غادر وزير العدل السوداني منصة قصر السلام بـ"لاهاي"، وترك خطاب الدعوى التي قدمها باسم بلاده ضد الإمارات، مثل "كرة مطاطية" يتقاذفها المراقبون السودانيون بأحاديث ساخرة، وبشيء من الدهشة والغضب.
ولم يُحظ خطاب الدعوى ضد الإمارات، بأية مظاهر للاحتفاء على منصات التواصل الاجتماعي في السودان، بل ضجت بحالة من الاستياء من فحوى الدعوى نفسها، وكأن الوزير قد غرس- دون أن يدري- مسماراً أخيراً في نعش الدعوى، قبل أن يُفتي في أمرها قضاة محكمة العدل الدولية.
وعقدت محكمة العدل الدولية، أمس، الخميس ١٠ أبريل/نيسان ٢٠٢٥، جلسات استماع علنية في قصر السلام بلاهاي، مقر المحكمة، للنظر في الدعوى التي رفعها السودان ضد دولة الإمارات في ٥ مارس/آذار ٢٠٢٥، والتي انتهت بتأجيلها لوقت لاحق.
خلل إجرائى
وبحسب قانونيين ومحللين سياسيين من السودان، فإن الدعوى ضد الإمارات جاءت وهي مفتقرة للدلائل والبراهين.
ووصفوها بأنها كانت حُبلى بالتناقضات، واتسمت بخلل إجرائي معيب من حيث الأدلة القانونية الواقعية.
المحامي القانوني في السودان، حاتم إلياس، وصفها بأنها دعاوى " مختلة"، وقال في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "في تقديري أن هذه الدعوى التي تقدم بها وزير العدل السوداني أمام محكمة العدل الدولية، هي "مختلة" إجرائياً ولا يستسيغها القانون.
وأوضح إلياس أن دعوى السودان التي تلاها وزير العدل ضد الإمارات، قائمة على "الاستنتاج والافتراض"، وهو الأمر الذي لا يحتمله القانون، لأن القانون دائماً يتحدث عن "الأدلة المادية" وبوضوح".
واعتبر أن الأدلة المادية التي يتحدث عنها ادعاء السودان، "ضعيفة"، وأن الدعوى بشكل عام اعتمدت على خطاب " سياسي" كامل، ولا تقوم على حيثيات قانونية واقعية، واصفاً الأمر بأنه مجرد "فرقعة" اعلامية لا تُغني ولا تُسمن.
وأكد أن هذه الدعوى هي خسارة كبيرة جداً للسودان، لأنها وبكل تأكيد تم فيها صرف أموال طائلة من أموال الشعب السوداني على " المحامين"، وهي لا تحمل أية قيمة قانونية، بل جاءت لأجل "الاستعراض" السياسي لا أكثر".
أغراض دعائية
وكان وزير العدل السوداني السابق نصر الدين عبدالباري، رأى في منشور على حسابه في "إكس"، رصدته " العين الإخبارية": "أن الشكوى التي رفعتها سلطات بورتسودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، أمام محكمة العدل الدولية، "ليست سوى قمة النفاق".
وقال إن "المؤسسة العسكرية المتورطة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تسعى إلى استغلال آليات العدالة الدولية لأغراض دعائية، في حين لا تزال تواصل جرائمها ضد المدنيين في السودان".
وأضاف عبد الباري: "هذه هي نفس القوات المسلحة السودانية التي ارتكبت أو ساهمت في ارتكاب فظائع جماعية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وهي ذات المؤسسة والدولة التي كانت ترفض آليات حقوق الإنسان الدولية بوصفها منحازة ومسيّسة، لكنها اليوم تلجأ إلى نفس النظام القانوني الدولي، الذي طالما ازدرته وانتهكته. وزاد: "إن التناقض صارخ والدوافع السياسية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار".
محاولة لكسر العزلة
وليس بعيداً عن ما ذهب إليه إلياس وعبدالباري، بوصفهما القانوني المتخصص، رأى المحلل السياسي والكاتب الصحفي السوداني، كمبال عبدالواحد، أن الدعوى المقدمة ضد الإمارات، تصب في محاولة لكسر العزلة الدولية التي تعاني منها "سلطة الأمر الواقع في بورتسودان".
وقال كمبال لـ" العين الإخبارية": إن تصاعد وتيرة الإدانات الدولية التي طالت عددا من القادة العسكريين، وحلفائهم من المليشيات الإسلاموية التي تقاتل في صفوف الجيش السوداني، هو ما يكمن وراء الدعوى التي جاءت كمحاولة لتخفيف الضغوط الدولية والبحث عن أوراق مناورة، تكون قادرة على إيجاد "صفقات دولية" تحمي الضالعين في الانتهاكات ضد المدنيين، سواء بقصف الطيران الممنهج، أو بالاستهداف المباشر.
وفنّد كمبال حديث وزير العدل السوداني، عن التسليح و العتاد الخاص بقوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم، وعدد من المقار العسكرية لمدة عامين بعد انسحابات متكررة لجيش السوداني، فتح الباب على مصراعيه لاستفادة الدعم السريع من المخزون العسكري واللوجستي الذي تم التخلي عنه ضمن عملية الانسحاب.
وأضاف أن "قوات الدعم السريع بعد إقرار قانون تأسيسها عبر برلمان النظام السابق، حصلت على نوع من أنواع الحصانة، والقدرة على التمدد دولياً، وتمكنت من خلق علاقات عسكرية مع عدد من الدول في جوانب التسليح والتدريب، وبعلم قيادة القوات المسلحة السودانية نفسها.
وأشار كمبال كذلك، إلى الإمكانات المالية الكبيرة التي تتمتع بها قوات الدعم السريع، مبيناً أن العقوبات التي تم فرضها في وقت سابق من قبل الخزانة الأمريكية على قيادة هذه القوات، تعزز من فرضية أن مؤسسة الدعم السريع، تتمتع بنفوذ اقتصادي في الدولة السودانية منذ قبل اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، داحضاً بذلك حاجة الدعم السريع إلى إسناد من قبل الإمارات مثلما تزعم الدعوى المقدمة ضدها في لاهاي.
موقف ثابت للإمارات
من جانبها أكدت، دولة الإمارات على بطلان الدعوى، وافتقارها لكل الأسس الموضوعية وللحقيقة. و قالت ريم كتيت نائبة مساعد وزير الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الإماراتية، في كلمتها خلال أولى جلسات نظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات، إنه منذ بدء الحرب لم تقدّم دولة الإمارات أي أسلحة لأيٍّ من طرفي الحرب.
وفيما أكدت أنه «منذ بدء الحرب لم تتوقف الإمارات عن تقديم الدعم الإنساني للسودان»، شددت على تمسك دولة الإمارات بموقفها بعدم اختصاص محكمة العدل الدولية «مع احترامنا للقانون الدولي».
وشددت ممثلة الإمارات على دعم بلادها «الوساطات المختلفة لكي يتحمّل طرفا الصراع في السودان لمسؤولياتهما أمام القانون الدولي».
وكان المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش قال في مقال له، إن الحملات الكاذبة والممنهجة للجيش السوداني ضد الإمارات، تهدف إلى صرف الأنظار عن إخفاقاته الداخلية والتهرب من مسؤولياته تجاه الأحداث التي قادت إلى هذه الحرب العبثية، التي جاءت بقرار من هذا الجيش والمليشيات الإخوانية المساندة له.
وفي تغريدة اليوم على منصة «إكس»، قال قرقاش: "أداء متميز للدبلوماسية والفريق القانوني الإماراتي في محكمة العدل الدولية في مواجهة اتهامات ملفقة وضعيفة هدفها الاستعراض الإعلامي".
وأضاف: "الأهم أن تدرك حكومة الجيش السوداني أن الاستحقاق الحقيقي هو استقرار السودان، عبر استعجال وقف هذه الحرب ومسار سياسي يحفظ وحدة البلاد وأرواح مواطنيها".