السياحة المستدامة في الإمارات.. تنويع اقتصادي وخفض مدروس للانبعاثات الكربونية
تولي دولة الإمارات عملية ترسيخ قطاع سياحي مستدام أهمية كبيرة، حيث يحتل قطاع السياحة أولوية في الأجندة التنموية، إذ يمثل هذا القطاع ركيزة أساسية من ركائز التنوع الاقتصادي.
وتعرِّف منظمة السياحة العالمية، السياحة المستدامة بأنها السياحة التي تراعي بصورة كاملة آثارها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمقبلة، وتلبي احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.
وتتبنى دولة الإمارات التوجهات المستقبلية والعالمية التي تركز على السياحة المسؤولة والاستدامة، حيث تعمل على ترسيخ هذه الثقافة لدى الوجهات السياحية المحلية، وتركز على الابتكار والتحول الرقمي في هذا القطاع لزيادة الإيرادات والنمو وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتعتمد في ذلك على نموذج رائد يقوم على تحويل كافة التحديات إلى فرص نمو، وتوظيف وتطوير تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز جهودها في خفض الانبعاثات الكربونية، بما يسهم في تحقيق مستهدفات الدولة للحياد المناخي 2050، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وينسجم ذلك مع أهداف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، الذي تستضيفه دولة الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل في مدينة إكسبو بدبي.
كما يروج محور "سياحتنا الخضراء" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر "COP28"، لأبرز الوجهات السياحية المستدامة في دولة الإمارات، حيث يحظى هذا النوع من السياحة بأهمية قصوى ضمن الرؤية المستقبلية لحكومة دولة الإمارات التي تضعها على قمة هرم أولوياتها، بما يعود بالنفع على الجميع.
استراتيجية وطنية
وعززت دولة الإمارات جهودها لتكريس الاستدامة في القطاع السياحي بإطلاق عدد من المبادرات المعنية بتطوير قدرات الدولة السياحية، على رأسها "الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية 2031" التي ترتكز على استشراف المستقبل والابتكار والتكنولوجيا لتحقيق استدامة السياحة، بما يدعم التوجهات المحلية والاتحادية، ويضمن استدامة قطاع السياحة ومستقبله في ظل التغيرات السريعة وزيادة التنافسية العالمية، ويضمن التعريف بالوجهات السياحية وتطوير المنتج السياحي الإماراتي، وتعزيز استدامة الاستثمارات السياحية في دولة الإمارات.
وتدشن الاستراتيجية مرحلة جديدة في المسيرة التنموية والمستدامة للسياحة الإماراتية وفق أفضل الممارسات العالمية، بما يسهم في ترسيخ موقع دولة الإمارات الريادي على خريطة السفر والسياحة العالمية، في ضوء مستهدفات ومشاريع الخمسين.
ونجحت دولة الإمارات بفضل الرؤية الاستشرافية في ترسيخ المكونات الرئيسية لنمو قطاع السياحة باحتلال المركز الأول عالمياً في مؤشر استدامة التنمية في قطاع السياحة والسفر، بعد أن قطعت أشواطاً واسعة في تطوير وتنمية القطاع السياحي، باعتباره مساهماً رئيساً في التنويع الاقتصادي المستدام للاقتصاد الوطني للخمسين عاماً المقبلة.
مكاسب متعددة
وتولي دولة الإمارات، السياحة البيئية التي تعد أحد أنواع السياحة المستدامة التي تساهم في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، أهمية كبيرة، حيث شهدت السياحة البيئية خلال العقدين الأخيرين نمواً كبيراً، كونه يستهدف فئة السائحين الذين يبحثون عن تجارب سياحية تساهم في المحافظة على البيئة والإرث الوطني.
وفي إطار تنفيذ استراتيجية دولة الإمارات لتحقيق الاستدامة البيئية، تحرص دولة الإمارات على زيادة عدد المحميات، نظراً لأهميتها في المحافظة على الكائنات الحية والنظم الإيكولوجية والموائل الطبيعية، الأمر الذي يساهم في تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالتنوع البيولوجي والأنواع الحية.
وتعتبر المحميات الطبيعية إحدى أكثر وجهات السياحة البيئية استقطاباً للزوار، حيث تعمل على تعزيز التنوع البيولوجي وحفظ التوزان البيئي، الأمر الذي يساهم في حماية كوكب الأرض من التأثيرات السلبية الحاصلة نتيجة التغيرات المناخية التي تحدث بشكل متواتر بسبب تضرر البيئة.
وتحتضن دولة الإمارات 49 محمية طبيعية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة وتنقسم هذه المحميات الطبيعية إلى 16 محمية بحرية تمثل نحو 12.01% من المناطق البحرية والساحلية و33 محمية برية تمثل 18.4% من المناطق البرية في الدولة.
إجراءات فعالة
وتحافظ دولة الإمارات في كافة خططها السياحية على الاعتبارات البيئية، للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، فوفقاً لدراسات وأبحاث دولية يتسبب قطاع السياحة والسفر بما نسبته 9 – 12% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حول العالم، 8% منها لقطاع الضيافة ونحو 2.8% لقطاع الطيران، الأمر الذي يتطلب تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 66% لكل غرفة بحلول عام 2030، وبنسبة 90% لكل غرفة بحلول عام 2050.
ويقود قطاع السياحة والسفر في دولة الإمارات الجهود العالمية والإقليمية نحو تحقيق الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، من خلال مواصلة توسع القطاع في تبني العديد من الحلول والمبادرات واتخاذ إجراءات فعالة، تأكيداً لدوره الفاعل في مواكبة المبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، حيث عززت دولة الإمارات استراتيجياتها لاستدامة السياحة بتطوير تطبيقات تكنولوجيا قادرة على معالجة تحديات التغير المناخي، وذلك عبر التوسع في توفير حلول مرنة للمساهمة في تحول الابتكارات التكنولوجية إلى واقع ملموس يمكن الاعتماد عليه في توجهاتها لخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق الحياد المناخي.
وجهة سياحية مستدامة
واكبت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، استراتيجية الإمارات لترسيخ الاستدامة في كافة القطاعات، بإطلاق ثلاث مبادرات جديدة تُعزز الاستدامة في القطاع السياحي وتُمكن الشركاء من تطبيق الممارسات المستدامة في أعمالهم.
وتأتي هذه المبادرات انسجاماً مع رؤية أبوظبي في الحفاظ على مكانتها وجهة سياحية مستدامة ورائدة. وتشمل هذه المبادرات الأدلة الإرشادية الجديدة للاستدامة السياحية في القطاع، ونظام قياس الانبعاثات الكربونية الخاص بالفنادق في أبوظبي لتقدير البصمة الكربونية التي تخلّفها، وتدقيق استهلاك الطاقة بجميع الفنادق في الإمارة.
ويسترشد إطار الاستدامة الشامل للدائرة بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ويتماشى مع رؤية منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة لعام 2030، مما يوفر خارطة طريق واضحة لوكلاء السفر ومنظمي الرحلات والكيانات الأخرى لممارسة أعمالهم بشكل أكثر استدامة.
ويحتل ترسيخ مبادئ الاستدامة في قطاعي الثقافة والسياحة أولوية قصوى في رؤية وخطط الدائرة لتنمية القطاعين الثقافي والسياحي، حيث تمثل عنصراً حيوياً في الازدهار الاقتصادي لإمارة أبوظبي، كما أنها تعد ركيزة ضرورية للارتقاء بجودة الحياة لكل من مواطني الإمارة، والمقيمين والزوار.
وتجسد هذه المبادرات التزام الدائرة بحماية موارد أبوظبي، وأصولها الثقافية، وبيئتها للأجيال القادمة بما يضمن مواصلة استمتاع السياح بالعروض الثقافية والسياحية وإمكانيات الجذب الفريدة التي تقدمها الإمارة خلال السنوات المقبلة.
