يبدو أن وفد الحكومة السورية، هو من أكثر المستفيدين إلى الآن من تعنّت وفد المعارضة الّذي لا يتحرك إلا بأوامر أنقرة
استغرق تشكيل اللجنة الدستورية السورية، الكثير من الوقت، حتى اتفقت موسكو وطهران وأنقرة على الشخصيات الّتي ستقوم بآداء هذه المهمة الّتي لم نعرفها إلى الآن، وهل هي إعادة كتابةِ دستورٍ جديد لسوريا أم تعديل الدستوري الحالي الّذي قامت الحكومة السورية بتعديل بعض بنوده عام 2012؟
فوفد المعارضة السوريّة المدعوم في معظمه من تركيا، يريد دستوراً جديداً، لكن وفد الحكومة السوريّة، في أفضل الأحوال يتفق مع الوفد الأول على تعديل بعض بنود الدستور الحالي، وقد شهدت الجولة الأولى بين الوفدين الكثير من الخلافات، وصلت إلى اضطرار المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا والمشرف على هذه المفاوضات، لإصدار "ورقة سلوك" تضع حدّاً للمهاترات بين الطرفين.
يبدو أن وفد الحكومة السورية، هو من أكثر المستفيدين إلى الآن من تعنّت وفد المعارضة الّذي لا يتحرك إلا بأوامر أنقرة كما لو أن هذا الدستور سيكون لتركيا، لا لسوريا. وفي اعتقادي سيتمكن هذا الوفد من فرض شروطه في نهاية المطاف على الجميع، خاصة أن أكثر من نصف قائمة المجتمع المدني يؤيدون مطالبه وثوابته
وفي الجولة الأولى أيضاً، لم يكن وفد الحكومة السورية وفداً رسمياً رغم قدومه من العاصمة دمشق، فقد كانت صفته الرسمية "الوفد المدعوم من الحكومة"، وهذا يعني أن هذا الوفد في حال فشل في تحقيق ما تطمح إليه الحكومة، فحينها لن تقبل دمشق النتائج الّتي توصّل إليها هذا الوفد مع الوفد المعارض، فالوفد "مدعوم" من الحكومة وليس "رسمياً منها"، لكن ماذا جرى بعد ذلك؟
انتهت الجولة الأولى وكان ينبغي على كلّ طرف شارك في هذه المفاوضات، أن يسلّم تصوّره النهائي عبر ورقةٍ مكتوبة، لكن الوفد المدعوم من الحكومة تهرّب من ذلك، في حين أن هناك وفدا ثالثا بين الحكومة والمعارضة وهو وفد "المجتمع المدني"، وهو مخترق في اعتقادي من الحكومة ومن المعارضة، ففيه شخصيات محسوبة على تركيا وآخرون محسوبون على روسيا، ما يعني أنهم بطريقة أو أخرى يمثلون الحكومة وكذلك المعارضة، لكن الحكومة تهيمن عليه أكثر من الأخيرة.
وهذا يعني أن يد الحكومة السوريّة هي الأطول في هذه العملية، وهي الّتي ستفرض النتائج الّتي لن تتجاوز سوى تعديل بعض بنود الدستور السوري الحالي، بحسب رؤية أعضائه، فوفد الحكومة يتكون من 50 مُشاركاً، يُضاف لهم أكثر من نصف وفد "المجتمع المدني"، وهناك في الطرف الآخر، وفد المعارضة المُشتت الّذي يهيمن عليه إرهابيو "الإخوان المسلمين" مع وجود مشاركةٍ خجولة من أكرادٍ مدعومين من أنقرة يطالبون بالاعتراف باللغة الكردية كلغة ثانوية في المناطق الكردية وحدها، وليس في عموم سوريا.
وقد نجم عن هذين الوفدين، تشكيل وفدين آخرين مصغريّن منه، كان من المقرر أن يواصلا المفاوضات حول "الدستور السوري" في جنيف، لكن هذه المفاوضات لا تزال مُعلّقة إلى الآن نتيجة وجود خلافاتٍ بين الطرفين حول جدول الأعمال، في حين أن "الوفد المدعوم من الحكومة" غيّر اسمه وبات "الوفد الوطني" والّذي يملك "ثوابت وطنيّة".
وتعد قضية "الإرهاب" والاحتلال التركي وغزوها لمساحاتٍ كبيرة من سوريا، أبرزها مدن وبلداتٍ تقع شمال شرق وشمال غربي البلاد، من بين جملة "الثوابت الوطنيّة" الّتي يتكلم عنها "الوفد الوطني" وهو نفسه الّذي كان مدعوماً من الحكومة السورية في الجولة الأولى، لكن الطرف الآخر، وهو وفد المعارضة، يعتبر أن هذين الأمرين لا علاقة لهما باللجنة الدستورية واصفاً إياها بـ"أمور سياسية"!
وبينما يتهم كذلك، وفد المعارضة، شريكه في الضفة الأخرى بـ"المماطلة"، يتمسك أعضاء وفد الحكومة الّذي أصبح "وفداً وطنياً" بالثوابت الوطنية التي يودون تثبيتها في جدول أعمال الطرفين، وعلى إثر ذلك لم تعقد بعد الجولة الثانية من المفاوضات التي كان من المقرر أن تبدأ مهامها قبل أيام.
وبين وفود الحكومة ومعارضتها والمجتمع المدني، هناك "إدارة ذاتية" قائمة في سوريا منذ سنوات بحكم الأمر الواقع، لم تشارك في هذه المفاوضات نتيجة ضغوط أنقرة الّتي ترفض وجود ممثلين عنها في جنيف، لكن رغم ذلك هناك بنود سُرّبت لمسؤولين في هذه الإدارة الّتي يشارك فيها عرب وأكراد وسريان وغيرهم في شمال شرقي سوريا، من قبل الجانب الروسي، ولم يُعلن عن ذلك بعد.
ويبدو أن وفد الحكومة السورية، هو من أكثر المستفيدين إلى الآن من تعنّت وفد المعارضة الّذي لا يتحرك إلا بأوامر أنقرة كما لو أن هذا الدستور سيكون لتركيا، لا لسوريا. وفي اعتقادي، سيتمكن هذا الوفد من فرض شروطه في نهاية المطاف على الجميع، خاصة أن أكثر من نصف قائمة المجتمع المدني يؤيدون مطالبه وثوابته وربما يُضاف لهم في قادم الأيام ممثلون عن "الإدارة الذاتية" وإلى ذلك الحين، سيبقى وفد الحكومة يلعب مع المعارضة في الوقت بدل الضائع!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة