في خضم التحديات التي تواجهها المنطقة العربية وبعد الأزمات المتلاحقة والكثيرة، يشكّل الحفاظ على وحدة سوريا أحد أهم الملفات لدى المطبخ السياسي في العديد من الدول العربية.
وبرز ذلك في لقاءات الزعماء والمسؤولين مؤخراً، إذ يأتي الحديث عن "سوريا الجديدة" وسط متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، فرضت نفسها على المشهد بعد سنوات من الأزمة، وهذه المقاربة ليست مجرد موقف دبلوماسي، بل هي قراءة واقعية تدرك عمق الأزمة السورية، وتأثيرها على الأمن القومي العربي واستقرار المنطقة.
لكن وعلى أي حال؛ فالتعاطي مع الملف السوري، بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يتطلب تريثاً قبل إطلاق الأحكام، خصوصاً في ظل التغيرات التي قد تشهدها الحكومة السورية الجديدة وتوجهاتها السياسية؛ فالمرحلة المقبلة يجب أن تُبنى على أسس الشفافية والحوار البناء بين الأطراف المختلفة، مع مراعاة الظرف الداخلي السوري والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الشعب، والاستماع لمطالبهم وتحقيق أهدافهم في وطن مستقر آمن، وهو ما يشكل "ضرورة" لضمان الوصول إلى مقاربة عملية تحافظ على وحدة سوريا، وتصون حقوق مواطنيها دون إقصاء أو تهميش لأي مكون اجتماعي أو سياسي.
بيد أنه لا يمكن لأية مقاربة سياسية أن تكون فعّالة ما لم تنطلق من قراءة منطقية للواقع العربي خصوصاً أن الأزمة السورية ليست بمعزل عن القضايا الإقليمية الأخرى، ما يفرض التعامل معها بحكمة وحساسية تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي، فضلاً عن أن المقاربات الجديدة يجب أن تتجاوز الحلول التقليدية، وتركز على مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، وتعزيز دور المؤسسات الوطنية السورية لتكون قادرة على أداء مهامها بكفاءة، إضافة إلى إطلاق حوار وطني شامل يُفضي إلى مستقبل سياسي مستقر.
وبالطبع؛ فالدول العربية بلا استثناء حريصة كل الحرص على مستقبل سوريا لأهميتها الكبيرة وتأثيرها في العمق العربي للعديد من الأسباب رغم ما تعانيه من تراجع اقتصادي كبير، في ظل "الانهيار السابق" لليرة السورية في مقابل الدولار، فضلا عن تدخل قوى خارجية كبرى في الواقع السوري.
وفي هذا السياق؛ فالتعامل مع سوريا الجديدة وفق قواعد القانون الدولي وهو ما تسعى له الدول العربية المختلفة يعدّ ركيزة أساسية لأي تحرك عربي أو إقليمي؛ ذلك أن هذا الالتزام يعزز من مبدأ السيادة الوطنية، ويضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية، مع احترام حق السوريين في تقرير مستقبلهم دون إملاءات خارجية، وفي الوقت ذاته، يفرض القانون الدولي مسؤولية مشتركة على المجتمع الدولي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، من خلال دعم مسارات الحلول السلمية وإنهاء الصراعات المسلحة التي أرهقت الدولة السورية.
من أهم التوجهات في التعامل مع سوريا اليوم، هو ضمان ألا تؤدي أية خطوات إلى تهديد الأمن الإقليمي أو الدولي والحفاظ على وحدة سوريا، ومعالجة التحديات الاقتصادية والإنسانية، وهي عوامل رئيسية في تحقيق الاستقرار الذي تنشده المنطقة، خصوصا أن الوضع السوري أصبح جزءاً من المعادلة الأمنية في العالم العربي.
إن تعزيز التوجهات العربية نحو سوريا يتطلب رؤية استراتيجية واضحة توازن بين الواقعية السياسية واحترام السيادة، مع إيمانٍ بأن وحدة سوريا واستقرارها هما أساس لتعافي المنطقة، وهنا، لا بد من الانفتاح على الحوار والعمل الجماعي الذي يضع المصلحة السورية والعربية فوق كل اعتبار.. من أجل سوريا مستقرة وموحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة