والسؤال مَنْ يعوّض أطفال هؤلاء الضحايا أباءهم؟
ليست وثائق ويكيلكس هي من كشفت الدور القطري في دعم وتمويل تنظيم جبهة النصرة في سوريا بالمال أحياناً والمقاتلين أحياناً أخرى، إنّما رئيس وزراء قطر وزير خارجيتها الأسبق، حمد بن جاسم، عندما قالها صراحة في أول ظهور له بعد تركه منصبه بأنّ حكومته كانت على اتصال بهذه العناصر لتحرير سوريا
مَنْ يسمع المسؤول القطري حينذاك يتخيل له أنّ المال القطري ذهب لبناء مدارس ومستشفيات ومراكز ثقافية في سوريا، والانتقال بالبلد من وضعه الحالي إلى آخر أكثر انفتاحاً وتطوراً وحرية سياسية.
على العكس تماماً قوت القطريين وريع مشاريعهم ذهب عبر مسؤولين في حكومتهم إلى عناصر متطرفة اعتمدت القتل والتفجير دستوراً ومنهجاً تسير عليه في سلوكها مع حلفائها قبل أعدائها.
تبني قطر كنيسة في لبنان ومسجداً في الهند وتطعم عائلة في الصومال، في الوقت الذي تهدم فيه عشرات آلاف البيوت الآمنة على رؤوس ساكنيها باستمرارها دعم المتطرفين، كالنصرة وأخواتها لينطبق عليها المثل القائل "لا يصلح العطّار ما تفسده قطر".
في مراجعة للأحداث السورية منذ اندلاع الأزمة قبل سبع سنوات ونيف نجد أنّ أكثر الفصائل مالاً وعتاداً وقوة على الأرض هي تلك المنضوية تحت عباءة جبهة النصرة، التي استطاعت عبر المال القطري المتدفق إليها سحب البساط من تحت الفصائل المعارضة المعتدلة، وجذب مقاتليها عبر إغرائهم بالمال والفتاوى القرضاوية المعلبة "أن اقتلوا هذا واجلدوا ذاك"، مما حول الحراك في سوريا من مطالبة شعب بحقوقه إلى حركات تبحث عن مشاريع خاصة بها دون الالتفات إلى مصلحة السوريين وتطلعاتهم (راجع فتاوى يوسف القرضاوي فيما يخص الملفين السوري والليبي في برنامج الشريعة والحياة الذي كان يُبث على شاشاة الجزيرة).
في الوقت الذي كانت جميع الدول تبحث عن هوية زعيم جبهة النصرة "أبو محمد الجولاني" وشكله وقوامه، أطلّ علينا الرجل ليس عبر قناته على اليوتيوب ولا موقع فصيله المتطرف على الإنترنت، وإنّما عبر قناة الجزيرة ليفنّد منهجه ورؤيته لـ "سوريا المستقبل" وفق المقاس القطري وإن لم يصرح بذلك.
خلال حواره الأول لم يخف الجولاني ولا المذيع المحاور إياه النقاط المشتركة بين جبهة النصرة وتنظيم الإخوان، وتحدثا بإسهاب عن ذلك، وأنّ الطرفين لهما ذات الأهداف والتوجهات وهنا كنز الحقيقة الذي يبحث عنه كلّ من يتساءل لماذا تدعم قطر النصرة؟.
هل فقط لإسقاط النظام في سوريا، في الواقع لا، فالمسؤولون القطريون لم يضعوا إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد هدفاً أخيراً لمشروعهم الداعم للحركات المتطرفة، وكانوا يخططون لأبعد من ذلك بكثير.
كثيرة هي الدول التي كانت على لائحة التخريب القطرية، ولعلّ مصر أبرزها وما استهداف الجيش المصري من عناصر محسوبة على الإخوان إلا نموذجاً مصغراً لليد القطرية العابثة بأمن واستقرار البلدان العربية، فسلاح الإرهاب يُحسب له حساب عند أقوى الدول تحصيناً.
مراقبة السلوك العام لجبهة النصرة يشير صراحة إلى أن القائد العسكري هو أبو محمد الجولاني، ولكن القول الفصل كان بيد الدوحة وعلى وجه التحديد رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم؛ الذي كان المحرك الرئيس واللاعب الأهم في الملف السوري بالتنسيق الكامل مع تركيا التي تعرف عن قرب جميع عناصر هذا الفصيل، وسهلت لهم الحركة من وإلى سوريا عبر أراضيها وزوّدتهم بالسلاح القادم من ليبيا.
لا أرقام دقيقة عن عدد الضحايا الذين قامت جبهة النصرة بتصفيتهم ولكن الأكيد أنّ العدد يتجاوز الآلاف بكثير، هذا باستثناء المختطفين والمصابين من التفجيرات الإرهابية التي كانت تنفذها جبهة النصرة على الأرض السورية.
والسؤال مَنْ يعوّض أطفال هؤلاء الضحايا أباءهم؟ ومن يكفكف دموع اليتامى ويلملم جراح النساء الأرامل والأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن؟ من يجمع شمل المختطفين بذويهم؟.
لعلنا نضيف جميع هذه الأسئلة إلى المذكرة التي أرسلتها المحامية الهولندية "ليزبيث زيغفيلد" إلى أمير قطر في الثالث والعشرين من أبريل الحالي، متهمة حكومته بإدارة شبكات تمويل تدعم هذه العناصر المتطرفة عبر شخصيات محمية من الدوحة كعبد الرحمن النعيمي، تضيف المحامية التي أمهلت أمير قطر ستة أسابيع، لإنشاء صندوق تعويضات، يُخصص ريعه لضحايا جبهة النصرة الذين أُرغموا على الفرار من سوريا ويعيشون حاليا في هولندا.
تبني قطر كنيسة في لبنان ومسجداً في الهند وتطعم عائلة في الصومال، في الوقت الذي تهدم فيه عشرات آلاف البيوت الآمنة على رؤوس ساكنيها باستمرارها دعم المتطرفين، كالنصرة وأخواتها لينطبق عليها المثل القائل "لا يصلح العطّار ما تفسده قطر
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة