تعريف المعارضة المعتدلة .. إشكالية تتجدد مع الهدنة السورية
الهدنة في سوريا جددت إثارة الإشكالية المتعلقة بتعريف المعارضة المعتدلة في سوريا وتمييزها عن الكيانات الإرهابية
وكأن خمس سنوات من الأزمة السورية، لم تكن كافية حتى تستطيع القوى الدولية تعريف "المعارضة المعتدلة"، وفصلها عن الكيانات الإرهابية.
وأثيرت هذه الإشكالية قبل سنوات مع الإلحاح على ضرورة دعم المعارضة السورية بالسلاح النوعي، القادر على تحجيم سلاح الطيران السوري، حيث كان المبرر الذي تسوقه الولايات المتحدة للرفض، هو أنها لا تضمن عدم وصول هذا السلاح للكيانات الإرهابية.
وطلبت الولايات المتحدة من المعارضة المسلحة التكتل في كيان موحد تابع للائتلاف السوري المعارض، لضمان عزل الكيانات الإرهابية عن هذا التكتل، ومن ثم تقديم الدعم لهم.
ورغم أن المعارضة نفذت ما طلبته الولايات المتحدة، إلا أنها لم تحصل على هذا الدعم، بل وصارت هذه الإشكالية حجه تلوكها – أيضا – الألسن الروسية لتعطيل أي اتفاق سواء سياسي أو إنساني.
وجددت الهدنة السورية التي تم الاتفاق عليها بين وزيري خارجية روسيا وأمريكا استخدام هذه الإشكالية لتعطيل أي إنفراجه إنسانية أو سياسية يمكن أن تنجم عنها.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أمس الأربعاء إنه لا بد من فصل المعارضة المعتدلة في سوريا عن "الجماعات الإرهابية" من أجل تعزيز الهدنة الهشة هناك.
بيسكوف كان يلمح في تصريحاته إلى جماعة "أحرار الشام"، والتي تصنفها روسيا جماعة إرهابية، وسبق وطلبت من مجلس الأمن أثناء مفاوضات " جنيف 3 "، ضمها مع حركة " جيش الإسلام"، إلى قائمة الأمم المتحدة للجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي رفضته بريطانيا وفرنسا وأمريكا وأوكرانيا.
وقال متحدث باسم بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وقتها إن "محاولة روسيا علنا تصنيف جماعات تشارك كأطراف في (جهود) وقف العمليات العدائية قد يكون له عواقب مضرة بوقف (القتال) في الوقت الذي نحاول فيه نزع فتيل الموقف على الأرض"، حسبما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
اتهام روسي
وتتهم روسيا جماعة "أحرار الشام" بانتهاك الهدنة المقررة في سوريا، ونقلت وكالة "انترفاكس" للأنباء عن الجنرال فيكتور بوزنيخير من القيادة العامة للجيش الروسي، قوله أمس الأربعاء إن وقف إطلاق النار في سوريا جرى انتهاكه 60 مرة على مدى الساعات الثماني والاربعين التي أعقبت بدء سريانه، وإن معظم الانتهاكات ارتكبتها جماعة أحرار الشام المسلحة.
ويأتي هذا الإتهام الروسي، بالتزامن مع اتفاق وزيري خارجية أمريكا وروسيا على تمديد الهدنة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أمس الأربعاء إن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على أن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا صمد بشكل كبير ويتعين تمديده 48 ساعة، رغم وقوع أعمال عنف متقطعة.
ويثير هذا التزامن شبهات حول الرغبة الروسية في الإفلات من باقي البنود التي تشملها الهدنة، بحجة استفادة من تصفهم بالحركات الإرهابية داخل المعارضة السورية منها.
ومن بين أهم بنود الهدنة وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، وهو ما كان يتعين على روسيا المساعدة في تحقيقه بشكل كبير، بحكم علاقتها بنظام بشار الأسد، ولكن لم يتحقق ذلك إلى الآن.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة أمس الأربعاء إن قافلتي مساعدات تضم كل منهما 20 شاحنة معظمها محمل بالأغذية والطحين كانتا متجهتين إلى مدينة حلب لم تتحركا منذ عبور الحدود التركية.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا أمس الثلاثاء إن الأمم المتحدة تنتظر الحصول على تصريح بتوصيل المساعدات وهو أمر ضروري في حلب التي كانت مسرح أعنف قتال في الأشهر القليلة الماضية.
انتقادات بالداخل الأمريكي
وشكل هذا العجز عن تنفيذ هذا البند أحد الانتقادات التي توجه للخارجية الأمريكية داخل أمريكا نفسها.
وانتقد مسؤولون كبار في الجيش والمخابرات في الولايات المتحدة الهدنة قائلين إنه لا يمكن الوثوق بروسيا، غير أن وزير الخارجية جون كيري دافع عنها أمس الأربعاء قائلا: " بدونها كان العنف سيزيد بدرجة كبيرة وكان كثير من السوريين سيذبحون أو يضطرون للفرار من بلدهم".
ووعدت الخارجية الأمريكية بالعمل على حل هذه المشكلة، وقال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في إفادة صحفية أمس الأربعاء: "سنتحدث للروس ونضغط عليهم للضغط على نظام الأسد، للسماح بمرور المساعدات الإنسانية".
محك أساسي
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت من جانبه وصول المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة في سوريا هو "محك" أساسي لنجاح الهدنة ، محذرا أيضا من أي استهداف للمعارضة المعتدلة.
وقال إيرولت للصحفيين خلال زيارة إلى كييف: إن "المحك هو وصول المساعدات الإنسانية (إلى سكان المناطق المحاصرة). هذا أمر حاسم وخصوصا في حلب، وإذا لم يتحقق فإن الإعلان عن هدنة لن يكون ذا مصداقية".
وأبدى الوزير الفرنسي حذرا إزاء الاتفاق الأميركي-الروسي، مشيرا إلى أن واشنطن لم تطلع حلفاءها على "تفاصيل" الاتفاق، ومحذرا من أن تنفيذ الاتفاق يجب أن لا يتم على حساب المعارضة المعتدلة.
وقال "لا يمكن للروس أن يستمروا بشكل أحادي في شن غارات قائلين (نحن نضرب الجماعات الإرهابية)".
وأضاف أن "الاتفاق مع الأميركيين الذي لا نعرف كل تفاصيله -وهذه مشكلة أخرى- ينص على أن يتحقق الأميركيون والروس بدقة، موقعا موقعا على الخرائط، أين يتواجد الإرهابيون الذي يجب الاستمرار في محاربتهم".
ولفت إلى أنه "إذا كان هناك التباس يكون هناك خطر بأن يتم ضرب المعارضة المعتدلة"، مضيفا أنه "في وقت ما سيطلبون منا دعما أكبر للخطة الأميركية-الروسية، وكي نتمكن من أن نقوم بذلك بثقة يجب أن تتوفر لدينا كل المعلومات".
aXA6IDE4LjExOS4xNDEuMTE1IA== جزيرة ام اند امز