تعيش سوريا حالة غير مستقرة منذ نحو 10 سنوات فلا اقتصادها بخير ولا المواطن فيها كذلك عقب الأحداث الأخيرة.
تعيش سوريا حالة غير مستقرة منذ نحو 10 سنوات، فلا اقتصادها بخير ولا المواطن فيها كذلك عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد التي قتلت وشردت وهجرت ملايين السوريين ليأتي فيروس كورونا ويزيد عليهم الطين بلة.
في واقع الأمر مهما كانت الأسباب الكامنة وراء الوباء العالمي "فيروس كورونا" وما تبعه من مماحكات سياسية واقتصادية فضلاً عن الكارثة الصحية، إلا أنّ سبل التعامل مع الواقع المفروض في سوريا يتطلب عملاً جاداً وسياسة واقعية، كون قضية الحرب مع هذا الفيروس قضية وجود بشري لا مجال لتنفس الصعداء فيها، حتى لو انحصرت بؤرته برقعة جغرافية فائقة الصغر، فكيف الحال مع هذا الانتشار الواسع له كالنار في الهشيم؟
ثمة محاولات يصل بعضها لوصفه بالجيد لدرء مخاطر انتشار فيروس كورونا على الأراضي السورية، ولكن هذا لا يعني شيئًا إذا بقي الشعب السوري تحت وطأة عقوبات دولية مفروضة عليه.
نلاحظ أن ثمة محاولات يصل بعضها لوصفه بالجيد لدرء مخاطر انتشار فيروس كورونا على الأراضي السورية، ولكن هذا لا يعني شيئًا إذا بقي الشعب السوري تحت وطأة عقوبات دولية مفروضة عليه، فهو بحاجة ماسة لكثير من الأمور التي لا شك أنها ستساعده في الانتصار على سرعة انتشار كورونا.
وعلى رغم الإمكانيات الضعيفة إلا أن السوريين يعملون جهدهم بهدف كسر دائرة العدوى واحتواء الأمر عندما وصل إليه ريثما ينجح الإنسان في إيجاد العلاج الناجع لهذه الجائحة الفتاكة، إلا أن هذا غير كافٍ في ظل السياسة الدولية المتزمتة، ولا سيما فيما يخص العقوبات الاقتصادية القاسية التي تصل حد التضييق الشامل على الدولة السورية التي تصارع أوضاعاً اقتصادية سيئة قبل جائحة كورونا، إلا أن هذا الوضع ازداد سوءاً بعد الجائحة وما تتطلبه من حجر وحظر للتجوال وقوة اقتصادية لتأمين المعدات الطبية والمراكز والوسائل الصحية الضرورية للتصدي لهذا الفيروس.
سوريا الشعب التي باتت اليوم على شفير الانهيار الاقتصادي والذي يمكن رصد تداعياته على مرحلتين:
مرحلة ما قبل كورونا: فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية وسياسية على سوريا منذ عام 2011 إثر اندلاع الأحداث فيها، ومنذ ذلك الوقت وهي تحت مقصلة العقوبات التي تزيد القساوة شيئاُ فشيئاً حتى وصلت حد البحث عن لقمة العيش وانصراف النظر عن البنى التحتية والصحية والتنموية، الأمر الذي جعل عجلة الاقتصاد السوري تتجاوز مرحلة التعثر إلى مرحلة شبه الركود فيما عدا القطاع الغذائي الذي بات هو الأولوية التي تصرف عليها كل مقدرات البلاد في ظل حرب طاحنة جعلت من سوريا دولة حرب وأزمات بامتياز وترهل في كل القطاعات ولا سيما التعليمية والصحية، إلا أن هذا السوء لم يقف عند الدولة فحسب بل انعكس على المواطن السوري الذي بات تحت وطأة الوضع الاقتصادي المزري مستقبلاً ضرباته المتتالية ليخرج من مرحلة البحث عن الأمان إلى مرحلة البحث عن لقمة العيش عالقاً في مستنقع إنساني لا يقل سوءاً عن المستنقع الأمني.
مرحلة ما بعد كورونا: كل هذه الأوضاع المزرية والواقع المؤلم الذي يقاسيه السوري ازداد سوءاً وسوداوية بعد تفشي فيروس كورونا، وما تبعه من إجراءات قاسية تطلبها التصدي للفيروس من حجر صحي وإيقاف لكل النشاطات الاقتصادية بل وحظر للتجوال، الأمر الذي زاد الكساد كساداً وعجلة الاقتصاد سكوناً، ووضع الدولة السورية في مواجهة غير متكافئة مع العدو العالمي "كورونا"، وما يتطلبه من حملات تعقيم وتأمين مستلزمات للوقاية، عدا ما يتطلبه من تجهيز وتجييش للقطاع الصحي وتدريبه للتعاطي مع الأمر وتأمين مراكز وفق شروط ومقاييس ترقى بالخطر المحدق فيما إذا انفجر الوضع وازدادت الإصابات بهذا الفيروس، أما المواطن السوري فبات تحت خط الفقر في أشنع أزمة اقتصادية وهو الذي كان يعاني ما يعانيه قبل الكورونا باعتماده على العمل المياوم وبأجور بخسة لا تتعدى قوت يومه، أما اليوم في ظل الكورونا فقد حرم حتى من هذا القوت ولا سيما وأن الدولة في وضع اقتصادي منهار لا تستطيع معه تحمل التصدي للجائحة كما يجب عالمياً، فضلاً التصدي لآثار الإجراءات الاحترازية سواء الاقتصادية منها أو الصحية، ما يجعل أمر الالتزام بمقتضيات حرب الكورونا ضرباً من المستحيل، ما يهدد الأمن العالمي كون أن هذا الفيروس ينتشر انتشار النار بالهشيم عابراً الحدود رغم كل الإجراءات المشددة المتخذة حتى من قبل أكثر دول العالم قوة وتقيداً والتزاماً .
في مثل هذه الظروف ومع تحذير منظمة الصحة العالمية من أنّ دولة مثل سوريا والتي تشهد اضطرابا وحربا على أراضيها هي الأكثر هشاشة، وستشكل أرضا خصبة لانتشار فيروس كورونا، وعليه لا بد من إعادة ترتيب الأوراق العالمية وإعلاء الإنسانية على أي اعتبار، ما يتطلب وعلى وجه السرعة من المجتمع الدولي رفع العقوبات الاقتصادية عن الشعب السوري المتضرر الأكبر من هذه العقوبات لا المسؤولين في البلاد، ومده بما يستلزم احتواء الفيروس والتصدي له ريثما ينتصر الإنسان على ذلك الكائن المجهري القاتل الذي يلقن العالم درساً بأن النجاة لن تكون فردية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة