لاشكّ أنّ توقيت حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو عن إعلان سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لم يكن عبثيا.
لاشكّ أنّ توقيت حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو عن إعلان سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لم يكن عبثيا، فالرجل أفضل من يستغل الفرص لتحقيق أهدافه السياسية سواء في الداخل الإسرائيلي أو في الخارج.
كان نتنياهو وما زال يجد لنفسه مسببات البقاء في السلطة، فكلما ضاقت دوائر اتهام الفساد حوله افتعل حربا مع غزة ليطهر نفسه من تهم الرشوة التي تلاحقه، فالرجل يعمل دائما على تسويق نفسه بأنّه الرجل الأقوى الذي يعرف مصلحة كيانه، وأنه لا بديل قوي في اليمين الإسرائيلي عنه.
صحيح أنّ هذه القرار ليس له أي أثر قانوني أو مبرر على المستوى الدولي، إلا أنه يبقى انتكاسة جديدة تصيب الأمة العربية عموما وعلى وجه الخصوص السوريون الذين عانوا فقْد وطنهم بين القوى المتصارعة على الأرض
كل هذا لم يكف نتنياهو للمناورة وتعزيز نظرية البقاء في السلطة، بل ذهب إلى ما هو أبعد من الداخل الإسرائيلي ليطرح قضية الجولان التي لم يجرؤ أحد قبله من رؤساء حكومات أو حتى أطراف إقليمية على المساس بها من حيث التبعية للجانب السوري باعتبارها أرضا محتلة من قبل إسرائيل.
ثمة الكثير من العوامل التي مكنت نتنياهو من الهروب إلى الأمام وساعدته على كسب المزيد من التأييد لشخصه، والتحضير للانتخابات المبكرة في أبريل الحالي 2019، خاصة أن استطلاعات الرأي تظهر أن حزب "مناعة لإسرائيل" و"هناك مستقبل" وأحزاب الوسط واليسار ستحصل على 61 مقعداً في الكنيست، مقابل 59 لمعسكر اليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو الذي نقل المعركة السياسية مع خصميه الرئيسين "بني غانتس" و"يئير لابيد " رئيسي الحزبين المذكورين إلى ميدان الجولان السوري المحتل.
ويكمن العامل الأول في حالة الحرب التي تمر بها سوريا، فهي كدولة لا تكترث في الوقت الحالي سوى لتهدئة الأجواء الداخلية، والعمل على سيطرة القوات النظامية على بقية الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة السورية أو الفصائل المتطرفة بمختلف تسمياتها. وهذا بالطبع يشكل ورقة رابحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ما عاد وقواته يحسبون حسابا كبيرا للجيش السوري الذي كان إلى حد ما لديه القدرة على الردع فيما إذا اشتعلت حرب بين الطرفين.
أما العامل الثاني فهو التدخل الإيراني بسوريا، وهو نقطة الثقل الرئيسية التي استفاد منها رئيس الوزراء الإسرائيلي في تسويق مظلوميته وكيانه في الشرق الأوسط لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة بالرئيس دونالد ترامب المتحسس أصلا من تصرفات إيران، والذي تمثل رده لها على سلوكياتها التوسعية لفرض عقوبات نتيجة الانسحاب من الاتفاق النووي، والدخول في مواجهة. وبالفعل لم تكسب سوريا الشعب من التصريحات الإيرانية حول تحرير القدس والجولان سوى المزيد من ضياع الأرض لصالح من تصفهم إيران بأنهم أعداء لها.
ويتمثل العامل الثالث بحال التفكك وعدم الانسجام بين الدول العربية نتيجة اختراقها من قبل اللاعبين الإقليميين الأبرز في منطقتنا، وهما تركيا وإيران اللتان لا تبرحان العمل على زعزعة الاستقرار في الدول العربية، وذلك من باب الإيمان بعقيدة باطنية أنّ بقاءهما قويتين عُظميين في المنطقة لا يكون إلا عبر نشر عدم الاستقرار بين العرب، وهذا ما تمّ لهم في كثير من الأحيان للأسف عبر دول عربية.
أما العامل الرابع فهو التغاضي الروسي عن التصرفات الإسرائيلية على الأرض السورية المتمثلة بشن غارات ما عاد عدّها مفيدا، وتفضيل موسكو علاقتها بتل أبيب على أي اعتبار آخر بما في ذلك العلاقة الروسية السورية. وإلا كيف يُفسر إبراز الصحف الإسرائيلية وصف الرئيس الروسي لبينامين نتنياهو بصاحب البيت بعد لقائه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في موسكو.
نستطيع القول بأنّ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية سيكون له أثر كبير في حياة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية، وسيكسب ترامب هو الآخر تأييد اللوبيات الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة وخارجها. وهذا ما يحتاجه الرئيس الأمريكي في ظل الانتكاسات التي يتعرض لها من القضاء الأمريكي حول العديد من القضايا ليس آخرها مسألة التواطؤ مع روسيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
صحيح أنّ هذه القرار ليس له أي أثر قانوني أو مبرر على المستوى الدولي، إلا أنه يبقى انتكاسة جديدة تصيب الأمة العربية عموما وعلى وجه الخصوص السوريون الذين عانوا فقد وطنهم بين القوى المتصارعة على الأرض؛ فلا هم حظيوا بالسلام المنشود ولا عادت إليهم الأرض التي كانوا يفاوضون عليها لتضاف الجولان إلى خسائرهم التي على ما يبدو لم تنتهِ بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة