«لا يرتدون الجلابيب أو يطلقون اللحى، لكنهم يتغلغلون بالمجتمع الفرنسي» كسرطان ينهش وحدته ببطء قبل أن تدق الدولة جرس الإنذار.
تسريبات من تقرير سري للداخلية الفرنسية حول الإسلام السياسي وحركة الإخوان بالبلاد، تجدد ناقوس الخطر في بلد يمضي بخطوات سريعة نحو تضييق الخناق حول الجماعة على أراضيها.
وسبق أن أعلنت الداخلية الفرنسية لأول مرة عن هذا التقرير في 6 مايو/أيار 2024، وحينها، قالت الوزارة إن هذه المهمة سيقودها الدبلوماسي المتقاعد باسكال غوييت، الذي كان سفيرا لدى أكثر من دولة عربية، والمحافظ باسكال كورتاد، وتتضمن إعداد «جرد لتأثير الإسلام السياسي في فرنسا».
كما شددت الوزارة آنذاك على أن «مكافحة النزعة الانفصالية تتطلب فهم هذه الظاهرة، وإدراك المؤسسة السياسية التي تمثلها».
والتقرير نفسه تحدث عنه مؤخرا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، حيث قال إنه اطلع على نسخة منه، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن مضمونه، ما رفع درجة الغموض والمخاوف من تصريحات في بلد أدرك منذ فترة خطورة تغلغل الجماعة بمفاصله.
الوحدة في خطر
في تقرير طالعته «العين الإخبارية»، نشرت صحيفة «لوبينيون" الفرنسية تسريبات من تقرير الداخلية السري، مشيرة إلى أن القائمين عليه يحذرون من أن نشاط الإخوان لم يعد يقتصر على العمل الدعوي أو الديني، بل بات يهدد «تماسك المجتمع الفرنسي».
كما حذروا من أنه «يهدف إلى إحداث تحول مجتمعي عميق عبر فرض الشريعة الإسلامية على النظام العام».
ووصف التقرير الجماعة بأنها تعتمد نمطًا تنظيميًا شديد الدقة، وتقوم بعملية «اختراق ناعم» للمجتمع، في محاولة "لتغيير طبيعة الدولة الفرنسية تدريجيًا".
خارطة ونقاط ارتكاز
وبحسب الصحيفة، يوجد ما بين 130 و140 مسجدا على الأراضي الفرنسية يُشتبه بتبعيتها للإخوان، علاوة إلى مؤسسات تعليمية من ضمنها ثانوية "ابن رشد" في مدينة ليل وثانوية "الكندي" قرب ليون.
والمؤسستان التعليميتان تم فسخ عقودهما مع الدولة بسبب مخاوف من تغلغل فكر الجماعة فيهما.
كما يذكر التقرير مؤسسات أخرى مثل "معهد التكوين" في منطقة شاتو شينون، والهيئة السابقة المعروفة بـاللجنة المناهضة للإسلاموفوبيا في فرنسا (CCIF)، التي تم حلّها رسميًا داخل فرنسا لكنها لا تزال نشطة على المستوى الأوروبي من خلال بلجيكا.
تحذير
سبق أن أشار وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو إلى هذا التقرير خلال مشاركته في برنامج "اللقاء الكبير" الذي تبثه قناتا "سي نيوز" و"يوروب 1" الفرنسيتان.
وقال ريتايو: "صدقوني، جماعة الإخوان تتسلل إلى كل مكان يمكنهم الوصول إليه، لأن هدفهم هو فرض التطرف الديني على كامل المجتمع الفرنسي".
وأكد مقربون من ريتايو، في تصريحات لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية، أن الإخوان يشكّلون "اللبنة الأساسية للإسلام السياسي في فرنسا"، وأن اختراقهم يتم بصمت وفاعلية، إذ "لا يرتدون الجلابيب أو يطلقون اللحى، لكنهم يحققون تقدمًا داخل أوساط المسلمين العاديين".
وبحسب المعطيات التي نشرتها "لوبينيون" الفرنسية، فإن التقرير يتضمن خريطة تنظيمية تفصيلية للقيادة العليا للجماعة في فرنسا، بالإضافة إلى معلومات دقيقة عن مصادر تمويلها، وشبكاتها المالية، وآليات عملها.
وتتجلى استراتيجية الجماعة، بحسب التقرير، في السيطرة على المساجد والمؤسسات الدينية والثقافية، من خلال إنشاء جمعيات رياضية وثقافية تعمل كواجهة لأنشطتهم السياسية والدعوية.
ودعت وزارة الداخلية، في ضوء ما ورد في التقرير، المحافظين الفرنسيين إلى الحذر، خاصة مع اقتراب الانتخابات البلدية عام 2026.
وأكدت أن الجماعة قد تسعى إلى التأثير على تشكيل القوائم الانتخابية في بعض المناطق.
تحديات
رغم كل الإجراءات، يعترف مسؤولو الداخلية بصعوبة المواجهة، لأن "الأيديولوجيا لا يمكن حلها بقرار إداري"، كما أن أي تحرك ضد الجماعة يتطلب المرور عبر قنوات قانونية معقدة مثل مجلس الدولة.
وتختم وزارة الداخلية تقريرها بأن "النموذج الجمهوري الفرنسي" مطالب اليوم بتطوير ما يشبه "الأجسام المضادة" لمواجهة هذا النوع من التهديدات غير المباشرة، الذي يستهدف تغيير نمط الحياة الفرنسي وهويته السياسية والثقافية من الداخل.