على الرغم من كل التطورات الميدانية التي قلبت معادلة الصراع الداخلي، خلال السنتين الأخيرتين، لمصلحة الدولة السورية، فإن سوريا لا تزال على خط النار
على الرغم من كل التطورات الميدانية التي قلبت معادلة الصراع الداخلي، خلال السنتين الأخيرتين، لمصلحة الدولة السورية، فإن سوريا لا تزال على خط النار، ولا تزال التسوية للصراع الدائر فيها منذ نحو ثماني سنوات بعيدة المنال؛ بفعل عوامل كثيرة لعل أهمها، على الإطلاق، تداخل شبكة المصالح الإقليمية والدولية على أرضها.
يبدو أن قدر سوريا أن تكون ضحية التدخلات الخارجية، وأن التسوية المأمولة فيها ستظل محكومة بنشوء معادلات جديدة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، فما من أحد يستطيع وضع سقف زمني لنهاية هذا الصراع مع وجود ثلاثة تدخلات رئيسية مباشرة، كل واحد منها يسعى إلى إثبات هيبته وقدرته على التأثير، واقتطاع حصته من كعكة التسوية، إن حدثت، في نهاية المطاف. هذه التدخلات الثلاثة، كرّست، في الواقع، ثلاثة احتلالات للأراضي السورية، وإن كانت أسبابها وأهدافها متباينة، فالتدخل الأمريكي الأطلسي جاء تحت عنوان محاربة تنظيم «داعش»؛ لكنه انتهى بالسيطرة على مواقع النفط السورية بذريعة عدم وقوعها مجدداً تحت سيطرة «داعش»، أو عودتها للدولة السورية، على الرغم من إعلان واشنطن أنه تم القضاء على «داعش» بنسبة مئة في المئة. الغريب أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر أعلن، مؤخراً، اكتمال انسحاب قواته من شمال شرقي سوريا؛ لكنه أبقى نحو 600 جندي؛ وذلك لحماية مواقع النفط، التي أعلن ترامب أنها باتت في حوزته، وكأن هذه المواقع ليست جزءاً من الجغرافيا السورية.
يبدو أن قدر سوريا أن تكون ضحية التدخلات الخارجية، وأن التسوية المأمولة فيها ستظل محكومة بنشوء معادلات جديدة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين
أما التدخل الثاني فهو الاحتلال التركي الذي جاء عبر ثلاث مراحل منذ عام 2016، كان آخرها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستهدف شمال شرقي البلاد. وبغض النظر عن الذرائع، فهو الاحتلال الأكثر وضوحاً؛ من حيث الأهداف والأطماع التركية التاريخية، سواء على صعيد تغيير التركيبة الديموغرافية بكاملها في تلك المنطقة، أو على صعيد ترجمة مطامع أردوغان الشخصية في إحياء الإمبراطورية العثمانية، وتكريس نفسه لاعباً أساسياً في تقرير مصير ليس سوريا فحسب؛ بل في قضايا المنطقة كافة.
أما التدخل الثالث فهو التدخل الروسي الذي بدأ عام 2015، وهو الوحيد الذي تم بطلب رسمي من الحكومة السورية؛ لكنه ظل محكوماً بأهداف ومصالح موسكو ورؤيتها للمنطقة، إن كان على صعيد مواقفها من الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة على سوريا، أو على صعيد اتفاقاتها مع تركيا، التي دائماً ما تدخل في نطاق شبكة مصالحها السياسية والاقتصادية؛ بما في ذلك محاولات تعميق الهوة بين أنقرة وواشنطن، وإبعاد تركيا عن حلف «الناتو»، على حساب المصالح السورية؛ لكن بالتأكيد هناك مصلحة لروسيا في تسوية الصراع السوري، بعد أن ضمنت مصالحها هناك، وقد راهنت على مسار اللجنة الدستورية؛ باعتباره يعد مدخلاً للحل؛ لكن هذا الرهان سرعان ما اصطدم بكيفية التوفيق بين رؤيتها ورؤية تركيا شريكتها في مسار «آستانا»، ناهيك بتباينات داخل المعارضة، التي بدأت تستفيد من وقائع الاحتلال التركي في تقوية مواقفها، خصوصاً بعد إعلان أنقرة المتكرر أنها لن تغادر سوريا إلا بعد تحقيق تسوية تقبلها كل الأطراف السورية.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة