"تايمز": مليون وثيقة مهربة تفضح أوامر قتل وتعذيب بتوقيع الأسد
مجموعة كبيرة من الوثائق المهربة من سوريا تكشف عن أن أوامر التعذيب والقتل تأتي مباشرة من رئيس النظام السوري بشار الأسد.
265 صندوقاً كرتونية بنية متطابقة تبدو وكأنها غير مؤذية، تقبع على أرفف معدنية داخل قبو مغلق مراقب بالكاميرات الأمنية في مكان سري بمدينة أوروبية، ومحتوياتها تقشعر لها الأبدان.
تلك الصناديق، تحوي بداخلها مليون صفحة من الوثائق، تشمل إحاطات استخباراتية عالية السرية، تفصّل عمليات التعذيب المنهجي وقتل الخصوم؛ ومعظمها يحمل صقر النظام السوري المنقوش (الصقر الذهبي المنقوش يتوسطه العلم)، وبعضها يحمل توقيع رئيس النظام بشار الأسد نفسه.
وفي تقرير نشرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، لكبيرة المراسلين الخارجيين كريستينا لامب، قالت إن مجموعة الوثائق الكبيرة المهربة من سوريا التي تكشف عن أن أوامر التعذيب والقتل تأتي مباشرة من الرئيس، تعد مخبأ الوثائق الأكبر والأشد إدانة الذي تم جمعه على الإطلاق من أي حرب لا تزال جارية.
وأضافت أنه بعد أن أصبح الأسد الآن على وشك استعادة السيطرة الكاملة تقريباً على البلاد، يظهر أرشيف الشرور الصادم كيف حقق نصره، وبعد أن شارفت الحرب على الانتهاء، يثير تساؤلا بشأن ما إذا كانت المحاكمات ستحدث.
ويفضح الأرشيف، وفقا للصحيفة، نظامًا يطلق البراميل المتفجرة، ويشن الغارات الجوية على المناطق السكنية وحتى المستشفيات في حرب شهدت مقتل ما يقرب من نصف مليون سوري وهروب 5 ملايين شخص.
وأوضحت "تايمز" أن المشروع السري لجمع الأدلة على جرائم حرب الأسد هو من بنات أفكار بيل وايلي، (54 عاما)، وهو جندي كندي سابق ومحقق في جرائم الحرب، كان محبطًا من العمل في المحاكم الجنائية الدولية التي خلص إلى أنها بطيئة ومكلفة للغاية.
وقال وايلي إن ما جمعه يثبت "مئات المرات أن الأسد يسيطر تماما على كل ما يحدث في النظام وهو مسؤول عن القتل أكثر بكثير من داعش"، مضيفا: "يا إلهي، هناك أدلة دامغة ضده".
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم جمع الوثائق وتهريبها من قبل السوريين داخل البلاد، حيث دفع البعض حياتهم ثمنا لها فيما بقي اثنان منهم في حجز النظام.
وذكرت أنه في المقر الرئيسي المجهول لويلي عدم وجود لوحة على الباب أو الهواتف على المكتب، كل صفحة أحضروها تم مسحها ضوئيا لإنشاء أرشيف رقمي، وتعيين رمز شريطي ورقم، وتخزينها في الصناديق.
ولفتت إلى أن المشروع بدأ في عام 2011 -السنة الأولى من الصراع- بتمويل بريطاني. وبالتعاون مع الجيش السوري الحر، قام ويلي بتدريب 60 متطوعا.
وتابع وايلي موضحا: "الشيء المهم الذي أردنا أن نركز عليه هو الوثائق التي أصدرها النظام، لأن ما نحتاجه هو المسؤولية الجنائية".
وعلى غرار النازيين، كان نظام الأسد يوثق جهوده بدقة، وعادة ما يوقع كبار المسؤولين على كل وثيقة لأن الأوراق تعبر مكاتبهم، وغالبا ما تحمل أختاما تحدد هوية المُوقع.
وأشار وايلي، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أي شخص بتجميع سلسلة الأوامر التي تظهر كيف "ذهبت بشكل مباشر إلى القمة (رأس هرم القيادة)، الآن لدينا صورة جيدة للغاية عن كيفية عمل النظام السوري".
وكشفت الوثائق عن أنه في الأيام الأولى للاحتجاجات في مارس/آذار 2011، أسس الأسد خلية مركزية لإدارة الأزمات كنوع من مجالس الحرب، وكانوا يجتمعون كل ليلة تقريبا في مكتب بالطابق الأول من القيادة الإقليمية لحزب "البعث" في وسط دمشق، ويناقشون استراتيجيات لسحق المعارضة.
ولتوفير هذه المعلومات التفصيلية اللازمة حول كل احتجاج، كانت الخلية تطلب تقارير من لجان الأمن ووكلاء الاستخبارات في كل محافظة، حيث تظهر المستندات الموجودة في المخبأ التقارير الواردة، والأوامر الصدارة، ثم التقارير الواردة حول نجاح قمعهم.
وتابع وايلي: "السؤال الذي يطرح نفسه هو من يتحكم في الخلية المركزية لإدارة الأزمات والأدلة دامغة على أنه الأسد. حتى لو لم يجلس في الاجتماعات، فإننا نعرف أنه تلقى محاضر الجلسات ووقع على التوصيات".
وعلى النقيض من التقارير المبكرة التي تفيد بأن السلطة الحقيقية تتركز في يد شقيقه ماهر (الأسد)، قائد الحرس الجمهوري، أفادت الوثائق أن "الأسد ليس رئيسا صوريا، ولديه سلطة بحكم الواقع وبحكم القانون ويمارسها".
وزاد وايلي: "الكل يتحدث عن ماهر لكننا لم نعثر على شيء عنه على الإطلاق. على النقيض، لدينا الكثير عن الأسد".
وذكرت الصحيفة أن هذه الوثائق دعمت بنحو 55 ألف صورة تم تهريبها من سوريا على يد ضابط في الشرطة العسكرية معروف باسمه المستعار "قيصر"، حيث قام هو وفريقه بتصوير جثث المعتقلين -أحيانًا ما يصل إلى 50 يوميا- الذين تسلمهم أجهزة الأمن إلى المستشفيات العسكرية.
وتظهر الوثائق، أن كل جثة لها مسلسل من 4 أرقام مكتوب على شريط أو على الجبهة بقلم تحديد سميك، وثمة رقم آخر يدل على فرع الاستخبارات الذي قتل فيه الفرد، حيث تعرض كثيرون للضرب والتشويه والحرق وإطلاق الرصاص وفي بعض الحالات الإذابة.
كما توضح الوثائق أيضاً إلى أي مدى كان نظام الأسد في وضع حرج، أولاً في عام 2013 عندما تدخلت مليشيات "حزب الله"، اللبنانية المدعومة من إيران، لمساعدته، ثم في عام 2015 قبل تدخل الروس بالقوة الجوية.
وفي عام 2014، قامت منظمة وايلي، وهي لجنة العدالة الدولية والمساءلة بتوسيع نطاق تحقيقاتها إلى "داعش"، كما وافقت حكومة بغداد مؤخراً على منح وايلي حق الوصول إلى جميع الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في العراق وهي في طريقها إلى الموافقة على رقمنتها.
وتكلف المشروع حتى الآن 23 مليون يورو، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بميزانية المحكمة الجنائية الدولية التي تبلغ مليار دولار، غير أن أكبر دواعي الشعور بالإحباط هو أنه بعد كل هذا العمل والمخاطر، يبدو من غير المرجح أن الأسد سيواجه المحاكمة.
ولكن خلافاً لمحاكمات الإبادة الجماعية التي وقعت في البوسنة ورواندا، لا توجد محكمة للنظر في جرائم الحرب في سوريا، ولا يحتمل أن توجد في المستقبل المنظور، وبالتالي فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو الجهة الوحيدة فقط التي يمكنها إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن روسيا، أقوى حليف لنظام الأسد، عرقلت أي محاولة للقيام بذلك.
ولهذا بدلاً من الملاحقات القضائية لشخصيات رفيعة المستوى في نظام الأسد، ستستخدم المعلومات في ملاحقات قضائية جديدة في جميع أنحاء أوروبا لإدانة أشخاص من المستوى الأدنى من النظام الذين فروا - بالإضافة إلى عملاء "داعش".
لكن وايلي لا يزال يصر على أن كل ما قام به لن يذهب سدى، واختتم بالقول: "أعتقد أن الروس سيجدون في نهاية المطاف أن الأسد يتحمل المسؤولية ويقايضونه معه من أجل التقارب مع الغرب لتخفيف عقوباتهم الاقتصادية".
وأردف "لا أدري إذا كان الأمر سيستغرق عامين أو 5 أعوام، لكنني لا أعتقد أنها ستصل إلى 10 سنوات لتأتي العدالة من أجل الأسد".
aXA6IDE4LjE4OC4yMjcuMTkyIA== جزيرة ام اند امز