وتشمل المبادرات إطلاق المبادئ التوجيهية والأدلة الإرشادية للاستدامة السياحية التي طورتها دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي؛ لزيادة الوعي وتعزيز المعرفة بين العاملين في القطاع، وتشجيع تنفيذ الممارسات المستدامة في مختلف المجالات في القطاع السياحي. وتعمل الأدلة الإرشادية كمورد لدعم وتمكين الشركاء والعاملين في القطاع من تحديد خارطة طريق الاستدامة الخاصة بهم، وتطبيق مبادرات وحلول فعالة ومستدامة لعملياتهم.
وأطلقت الدائرة أيضاً مبادرة خاصة بنظام قياس الانبعاثات الكربونية بقطاع السياحة، والتي يمكن استخدامها لتقدير وتحليل البصمة الكربونية لفنادق أبوظبي عبر مختلف مصادر الانبعاثات الكربونية، وإنشاء آلية لمكافأة الفنادق الأكثر استدامة، وتحديد الفنادق التي تحتاج إلى الدعم للوصول لمعدلات أكثر استدامة، والاستفادة من هذه البيانات لتمكين القطاع السياحي من تحديد الأهداف المناخية المناسبة؛ لتخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون التي يُنتجها القطاع، تماشياً مع التزامات الدولة بتقليل انبعاثات الكربون.
كما تعمل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي على تسهيل عمليات التدقيق الخاص بالطاقة واستخداماتها في فنادق الإمارة؛ لتحديد حلول توفير الطاقة ذات التأثير الأفضل على البيئة. وعند الانتهاء من التدقيق ستستخدم الدائرة النتائج لتزويد الفنادق بالتوصيات بشأن الممارسات التي ستساعدها على الحد من الانبعاثات الكربونية، باستخدام خط الأساس الذي حددته أداة قياس الانبعاثات الكربونية كمعيار لأهداف الخفض.
تنوع طبيعي
وتقود دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي عبر مبادرة "دبي للسياحة المستدامة" الجهود الرامية للمحافظة على البيئة وتعزيز المشهد الطبيعي لإمارة دبي، والحفاظ على التنوع الطبيعي بعيداً عن أية مخاطر تتعرض لها عناصر الحياة البرية.
وتستلهم المبادرة رؤية القيادة لجعل دبي وجهة مستدامة رائدة، في تحقيق أهداف الإمارة للطاقة النظيفة وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومبادرة الإمارات الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، حيث تسعى المبادرة إلى ترسيخ مكانة الإمارة باعتبارها إحدى وجهات السياحة المستدامة الرائدة عالمياً، بالممارسات المستدامة في جميع أنحاء المدينة.
وقدمت دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي 50 مبادرة رائدة في الحفاظ على البيئة والاستدامة ضمن منظومتها السياحية، سواء كانت محميات صحراوية، أو مطاعم، أو منشآت فندقية، أو مناطق جذب سياحي تحافظ على البيئة، بالإضافة إلى الأنشطة التوعوية والثقافية التي تهتم بهذا المجال.
كما ترمي مبادرة "دبي تبادر" إلى توعية مختلف شرائح المجتمع بأهمية الحفاظ على موارد الإمارة الطبيعية، وكذلك إلهامهم لإحداث التغيير المطلوب لبعض الممارسات الخاطئة والتي تؤدي إلى أضرار بالغة للبيئة المحيطة، وكذلك تغيير سلوكهم الاستهلاكي لقوارير المياه البلاستيكية، فضلاً عن إلهام الناس بشكل فعال وإيجابي للحد من استخدام العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
وتواصل فنادق دبي اعتمادها للحلول المستدامة والتزامها بالحفاظ على البيئة، تماشياً مع إرشادات مبادرة "دبي للسياحة المستدامة" والإنجازات الاستثنائية التي تحققها حكومة دبي في هذا المجال، إذ تحرص العديد من المنتجعات والفنادق في الإمارة على الالتزام بالاستدامة وتحقيق نتائج إيجابية في قطاع الضيافة، فضلاً عن مواكبة أحدث التوجهات في قطاع السياحة، حيث تنفذ فنادق دبي حالياً سلسلةً من متطلبات الاستدامة التسعة عشر التي وضعتها "دبي للسياحة المستدامة" في إطار الجهود المستمرة لتعزيز مكانة دبي الرائدة كوجهةٍ مستدامة.
