بدأت الحكومة السورية حربا من نوع آخر وهي حرب المعابر وشرعنة ذاتها سياسيا مع دول الجوار أولا والعالم ثانيا
بعد اقتراب السنة السابعة من الحرب السورية على طي أشهرها والدخول بالسنة الثامنة، يبدو المشهد أقل عنفا مما بدأت عليه الأحداث عام 2011، فالأمور تتجه نحو المصالحات الداخلية، وإن لم تتوفر هذه فالدول المحيطة بالملف السوري كفيلة بعقد اتفاقيات ثنائية، وما على طرفي النزاع سوى القبول بما تقرره الدول المؤثرة وعلى وجه التحديد روسيا وتركيا.
ما عادت الجغرافية العسكرية مهمة كثيرة بالنسبة لدمشق وحلفائها، خاصة بعد سيطرتها على معظم الأراضي السورية باستثناء مدينتي إدلب والرقة، اللتين تعمل الأخيرة على فرض سلطتها عليهما ولو شكليا ودون تحريك الآلة العسكرية باتجاههما، من خلال التفاهم مع الكرد فيما يخص الرقة، وتركيا عبر روسيا حول إدلب، وهذا يسير كما تريد السلطات السورية.
تكمن الأهمية الكبرى للنظام السوري في إعادة تشغيل معبر نصيب بأنه يفتح الباب له واسعا لتنسيق العلاقات السياسية والأمنية مع الجانب الأردني، ومنه إلى دول الخليج العربي، والتي تضعها دمشق نصب عينها وإن كانت تصرح خلاف ذلك
بدأت الحكومة السورية حربا من نوع آخر وهي حرب المعابر وشرعنة ذاتها سياسيا مع دول الجوار أولا والعالم ثانيا، وهذا ما تجلى بالزخم الكبير الذي رافق افتتاح معابر القنيطرة ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن، والعمل على فتح المعابر مع العراق، وهذا ما كان صلب نقاش وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، الذي زار دمشق للمرة الأولى منذ سنوات.
تعد المعابر الحدودية المتنفس الأول لأي دولة، فهي بوابة الدولة للوصول إلى العالم الخارجي واكتساب الشرعية والقانونية الدولية، فالمعابر الحدودية قبل أن تحكمها القوانين الداخلية والوطنية لأي دولة هي محكومة بالقوانين الدولية، بدءاً بالاعتراف بشرعية الدولة والحكومة المنظمة لها، ورسم حدود الدولة وانتهاء بقوانين التجارة العالمية، فللمعابر الحدودية أهمية قانونية واستراتيجية وسياسية واقتصادية، وهذه المعابر لا يمكن فتحها بين بلدين إلا بمناخ سياسي يحكمه الانسجام، ولذلك فإن إغلاق المعابر أو فتحها دليل على عمق التعاون والانسجام أو فقدانه والقطيعة بين البلدان المتجاورة.
تتميز سوريا بطول حدودها مع جيرانها من الدول؛ إذ نجد لها عدة معابر مع كل دولة تجاورها (العراق-تركيا-لبنان-الأردن)، وهذا ما جعل الجغرافية السورية تحتل مكانة هامة على الصعيدين العربي والدولي.
منذ أن حكمت ظروف النزاع البلاد وخروج المعابر الحدودية عن سيطرة القوات الحكومية تعرض السوريون لحصار اقتصادي خانق، كما كانت دلالة على سوء العلاقات السياسية مع الجوار من جهة ودلالة على الانفلات الأمني كما في العراق الذي وقعت مناطقه الحدودية مع سوريا تحت سيطرة تنظيم داعش من جهة أخرى، مما أدى إلى فوضى عارمة، فكلما سيطر فصيل من الفصائل على معبر من المعابر فرض قوانينه وضرائبه وتحكم بإغلاقها وفتحها حسب سياسته تارة وحسب مزاجيته تارة أخرى، مما حدا بالدول المجاورة إلى إغلاق معابرها ونتج عن ذلك نكسة اقتصادية وسياسية واجتماعية، إذ لم يعد هناك ما يضبط عملية الاستيراد والتصدير وحاجة السوق، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وقلة الوارد من النقد الأجنبي بسبب فقدان خزينة الدولة هذه المعابر، وازدياد معدلات التضخم وتداول العملات الأجنبية دون ضوابط، واضطراب سياسة فتح المعابر وإغلاقها حسب سياسة الفصيل الذي يسيطر وتوافق سياسته مع الدولة الجارة أو اختلافها.
هذا بالطبع كان له أثر سلبي كبير في عدم مراعاة القوانين الدولية والإنسانية، بمنح تصاريح العبور سواء للاجئين والنازحين أو لمن تربطهم علاقات اجتماعية وعمل مع الدول المجاورة، أو حتى الطلاب الذين يدرسون في جامعات الدول المجاورة، أو ممن يدرس من الدول المجاورة في الجامعات السورية، ما انعكس سلبا على الدولة والمجتمع، لذلك أصبحت قضية المعابر من أهم القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها الدولة السورية والدول المجاورة، وباتت مناخاً ملائماً للخروج على القانون والتهريب بكل أنواعه، سواء المنتجات الاقتصادية أو تهريب البشر ولا سيما اعتماد المنظمات الإرهابية كـ"داعش" على هذا الجو لضمان حركة عناصرها وانتقالهم بين الدول وتأمين خطوط إمدادها من السلاح والعناصر، وبيع النفط في السوق السوداء الدولية، فشكلت قضية أمنية عالمية ولم يبق تحت سيطرة الحكومة السورية سوى المعابر التي تربطها بلبنان.
من دون التعرض والشرح المفصل للمعابر التي تربط سوريا بمحيطها العربي والإقليمي إلا أنه من الأهمية بمكان التوقف عند واحد من أهم المعابر ليس بين سوريا والأردن بل الشرق الأوسط؛ وهو معبر نصيب، فهو بوابة سوريا إلى الجنوب وإلى الخليج العربي وبوابة الأردن إلى أوروبا والغرب ويحقق فوائد اقتصادية ضخمة.
وتكمن الأهمية الكبرى للنظام السوري في إعادة تشغيل معبر نصيب بأنه يفتح الباب له واسعا لتنسيق العلاقات السياسية والأمنية مع الجانب الأردني، ومنه إلى دول الخليج العربي، والتي تضعها دمشق نصب عينها وإن كانت تصرح خلاف ذلك، عندها يمكن القول بأن المعابر لن تبقى قيمة اقتصادية فحسب بل ستكون بوابة سياسية ومعبرا للتفاهمات السياسية والعلاقات بين سوريا وجيرانها، وهذا ما تبحث عنه الحكومة السورية قبيل إعلانها الانتهاء من الحرب على من تصفهم المجموعات الإرهابية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة