سليمان الميرابي.. "محارب فخاخ الحوثي" جسد بلا أطراف
سعى الشاب اليمني سليمان الميرابي، إلى إنقاذ حياة وأطراف الأبرياء من المدنيين اليمنيين، غير أنه لم يستطع استعادة نظره وأطرافه المبتورة.
فقد سليمان يديه وقدميه، وبات مقعداً بشكل كامل، كما أنه يجاهد لاستعادة نظره، الذي فقده مع أطرافه بانفجار عبوات ناسفة لحظة تفكيكها بيديه.
بدأت قصة هذا الشاب في عام 2015، حينما اندلعت الحرب الحوثية، التي وضعت حداً لأحلامه في الدراسة الجامعية بكلية الهندسة، إلا أنها فتحت أمامه آفاقاً لمقاومة وحشية المليشيات الإرهابية وإنقاذ أرواح الأبرياء.
وتحدث سليمان الميرابي لـ"العين الإخبارية" عن موقف إنساني مؤثر غيّر مجرى حياته للأبد، حين أودت قذيفة هاون حوثية، لم تنفجر بعد، بحياة ثلاثة أطفال من أبناء تعز، كانوا يلهون بها دون علمهم بخطورتها.
ونتيجة لتأثيرات ومخاطر مخلفات التواجد الحوثي في مدينة تعز قبل تحريرها، كالألغام والعبوات التي لم تنفجر؛ قرر برفقة مجموعة من زملائه تشكيل مبادرة وفريق متخصص.
هدف هذا الفريق، بحسب سليمان، حمل على عاتقه إزالة وتفكيك المواد المتفجرة داخل مدينة تعز، والتي خلفها التواجد الحوثي، أو تلك الساقطة على المدينة نتيجة قصف المليشيات الإرهابية المتواصل.
وأكد أن عمل الفريق قام على أساس علمي ودراسة معمقة لأنواع المتفجرات، وكيفية التعامل معها، وتم تطبيق كل ذلك، والنجاح في تأمين الأحياء السكنية بتعز من المتفجرات والألغام.
جهود ضخمة
تطور عمل سليمان وفريقه، وتركز عملهم على إنقاذ المواطنين الأبرياء وأفراد المقاومة بتعز، من منطلق إنساني بحت، ودون أي دعم أو مساندة من الجهات المعنية.
تفنن التنظيم الإرهابي بوحشية في تمويه "الشراك والمصائد المتفجرة"، بحسب توصيف سليمان؛ الأمر الذي دفعه ورفاقه للمزيد من البحث والدراسة، في ظل سقوط ضحايا مدنيين بسببها.
وكان أحد الضحايا صديقاً لسليمان، وفقد قدميه بلغم متفجر، كان مموهاً بطريقة ماكرة، وهو ما فرض على سليمان الانتقال إلى مرحلة متقدمة من المعرفة والخبرة.
ووفقاً لسليمان، فإن عمله وفريقه الميداني فاق مزاعم بعض المنظمات التي ادعت أنها تعمل في مجال نزع الألغام، فقط على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، دون أن يكون لها أي أثر حقيقي على الواقع.
وأضاف: "ورغم هذه الجهود الضخمة، فإن عمل الفرق الميدانية ما زال ذاتياً، ودون أي دعم حقيقي، إلا من شخصيات في قيادة المقاومة الشعبية التي أمدت الفرق ببعض الأجهزة الصغيرة، لكنها لم تفِ بالغرض.
ولفت إلى أن فرق نزع الألغام وإبطال مفعول المتفجرات لم يقتصر عملها على الميدان، بل هناك عمل إداري منظم، بإصدار التقارير باللغتين العربية والإنجليزية؛ لكشف إرهاب الحوثيين؛ ولمناشدة الجهات المعنية والعالم.
إحصائية الإنجاز
قال الميرابي: "واصلنا العمل في تعز حتى بداية عام 2017، حينها ذهبنا إلى مأرب، لأخذ بعض الدورات المكثفة في مجال الهندسة العسكرية".
وأضاف: "عملنا في صحراء مأرب ونزعنا أكثر من 600 لغم هناك، ثم عدت إلى تعز، ونزعنا أكثر من 650 لغماً، وهي إحصائية خاصة بي شخصياً، كما أن زملائي في الفريق ساهموا في نزع الكثير من الألغام، وكان العمل بروح الفريق الواحد وبشكل متكامل".
التفاني في العمل، بهدف تجنيب المدنيين ويلات المتفجرات والألغام الحوثية، هدد الفريق الذي كان سليمان يعمل معه، والمكون من 10 - 12 شخصاً.
حيث راح عدد من أفراد الفريق كضحايا ما بين قتيل وجريح، كان هو أحدهم، في سبتمبر/أيلول 2018، حين أصيب بانفجار عبوة كان يعمل على تفكيكها، وتم إسعافه إلى أحد المستشفيات العامة.
إصابة سليمان، كانت منعطفاُ مهماُ في حياته، غيّرت مسيرتها، وكتبت له تفاصيل جديدة، لم يتوقعها.
ووصف الميرابي ما حدث له بـ"الإرهاب الطبي"، معتبراً إياه مشكلة تعاني منها مستشفيات تعز.
وقال سليمان: "تم بتر أطرافي العليا والسفلى، وتضررت عيني، دون أي سبب، ولا أعلم لماذا".
وأضاف: "بترت قدماي دون أن يكون هناك داع لذلك، بحسب آراء بعض الأطباء، كما استخرجوا عيني اليمنى بسبب المضادات الحيوية المكثفة، وفقدت النظر في عيني الأخرى نهائياً".
وأكد: "انتقلت إلى مصر، وهناك كشف لي الأطباء وجود أخطاء طبية، بعدها تم نقلي إلى الهند للعلاج".
اضطرابات نفسية.. وأمل الدراسة
الوضع الصحي الذي وصل إليه سليمان، دفعه لعمل زراعة قرنية، وجراحة شبكية القرنية في عينيه بمستشفيات الهند.
وبالفعل بدأ نظره يتحسن في الأشهر الخمسة الأولى، قبل أن يبدأ نظره بالتراجع مرة أخرى، مما أدخله في اضطرابات نفسية؛ مثلت انتكاسة لحياة محارب الـ"فخاخ" في ساحات وميادين الحرب، جنّب الملايين من مخاطر ألغام المليشيات الانقلابية.
واتهم سليمان اللجنة الطبية العسكرية، التابعة لقيادة محور تعز بـ"الإهمال الطبي"، والمسؤولية فيما وصلت إليه حالته الصحية.
وأكد متحسراً أنه رغم مطالبه المتواصلة بنقله إلى دولة أخرى، أو على الأقل إلى مستشفى آخر داخل الهند؛ لإنقاذ نظره كونه "أمله في الحياة"، إلا أن اللجنة الموالية لمليشيات الإخوان رفضت ودخلت معه في مشاكل.
وقال: "تفاجأت أن اللجنة الطبية تخبرني أنني لم أكن ضمن المستهدفين من خدمات اللجنة الطبية العسكرية إلا بسبب ضغوط إعلامية، وكأنهم يريدون التخلص مني".
وبعد أن قضى سنوات في منع الإضرار بالمدنيين والحد من وحشية الحوثيين، بات سليمان اليوم بلا علاجات أو أدوية، ولم يعد يمتلك أملاً إلا باستعادة بصره الذي يكاد يفقده نهائياً ما لم يتلقى تدخلاً عاجلاً.
يتحسر سليمان وهو ينظر لتاريخه العسكري والإنساني ووضعه الحالي، ويقارن بينهما، غير أنه ما زال متمسكاً بأحلامه، ويؤكد مواصلة واستكمال دراسته الجامعية، رغماً عما يعانيه من آلام.
aXA6IDE4LjIxOS4yMzEuMTk3IA== جزيرة ام اند امز