مضت أيام قليلة لسوريا بدون الأسد، بمعالم تفاؤل شعبي يسوده الحذر، لكنه مهم لتقدير مجريات المرحلة المقبلة، فنجاح الثورة يختم بنجاح وفخر رحلة طويلة ومؤلمة، لكنه يبدأ طريقاً صعباً ومحفوفاً بالمخاطر لبناء سوريا جديدة.
والتحديات الكبرى لا تخرج عما عرفته كل التحولات الكبرى في تاريخ الشعوب.
أولاً: وفي حالة سوريا، فالتحديات أكبر، بسبب حساسية المكان والسياق، وأولها كثرة اللاعبين الخارجيين وتضارب مصالحهم، فضلا عن تعدد الفصائل المسلحة التي توحدت في معركة مشتركة، وتواجه اختباراً صعبا لبقاء الوحدة في معركة رسم المستقبل وآليات التعامل مع الانتصار.
ثانياً: قد لا يعكر فرحة النصر بالنسبة للسوريين، سوى انكشاف حقائق القمع المفرغة، أي مستنقع موت كانت سوريا تعيشه في حقبة الأسد، فسجن صيدنايا العسكري لايزال شاهداً على إجرام فاق المخيلة والتفكير، وسادية في تعذيب الناس لا تخطر على بال مخلوق، لقد وجدوا مكبساً آلياً في غرفة الإعدام، مكبس توضع فيه أجساد البشر ثم تختفي لتصبح قطعاً صغيرة.
ثالثاً: تنشر «التليغراف» البريطانية مقالا عنوانه : يجب ألا تصبح سوريا حمام دم مثل العراق، وإلى جانب هذه الصحيفة تحدث كثيرون عن (الدرس العراقي)، وهو أمر فطن إليه البعض من السوريين وغفل عنه آخرون، لأن المرحلة حساسة وتحتاج الكثير من الجهد الحقيقي لتجاوز اختبار العراق في الماضي.
رابعاً: إن لم يحطم الحكام الجدد لدمشق الدولة التي حاربتهم وأمعنت في قتلهم وإذلالهم، فهذا أمر جيد وعليهم أن يحموها، لأنها ملكهم وملك الشعب، وحين استبقوا رئيس وزراء الأسد في منصبه ليدير المؤسسات حتى تستقر الأوضاع، كانت خطوة مهمة أشادت بها أمريكا، لكن بقدوم حكومة الإنقاذ من إدلب لحكم سوريا، هنا أصبح الأمر معقداً وغير سليم، ولو كانت حكومة تصريف أعمال وليست انتقالية.
خامساً: المشكلة كذلك قد تكون بعمى البصيرة وروح الثأر وشهوة الاستحواذ، واستسهال الدم، وسياسة الغلبة، كلها آفاق خطيرة، تؤذن إن تمت ممارستها بانهيار كل شيء، لأن المطلوب دولة مواطنة للجميع، ومن أجرم يحاسبه القانون بالأدلة والبراهين، وهنا يكمن التحدي الانتقالي السلطوي الأكثر حساسية وعمقاً.
سادساً: المراحل الانتقالية بعد الثورات صعبة وهشّة، وتكون مليئة بالأحلام والأهداف المتقاطعة، وفوضى القرارات وهواجس السيطرة وصراعات السلطة، ومصالح قوى الضغط الداخلية والخارجية، هذا الأمر يشمل كل الثورات والتغييرات الكبرى، ولن يتخطى سوريا، ولذلك فلن يحظى السوريون بكل ما طمحوا له بعد سقوط الاستبداد، لكنهم حققوا أبرز هدف لهم، وأمامهم الكثير من الجهد والتحديات ليحظوا بوطن يستحقونه.
أخيراً.. المهم ألا يسمح السوريون لأحد بسرقة وطنهم وأحلامهم أبداً، تحت شعارات دينية هنا وطائفية هناك تضيع الوطن، وعلى السوريين تحصين هذه الفترة بخلق مناخ مختلف من الخدمات والعمل والحياة الاجتماعية المقبولة، كي يتسنى للحريصين أو المراقبين من الدول المساعدة والمساندة دون حذر أو توجس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة