسميها السودانيون بـ"الشلوخ".
أبادماك.. أبو الهول السوداني
وعلى مقربة من هرم الملكة شيختو ينتصب تمثال أبادماك وهو في الواقع نسخة سودانية لتمثال "أبو الهول" في مصر ويوصف "أبادماك" بأنه الإله المسؤول عن حماية الدولة ورعايتها حسب اعتقاد المرويين، وهو تمثال له رأس أسد وجسد إنسان، يرقد على أطرافه الأربعة وتحمل إحدى الأيدي رمز الحياة، في حين يلتف ثعبان ضخم حول الجسد.
وتقول روايات التاريخ إن الملك نتكامني والملكة أماني قاما ببناء تمثال أبادماك في القرن الأول الميلادي كما قاما ببناء معبد للإله أبادماك من الحجر الرملي ويتكون هذا المعبد من قاعة مستطيلة ذات 4 أعمدة داخلية وفي واجهتها بوابة كبيرة أمامها بهو.. في حين تزين الجدران نقوش للملك نتكامي وزوجته مع عدد من الآلهة .
في الواجهة يرى نتكامي وأماني يحميهما صقر الجديان (شعار السودان الوطني حاليا) وتحت أرجلهم عدد من الأسري علامة القوة والنصر على الأعداء، كما تظهر في الواجهة الشرقية الملكة أماني بشكلها البدين وزينتها وفستانها وهي الصفات التي تبرز جمالها بجانب الصفات التي تبرز قوتها والتي تتمثل في نقش يجسدها وهي تضرب الأعداء .
وفي الواجهة الجنوبية تنتصب صورة للملك والملكة وولي العرش وهم رافعين أيديهم في حالة تعبد للآلهة: أبادماك (له رأس أسد) وحورس (برأس صقر) وآمون (برأس كبش).
وعلى الواجهة الغربية لمعبد الأسد نشاهد أبادماك بـ3 رؤوس و4 أيادٍ على جسد إنسان يحمل بيده اليمني رمز الحياة كما يظهر أيضا على الواجهة الشمالية والجنوبية ثعبان ضخم ملتف إلى أعلى وينتهي برأس أسد متوج هو الإله أبادماك .
وسعيا لنفض الغبار عن آثار البجراوية وتقديمها للعالم، قامت هيئة الآثار السودانية بترميم 14 معبدا جنائزيا، كما تم فتح الأهرامات للزوار وتفكيك وإعادة تأهيل هرمين من الأهرامات الغربية.
ويخطط السودان لإنشاء عدد من المتاحف في هذه المنطقة بالذات لاعتبارات عدة؛ منها: الدور التثقيفي والتعليمي والسياحي المهم، وذلك بعد أن أنهت أعمال الترميم متحفا يسمي "الطرابيل" يتوسط أهرامات البجراوية. وتجدر الإشارة إلى أن متحف الطرابيل شيد بأسلوب معماري مستوحى من أسلوب العمارة المروية وسيعرض في هذا المتحف كل المواد المتكشفة من هذه المنطقة.
aXA6IDE4LjIxOS4xNzYuMjE1IA== جزيرة ام اند امز