سليمان الكعبي لـ"العين": الإمارات رائدة في استشراف المستقبل
حوار خاص لـ "العين" مع سليمان محمد الكعبي الرئيس التنفيذي لمؤسسة استشراف المستقبل على هامش "قمة المعرفة" التي انتهت فعالياتها أخيرًا
على هامش "قمة المعرفة" التي انتهت فعالياتها في نسختها الأحدث، قبل أيام قليلة، التقت "بوابة العين الإخبارية"، في حوار خاص، سليمان محمد الكعبي الرئيس التنفيذي لمؤسسة استشراف المستقبل، أحد المشاركين في الملتقى، فضلاً عن أنه أحد المتحدثين الرئيسيين في جلسة حوارية بعنوان "المعرفة.. واستشراف المستقبل"، وذلك لإلقاء الضوء على مفهوم "الاستشراف كمتغير جديد لصناعة القرار.. خاصة مع ما تأكد من أن المقومات الرئيسية لصناعة النجاح والتميز تبرز في القدرة على استشراف المستقبل، ويعتمد التخطيط الناجح على توافر مقومات أساسية وضرورية تتمثل في الفهم الشامل لمنهاج استشراف المستقبل وتحدياته والتدريب على أدواته لتكوين رؤى مستقبلية واضحة ودقيقة، لضمان الاستمرارية والنجاح والتميز وللالتحاق بركب التقدم والتطور والمنافسة عالمياً..
فإلى نص الحوار:
- في البداية لو تعطنا تعريفاً دقيقاً لمفهوم استشراف المستقبل وما تقدمه مؤسستكم في هذا الإطار؟
- إن استشراف المستقبل: هو القدرة على معرفة ما قد يحدث في المستقبل البعيد ومعرفة التحديات المستقبلية وكيفية التغلب عليها واقتناص فرص المستقبل وذلك من خلال استخدام أدوات وتقنيات متعددة.
وتعد دراسات المستقبل تخصصاً علمياً جديداً يهتم بصقل البيانات وتحسين العمليات، والتي على أساسها تتخذ القرارات والسياسات في مختلف مجالات السلوك الإنساني، ومن ثم يرمي هذا التخصص إلى مساعدة متخذي القرارات وصانعي السياسات على أن يختاروا بحكمة من بين السيناريوهات البديلة المتاحة. وبالتالي فإن بحوث المستقبليات لا ترتكز فقط على دراسة معطيات الماضي والحاضر والاهتمام بها، ولكنها تتضمن أيضاً استحضار واستشراف البدائل المستقبلية الممكنة والمحتملة واختيار المرغوب منها، ثم عمل خطط استراتيجية لتحقيقه.
لقد بدأ عمل المؤسسة كمشروع خاص في شهر أبريل من العام الحالي، ونهدف إلى نشر مفهوم وآليات استشراف المستقبل في دولة الإمارات، وتعمل المؤسسة في عدة مجالات مختلفة، وتقدم دراسات وسيناريوهات مستقبلية، كما تقدم دورات تدريبية خاصة بمجال الاستشراف، ولدينا مركز أبحاث تابع للمؤسسة يقوم بترجمة وتلخيص الكتب والدراسات حول العالم المعنية بمسائل الاستشراف للوقوف على كل ما هو جديد في هذا المجال، فنحن نسعى أن يكون النظر إلى المستقبل ومجرياته وكيفية توقعه ثقافة مجتمعية.
- لماذا يجب أن يكون استشراف المستقبل ثقافة مجتمعية؟
- لقد ذهب العالم من حولنا إلى المستقبل وبقي العالم العربي منحصراً في الماضي، وقد آن الآوان للخروج من الماضي بأن نكون شريكاً فاعلاً في صنع الحاضر ورسم المستقبل مع شركائنا في الإنسانية. إن التفكير في المستقبل يلقي بظلاله على الحاضر ويجعله أكثر إبداعاً وإلهاماً، فلو استطعنا أن نستشرف المستقبل ونتوقعه يمكن أن نقلل من احتمال حدوث أسوأ السيناريوهات، أو على أقل تقدير العمل على تقليص الضرر الناجم في المستقبل، ولو تخيلنا أننا لدينا أبناء صغار في مرحلة الروضة، يمكن من خلال استشراف المستقبل وضع احتمالات لأكثر المهن إتاحة والمهن التي ستنحصر، ومن هنا يمكن التخطيط لمستقبل أبنائنا، هذا بالنسبة للنظرة الضيقة، وإذا ما توسعنا في الأمر لتصبح النظرة أكثر شمولية يمكن من خلال استشراف المستقبل أن تتمكن الحكومات وصناع القرار من رسم سياسات مستقبلية تصب في صالح حياة الناس، وهو ما سيتم ترجمته في خطط واستراتيجيات في النظم التعليمية والاقتصادية وحتى القرارات السياسية.
- أي علاقة تربط استشراف المستقبل بالمعرفة؟
- إن المعرفة أساس التقدم ولا يمكن استشراف المستقبل إلا بالمعرفة السليمة والاستفادة من دروس الماضي وفهم الحاضر، وهو ما يعطي المستشرف معلومات ومؤشرات تمكنه من توقع القادم، علم الاستشراف ليس تنجيماً، بل هو دراسة تعتمد على الدراية بالماضي وتحليل الحاضر من أجل رسم سيناريوهات القادم.
إن المعرفة هي المفتاح الوحيد للمستقبل، ومن المهم أن نطبق أدوات استشراف المستقبل للوصول إلى التوقعات، وفي هذا الإطار توجد أدوات علمية لاستشراف المستقبل كما توجد أدوات خيالية، ففي عام 1995 رسمت أول تصميم لنظارة جوجل، لكن لم يخرج المنتج التكنولوجي إلا عام 2015، من هنا أدعو الجميع إلى إخراج كل تخيلاتهم، فكل ما يمكن للعقل البشري تخيله يمكن تحقيقه، وقد أثبت العلم ذلك في كثير من القطاعات ويعد هذا جانباً مهما ًمن تحقيق المعرفة والوصول إلى المستقبل.
- ما هي أهم الآليات والأدوات التي يتم من خلالها استشراف المستقبل؟
- يوجد مشروع يعرف باسم "ميلينيوم بروجكت"، تم من خلاله جمع أدوات استشراف المستقبل كافة وحصرها في 36 أداة، وتستخدم هذه الأدوات حول العالم، ولكل مؤسسة حرية اختيار الأدوات التي تتناسب مع توجهاتها وطبيعتها، وتعد أداة "السيناريوهات المستقبلية" واحدة من أبرز وأكثر الأدوات استخداماً، كذلك تستخدم أداة "دولاب المستقبل" بشكل كبير في الشركات والمؤسسات المعنية باستشراف المستقبل.
- توجد خطوات علمية محددة بهدف استشراف المستقبل فما هي؟
- توجد 6 خطوات لاستشراف المستقبل تبدأ بتحديد الإطار العام للدراسة، ومن ثم مسح الأفق والبحث عن التحديات والمحراكات العالمية المؤثرة في مجال الدراسة، يليها عملية الاستقراء ورسم السيناريوهات المستقبلية، وتبدأ الخطوة الرابعة بعمل الرؤية والرسالة ومن ثم وضع الأهداف وأخيراً الخطة الاستراتيجية لتحقيق هذا الهدف.
وقد عهدنا العالم العربي يشرع في خططه من الخطوة الرابعة مباشرة دون معرفة السيناروهات الأخرى، من هنا أنوه إلى أن خطتنا الاستراتيجية يجب أن تتولد من الرؤى الاستشرافية وهو ما يجعل المستقبل أكثر إشراقاً.
- ما هي أبرز المحاور والموضوعات التي يتم استشراف المستقبل فيها حالياً في دولة الإمارات؟
- لا يمكن الحديث عن القطاعات كافة، لكن نحن نعمل مع عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة، وقمنا بتصدير عدد من السيناريوهات المستقبلية، واحدة من ضمن المشاريع التي اشتغلنا عليها مشروع توقع مستقبل الوظائف لدى إحدى المؤسسات، وقد خرجنا من هذا المشروع بنتائج تؤشر للوظائف التي تبرز في المستقبل وتلك التي ستنحصر وتختفي، وقد أدى ذلك إلى أن هذه الجهة بدأت بالفعل إرسال موظفيها لدراسة وتحصيل الأدوات المهنية والتخصصات اللازمة، لتمكينهم من تطوير عملهم في المستقبل.
أيضا أرادت مؤسسة أخرى مسح بعض المواضيع الحيوية حول العالم وقياس مدى تأثر الوضع المحلي بقضايا معينة تعنيها، وإمكانية تأثير الخارج على السوق الداخلية، وهو ما جعل هذه الجهة تستحدث حلولاً وقائية تكفل تقليل الأضرار المستقبلية إذ ما حدثت.
إن نهج استشراف المستقبل سياسة قائمة بالفعل في حكومة دولة الإمارات من خلال تطبيق منهجية "مسرعات المستقبل" التي تكفل شراكة القطاع الخاص مع الجهات الحكومية لاستحداث مبادرات وتفريخ مشاريع غير موجودة، وتهدف هذه المنهجية إلى تسريع المشاريع المستقبلية، فبدلا من تحقيق المشروع خلال 10 سنوات يصبح واقعاً خلال 3 أو 4 أعوام فقط.
- إلى أي مدى يستخدم العالم العربي "الثقافة الاستشرافية" في رسم خططه المستقبلية؟
- بنظرة عامة، نجد أن هذه الثقافة جديدة على عالمنا العربي، وقد أصبحت دولة الإمارات رائدة في هذا المجال في وقت قياسي، وأخذت تطبق الأمر بالطرق العليمة الصحيحة، وهو ما ينعكس في القرارات السياسية والتوجهات الحكومية الرشيدة.
- كيف يؤثر ما نشهده في الحاضر من تكنولوجيا على منهجيات الاستشراف؟
- نشهد الآن في العالم الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الصناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، وما كان خيالاً بالماضي أصبح اليوم واقعاً وحاضراً، ويرسم مستقبلاً أكثر إبداعاً وتطوراً، من هنا يجب أن نكون مستعدين لمستقبل مفتوح الأفق على كل الاحتمالات؛ لأن المعرفة أصبحت لا حدود لها، ومن هنا يجب أن نذهب إلى المستقبل قبل أن يأتي إلينا.