وتسعى متطلّبات الاستدامة التسعة عشر لإحداث تغيير إيجابي للقطاع، حيث تغطّي المتطلّبات مجموعة متنوّعة من المجالات بما في ذلك الإدارة المستدامة، ومقاييس الأداء، وتدريب الموظفين على الاستدامة، ولجنة إدارة الاستدامة، والالتزام بالمبادرات الحكومية المستقبلية، وتوعية النزلاء، والفعاليات الخضراء، وأنظمة إدارة الطاقة، وخطة إدارة الطاقة- خطة وسائل النقل، وأنظمة إدارة المياه، وخطة إدارة المياه- المناشف وشراشف الأسرة، وخطة إدارة النفايات، وإدارة النفايات (المرافق)، وإدارة جودة الهواء(التدخين)، وخطة إدارة المشتريات، والمسؤولية المجتمعية.
فيما يشهد قطاع المأكولات في دبي تطوراً سريعاً، حيث يسعى باستمرار لتكريس الاستدامة من خلال اعتماد تحديثات تقنية واسعة النطاق في مجال الزراعة وإدارة مخلفات الطعام. وتتجه معظم المطاعم في دبي نحو استخدام المكونات من مصادر محلية للوفاء بالتزاماتها في مجال الاستدامة وتقديم تجارب للضيوف من السياح أكثر أصالة.
كذلك تضم دبي العديد من مراكز الاستجمام والصحة واللياقة البدنية للسكان والزوار على حد سواء، والتي تشجع على تعزيز الأنشطة البيئية والمستدامة. وتقدم هذه المراكز معدات رياضية مصنعة من مواد معاد تدويرها، وتوفر باقةً من علاجات السبا والوجبات الخفيفة من مصادر موثوقة ومكونات مستدامة.
كما تضم دبي العديد من المرافق الترفيهية الغنية بالأنشطة الثقافية، والتي تحتفي بتاريخ الإمارة العريق في مجال الاستدامة وتهدف إلى ترسيخ مكانتها كوجهةٍ رائدة تسعى إلى تحقيق مستقبل مستدام. وتقدم الإمارة مجموعةً من التجارب الثقافية والتعليمية المستدامة، والتي توفر تجارب وجولات سياحية في المدينة القديمة ومتاحف دبي والمعارض الفنية التي تبعث الإلهام في نفوس ضيوفها.
وعززت دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، مبادرة دبي للسياحة المستدامة، بإطلاق نسخة جديدة ومحدّثة من "أداة احتساب الكربون" المخصصة لقطاع الضيافة، حيث رُوعي في التحديث تحقيق إمكانية قراءة بيانات مصادر انبعاثات الكربون بشكل آنٍ، ما يتيح للفنادق إمكانية تحديد مستويات استهلاكها للطاقة بصورة دقيقة ومن ثم إدارتها بكفاءة.
وتأتي هذه التحسينات لتعزيز مساهمة المبادرة في تحقيق الأهداف الكبرى المتعلقة بالطاقة النظيفة، وكذلك دعم استراتيجية الحياد المناخي 2050 في دولة الإمارات، بما ينسجم مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وأيضاً السعي لتحقيق مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33 لتكون واحدة من أفضل 3 مدن في العالم وترسيخ مكانتها كإحدى أبرز وجهات السياحة المستدامة عالمياً.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg
جزيرة ام اند امز