المتغيرات في المنطقة تقول الكثير وتؤكد من المؤشرات الكثير، فما دام أن إيران ليس لديها إلا "القمع" والتقتيل، فإن نظام الملالي سيسقط حتماً
فوجئ عرب الشمال من مؤيدي ملالي الفرس وهم يرون ثورتي العراق ولبنان على الوجود والتدخل الفارسي تتصاعد يوماً بعد يوم، وازداد انبهارهم أكثر وهم يرون الثورة تستعر في عقر دار "عشيقتهم" إيران، التي كانوا يظنون أنها الدولة العصية على الهزيمة.
هذه المتغيرات في المنطقة تقول الكثير وتؤكد من المؤشرات الكثير، فما دام أن إيران ليس لديها إلا "القمع" والتقتيل، فإن نظام الملالي سيسقط حتماً، لأن الحكم، أي حكم في أي دولة، تقوم شرعيتها وسبب بقائها على معادلة طرفاها "الحاكم" من جهة و"المحكومون" من الجهة الأخرى، ومتى اختلت هذه المعادلة فإن هذا يعني أن شرعية النظام قد بدأت في التآكل، ما لم يجرِ إصلاحها، وترميمها بالشكل الذي يجعلها تعود إلى فاعليتها.
إن هذا المشروع التوسعي بدأ فعلا بالتصدع والانحسار، فعراق اليوم لن يعود ليذعن للإيرانيين حتى ولو أغرقوه بالدماء؛ فالثورة هناك عارمة كالسيل الجارف، ولن تتوقف حتى تحقق الاستقلال التام؛ والأمر نفسه ينطبق على ذراعهم حزب الله في لبنان
وحسبما أراه أن معادلة الحكم في إيران ومعها العراق ولبنان ما زالت اليوم كما كانت قبل الانتفاضات الشعبية العارمة التي اجتاحت أراضيهم، فالطرف الحاكم في تلك الدول يصر على عدم التغيير والطرف الشعبي الثائر يصر على ثورته؛ قد يكون هناك تباين في الثورة وقوتها بين هذه الدولة وتلك في القسوة والقمع، غير أن النتيجة ستكون في المحصلة حتماً واحدة.
وكان عرب الشمال من عشاق إيران، والممجدون لقوتها وسطوتها، منخدعين بها، وبشعاراتها، وبالذات شعار تحرير فلسطين، مع أن فلسطين وتحريرها في الحقيقة مجرد وسيلة لاستقطاب مغفلي العرب المهزومين، وإلا فإن فلسطين لا تعنيهم، فهدفهم الأول وغايتهم التي لا تعلو عليها أي غاية، هي إقامة إمبراطورية الولي الفقيه الشيعية، والعمل على "تشييع" أهل السنة، تماماً كما فعل إسماعيل الصفوي عندما شيّع الإيرانيين بقوة السلاح، ابتداء من عام 1501م فأصبحت أغلبية الإيرانيين يدينون بالمذهب الشيعي الجعفري، وقد كانوا قبل الحكم الصفوي يعتنقون المذهب السني؛ وهذه حقيقة تاريخية لا يستطيع حتى الإيرانيون إنكارها. فالخميني أراد في ثورته منذ البدء أن يُعيد التجربة الصفوية، ويشيّع شعوب الدول المجاورة لإيران, لهذا كله اعتبر الولي الفقيه ما جرى في إيران وفي العراق ولبنان (انتكاسة) فعلية لمشروعهم التوسعي التشيعي، وحسبما أراه أمامي الآن، فإن هذا المشروع التوسعي بدأ فعلا بالتصدع والانحسار، فعراق اليوم لن يعود ليذعن للإيرانيين حتى لو أغرقوه بالدماء؛ فالثورة هناك عارمة كالسيل الجارف، ولن تتوقف حتى تحقق الاستقلال التام، والأمر نفسه ينطبق على ذراعهم حزب الله في لبنان، فوضع لبنان الاقتصادي المهلهل والجوع والفقر والديون المتراكمة وضغوط اللبنانيين ستضطر حزب الله إلى التخلي عن مكاسبه ونفوذه، خصوصا فيما يتعلق بالسيطرة على القرار السيادي اللبناني؛ ولبنان الآن بلد على حافة الإفلاس، وإيران تتعايش مع أزمة مالية أكلت الأخضر واليابس، وما لم تقدم إيران إلى لبنان عوناً مالياً ضخماً، فلن يستطيع حزب الله الصمود أمام هذا الطوفان العرمرم من الاحتجاجات في كل المناطق اللبنانية بما فيها المناطق الشيعية العريقة في جبل عامل في جنوب لبنان.
مناصرو إيران من عرب الشمال سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو فلسطين يشعرون الآن بالمأزق حتى إن لم يعترفوا به، وهم في وضعهم هذا أشبه ما يكونون بوضعهم مع صدام، فقد ناصروه وأيدوه وانخدعوا بخطاباته العنترية وصموده، وسموا أبناءهم باسمه إعجاباً به، وفي النهاية سقط وتلاشى وانتهى وعادوا بخفي حنين، وهذه دائماً عاقبة كل من يجعل عاطفته ورغباته هي التي تحدد مواقفه، وما أشبه بارحة صدام بليلة ملالي إيران، وسوف تتذكرون كلامي.
إلى اللقاء،،،
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة