ترك الشيخ سلطان بن زايد إرثا زاخرا وثريا في كل مجالات العمل الوطني، السياسي والثقافي والتراثي والرياضي والإنساني
يعد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، الذي وافته المنية يوم الإثنين الماضي، أحد رموز الوطن الثرية، الذين لا يغيبون عن ذاكرة الشعب الإماراتي ووجدانه، والذين سطروا أسماءهم بحروف من نور في ذاكرة الوطن الخالدة، لما تميّز به من خصال ومآثر، وما قدمه من عطاءات، وما مارسه من مهام وطنية أسهمت في بناء ونهضة الوطن منذ مرحلة التأسيس وفي مرحلة التمكين.
العظماء لا يموتون، وتظل أعمالهم خالدة في ذاكرة أوطانهم، والشيخ سلطان بن زايد آل نهيان فقيد الإمارات أحد هؤلاء العظماء، الذي سيظل صفحة مضيئة في تاريخ دولتنا، ورمزاً للتضحية والبذل والعطاء والأصالة، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته
الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان هو أحد الأبناء المخلصين في مدرسة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأحد رجال الوطن الأوفياء الذين عاصروا السنوات الأولى لنشأة دولة الاتحاد، وعايشوا مسيرة كفاح الشيخ زايد، وكيف انتصر على التحديات التي واجهته، فتأثر به، وتشرب منه بما يتمتع به القائد من حنكة وحكمة في مباشرة مسؤولياته في مختلف مجالات العمل الوطني، والتفاعل مع الناس والانفتاح عليهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، واستفاد من نصائحه ووصاياه الثمينة، والتي انعكست بصورة جلية على ممارسة المهام والمسؤوليات التي أوكلت إليه خلال مسيرته الحافلة بالعطاء في خدمة وطننا الحبيب.
تربّى الشيخ سلطان بن زايد في مدرسة والده، وعرف من ملازمته له أن للجانب الإنساني دوراً كبيراً في نجاح القائد، فسار على خطى زايد في أن يكون قريباً من الناس دوماً، يستمع إليهم، ويخفف عنهم أعباء الحياة وأثقالها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فكان الكريم ابن الكريم حقاً، قولاً وفعلاً.
لقد ترك الشيخ سلطان بن زايد بصمة مؤثرة في كل مواقع العمل الوطني التي تولى مسؤوليتها، سواء منصب ممثل رئيس الدولة أو منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، أو منصب رئيس دائرة الأشغال في حكومة أبوظبي، أو المناصب العسكرية المختلفة التي تولاها، فضلاً عن المهام الأخرى التي قام بها في مجالات الرياضة والتراث والثقافة، والتي قدم خلالها جميعاً النموذج والقدوة في الإخلاص والعمل الجاد والتميز وإنكار الذات، ولهذا فإن مسيرته الحافلة بالعطاء في خدمة الوطن والنهوض به ستظل نبعاً متدفقاً من العطاء، يتعلم منه أبناء الوطن في الحاضر والمستقبل قيم الوفاء والانتماء للوطن، والتضحية من أجله بكل غال ونفيس.
لقد ترك الشيخ سلطان بن زايد إرثاً زاخراً وثرياً في كل مجالات العمل الوطني، السياسي والثقافي والتراثي والرياضي والإنساني، سيظل مرتبطاً باسمه، كرمز ورجل دولة من الطراز الرفيع، كانت قضيته الأولى هي العمل مع إخوانه قادة الإمارات على نهضة وطننا الغالي وإعلاء شأنه بين الأمم والشعوب، بل إن إسهاماته الرائدة في ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ على التراث من خلال مركز "سلطان بن زايد للثقافة والإعلام"، و"نادي تراث الإمارات" اللذين قاما بدور حيوي في إثراء الثقافة الإماراتية الأصيلة، وإبراز خصوصيتها الفريدة الممتدة عبر العصور، جعلت كثيرين يلقبونه بـ"حامي تراث الإمارات".
ويبقى الدور الذي قام به الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، رحمه الله، في المساهمة في بناء وتطوير القوات المسلحة في السنوات الأولى من عمر الاتحاد خير شاهد على تفرده كرجل دولة من الطراز الرفيع، وكيف أن القائد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان يعتمد عليه في بناء القوات المسلحة في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الاتحاد، والتي كانت تتطلب ضرورة امتلاك الدولة الوليدة قوات مسلحة عصرية، لترسيخ بنيانها الاتحادي، خاصة أن الشيخ سلطان، رحمه الله، كانت لديه خبرة عسكرية كبيرة، حيث تخرج عام 1973 في كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية، والتحق بدورات عسكرية خارجية عديدة، ولهذا تم تعيينه في عام 1974 نائباً لقائد قوات دفاع أبوظبي، وفي عام 1976 عين قائداً للمنطقة العسكرية الغربية، وفي عام 1978 عين قائداً عاماً للقوات المسلحة، وخلال هذه المناصب ترسخت قناعته بأهمية ومحورية الدور الذي تقوم به القوات المسلحة في الدفاع عن الوطن والحفاظ على مكتسباته التنموية والحضارية، كما أن ارتباطه المبكر بالقوات المسلحة، وتأثره بقيمها الرفيعة انعكست بشكل واضح على طريقة عمله وإدارته في المجالات الوطنية المختلفة التي عمل فيها وتولى مسؤوليتها.
لقد كان الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، رحمه الله، صاحب فكر عسكري رفيع، ولديه رؤية عميقة بقضايا الأمن الوطني الشامل، تجسدت بوضوح خلال فترة إشرافه على مجلة "درع الوطن" (1976-1982)، والتي تحولت خلالها المجلة إلى نافذة مهمة للفكر الاستراتيجي والعسكري، وشهدت تجديداً في موضوعاتها وأبوابها وفي اللقاءات والتحقيقات الصحفية، كما تميزت هذه الفترة الثرية بتفاعل الضباط المواطنين، حيث كانوا يسهمون بمقالات وتحليلات رصينة في قضايا عسكرية وأمنية واستراتيجية، ويبقى قرار الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، رحمه الله، آنذاك بأن تحول قيمة إعلانات مجلة "درع الوطن"، والتي كانت تتجاوز مليوني درهم في كل فترة، إلى ضباط وضباط صف وأفراد القوات المسلحة، كمساهمة من دخل المجلة في المناسبات الخاصة بهم، كالزواج وغيرها، خير شاهد على حسه الإنساني الرفيع، وأنه بالفعل يجسد مدرسة الشيخ زايد الإنسانية قولاً وفعلاً. إن مجلة "درع الوطن" تعتز بهذه الفترة الثرية، وتعتبرها نبراساً تسير على نهجه في مواصلة التميز والإبداع، كي ترسخ مكانتها ضمن أرقى المجلات العسكرية المتخصصة في المنطقة والعالم.
العظماء لا يموتون، وتظل أعمالهم خالدة في ذاكرة أوطانهم، والشيخ سلطان بن زايد آل نهيان فقيد الإمارات أحد هؤلاء العظماء، الذي سيظل صفحة مضيئة في تاريخ دولتنا، ورمزاً للتضحية والبذل والعطاء والأصالة، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة