6 أبريل.. ملحمة سودانية تدك قمع الإخوان
السادس من أبريل؛ يوم مفصلي بالتاريخ الحديث للسودان، ما يجعله عالقا بالذاكرة كحدث فارق شكّل لبنة انتصارات على أنظمة قلبت موازين البلاد.
ففي مثل هذا اليوم من عام 2019، استلهم السودانيون ذكرى ثورة أبريل/ نيسان 1985 التي أنهت حكم الرئيس الراحل جعفر نميري، وزحفوا على هيئة سيول بشرية نحو القيادة العامة للجيش بالعاصمة الخرطوم، لتلتقي الجموع في ملحمة ثورية ألهمت العالم.
ولا تزال مشاهد اعتصام الخرطوم الذي شكّل بداية فعلية لإنهاء حكم جماعة الإخوان الإرهابية، عالقة في ذاكرة السودانيين والعالم بكل ما تخللها من فرح ودموع.
وفكّر المحتجون في الاعتصام أمام قيادة الجيش بعد أن واجهتهم مليشيات نظام الرئيس المعزول عمر البشير بقمع مفرط منذ انطلاق شرارة الثورة في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018.
ولم يكن الوصول إلى مقر قيادة الجيش بالأمر السهل، غير أنه أصبح الخيار الوحيد لتسديد الضربة القاضية لنظام الإخوان الإرهابي وآلته القمعية.
ويومها، صمد المتظاهرون أمام زخات الرصاص، وتخطوا ببسالة الحواجز الأمنية التي نصبتها مليشيات الرئيس المعزول عمر البشير بعناية فائقة، في طريق وصولهم لقيادة الجيش.
هتافات تتحدى القمع
علي فارساب؛ عضو لجنة العمل الميداني بتحالف الحرية والتغير، قائد الاحتجاجات حينها، قال: "رغم العنف المفرط، كانت هتافات المتظاهرين تشق عنان السماء مرددة شعارات الحرية الثورية، وسط شلالات من الدموع غطت المكان فرحا بالوصول إلى ساحة النصر".وأضاف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الوصول إلى مقر قيادة الجيش تم بموجب الإرادة القوية للمتظاهرين، ولم تقدم لهم أي مساعدة من جهة أمنية كما تروج بعض الدوائر المعادية لثورة ديسمبر للانتقاص منها.
ويؤكد فارساب، أن "كل ما يتعلق بالاعتصام -فكرة وتنفيذا- جاء به المتظاهرون، حتى المتاريس (الحواجز) نصبها الثوار لحماية أنفسهم".
وتابع: "يحق لنا أن نحتفي بهذه الذكرى العطرة التي عجلت بانتصارنا على نظام المعزول عمر البشير وزمرته الفاسدة".
وانطلقت شرارة الانتفاضة في مدينة عطبرة شمالي البلاد في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما قاد طلاب مدرسة ثانوية مظاهرات ضد انعدام وغلاء الخبز، وسرعان ما تمددت لتشمل مدنا أخرى، قبل أن تندلع موجة الاحتجاجات في العاصمة الخرطوم منادية بإسقاط النظام لأول مرة في 25 من الشهر ذاته.
وبعد صمود المتظاهرين لأكثر من 4 أشهر تحت قمع نظام الإخوان الذي قتل وجرح مئات الأشخاص، استلهم السودانيون ذكرى الثورة الشعبية في 6 أبريل/ نيسان 1985 التي أنهت حكم الرئيس الراحل جعفر نميري، وزحفوا بالملايين نحو قيادة الجيش بالخرطوم، متجاوزين جميع الحواجز الأمنية التي نصبها رجال البشير بعناية.
محطة حاسمة
يرى المحلل السياسي عباس التجاني، أن السادس من أبريل شكل محطة حاسمة في مسار الثورة الشعبية السودانية، حيث صمد الملايين تحت وطأة مليشيات الإخوان، لـ5 أيام أمام قيادة الجيش، وتمكنوا من عزل البشير بعدما انحازت لهم القوات المسلحة.ويقول التجاني لـ"العين الإخبارية"، إن شجاعة السودانيين في هذا اليوم رسمت مستقبلا واعدا للبلاد، وقد بدأت ثمار التغيير السياسي تظهر يوما تلو الآخر عبر النجاحات والاختراقات الإيجابية على كافة الأصعدة.
ويصف الصحفي السوداني عيسى جديد، وهو أحد الشهود على وصول أول مجموعة من المتظاهرين إلى مقر قيادة الجيش، 6 أبريل بأنه كان "يوما عظيما في تاريخ النضال السوداني، وأعاد الأمل لاستكمال مسيرة الثورة ضد نظام الإخوان الإرهابي".
وأضاف جديد لـ"العين الإخبارية": "انطلقت زغرودة من إحدى الفتيات في شارع السيد عبدالرحمن بوسط الخرطوم إيذانا بالزحف نحو قيادة الجيش التي تبعد عن المكان بضعة كيلومترات، وبدأ المحتجون رحلة الصمود فتجاوزوا وابل الرصاص والغاز المسيل للدموع ووصلوا إلى مبتغاهم وسط دموع الفرح".
مستطردا: "كنا نردد (جيش واحد شعب واحد)، فاستجابت لنا عناصر القوات المسلحة وحملونا على الأعناق قبل أن يؤمنوا الحماية اللازمة من مليشيات المعزول عمر البشير، بينما نصب الثوار المتاريس على جنبات المكان منعا لوصول سيارات أمن الإخوان".
مشاهد لا تزال عالقة في ذهن عضو لجنة المقاومة الثورية بجنوب الحزام في العاصمة الخرطوم، عمر هنري، حيث يتذكر كل تفاصيل ملحمة السادس من أبريل التي صمد خلالها مع رفاقه حتى تحقق النصر المنشود.
وقال هنري لـ"العين الإخبارية": "استفزازات قيادات نظام البشير كانت أقوى دافع لنا في الوصول لقيادة الجيش من أجل الاعتصام والتخلص منهم، فتمسكنا بسلاح السلمية رغم التصدي العنيف من قبل مليشيات المؤتمر الوطني الحاكم وقتها".
وأضاف: "نحن سعداء بهذا اليوم التاريخي، وكنا نرغب في تسيير المواكب وتجسيد وقائع يوم الاعتصام، ولكن يستوجب الامتثال لتدابير كورونا وإحياء هذه الذكرى العطرة من المنازل".
وبفضل الاعتصام الملهم وانحياز القوات المسلحة للمتظاهرين، انتهى حكم الإخوان بقيادة البشير وتم تشكيل مجلس عسكري برئاسة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، والذي تنحى بعد ساعات بفعل ضغط جماهيري رافض له، ليتولى رئاسة المجلس الفريق أول عبدالفتاح البرهان في 12 أبريل/نيسان من العام نفسه، ليقود بعدها مفاوضات مع قوى الثورة أفضت إلى تشكيل سلطة انتقالية تقاسمها المدنيون والعسكريون.
اعتصام الخرطوم الذي استمر من 6 أبريل/نيسان إلى 3 يونيو/تموز من عام 2019، تخللته قصص ثورية ألهمت العالم، لعل أبرزها قطار الشوق الذي وصله من مدينة عطبرة شمالي البلاد محملا بآلاف المحتجين.
كما كان الاعتصام أكبر ساحة للتكافل الاجتماعي حيث تقاسم المحتجون قطرات المياه والأكل وحتى المبالغ النقدية تسهيلا للحركة، وسط هتافات موحدة تطالب بإسقاط تنظيم الإخوان الإرهابي.