لا خلاف على أنه من المستحيل القول: إن حياة المواطنين السوريين اليوم طبيعية في بلادهم.
خاصة مع انتشار الإرهاب بكل صنوفه ومليشياته، والتدخلات الأجنبية التي تمثل مصالح دول طامعة بنفوذ مستقبلي أو تحقيق حلم استعماري توسعي، على حساب سوريا وشعبها.
فهذا البلد العربي المنسي اليوم لا يزال يعيش يوميا بؤسا شعبيا لا يخطر على بال أحد، وانشغال دول العالم والمنطقة بأحداث أخرى، جعل الإعلام نفسه وبمختلف توجهاته وتمويله لا يلقي بالاً للخبر السوري، ولا يقدمه أحياناً في صدر نشرات الأخبار اليومية، وإذا كان حال الإعلام كذلك فإن الساسة وصناع القرار جعلوا الملف متروكاً وربما بعيداً عن متناول اليد والنقاش.
لكن وجع السوريين المنكوبين اليوم لا يقتصر على ممارسات الماضي بحقهم، بل يتعداه إلى رؤية المعارضة السورية مشرذمة وغير مسؤولة، وفي أغلب الأحيان تتبع تلك المعارضة بشكل ذليل لمخابرات بعض البلدان الإقليمية غير العربية، وتنفذ أجنداتها عند حصول أي استحقاق تفاوضي معلن أو غير معلن .
ولا يزال الصراع على أشده بين الجسمين الرئيسيين في المعارضة السورية، هيئة التفاوض والائتلاف الوطني، فالهيئة أصبح رئيس الائتلاف السابق رئيساً لها، والائتلاف بات رئيس الهيئة السابق رئيساً له، والهيئة التفاوضية متهمة بتجاوز صلاحياتها ومحاولة تمثيل المعارضة دولياً وإلغاء الأدوار الأخرى المنوطة بغيرها، والائتلاف السوري الذي حصل - كما يبدو مؤخراً - على مال قطري وفير، يسعى رئيسه الحامل للجنسية التركية أن يكون رئيس المعارضة الأوحد وقائد الجيش الوطني والحر والمشرف على الحكومة والمفتي العام للبلد وشيخ القبيلة وراعي الرياضة والرياضيين، والمراقب العام لجماعة الإخوان السورية أيضاً.
وما إن يطلب أحد الرجلين - أي رئيس الهيئة أو رئيس الائتلاف - لقاء وزير الخارجية التركي على سبيل المثال حتى يسارع الآخر لزيارة وزير الداخلية التركي، وإذا هاتف مسؤول أوروبي رئيس هيئة المفاوضات، سارع رئيس الائتلاف للاتصال بأي مسؤول أوروبي آخر، ولو كان هذا المسؤول معنياً بملف التغير المناخي أو حتى مكافحة التلوث البيئي.
والسوريون المنكوبون يشاهدون هذه الأفعال الصبيانية والمراهقة السياسية، التي تصرف عليها مئات آلاف الدولارات سنوياً ودون أي فائدة، فضلاً عن الفساد المالي والسرقات والتربح من خلال نهب المساعدات العينية والنقدية التي تمنحها الدول للمعارضة بغية مساعدة السوريين في المناطق غير الخاضعة لسلطة الحكومة في دمشق .
وإذا ما حاول المرء استعراض حال بقية المكونات داخل هذين الجسمين المعارضين المذكورين، يجد الصراع على أشده مؤخراً داخل منصة مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، فهذا يعقد اجتماعا افتراضيا للأعضاء المؤسسين، وآخر يصدر بياناً ينسف فيه كل ما جاء في ذلك الاجتماع، ومسؤولو الملف السوري في الخارجية المصرية يبذلون جهوداً جبارة بغية إصلاح ذات البين دون جدوى، وكأننا نتابع يوميات خلاف طلاب مدرسة في الصفوف الابتدائية.
والأمر الأكثر تعقيداً هو دخول اللجنة الدستورية التي شكلها المجتمع الدولي مؤخراً على خط المواجهات، فهذه اللجنة المختلطة بين المعارضة والحكومة والمجتمع المدني، يسعى الطرف المعارض فيها لأن تكون لجنته هي الممثل الأعلى للمعارضة، ويرغب المعارضون بتوسيع صلاحياتها حتى تنفصل عن هيئة التفاوض، وتصبح ممولة بشكل منفرد، و لديها كيانات فرعية تتبعها.
وإزاء هذا الواقع المرير في صفوف الزاعمين تبنيهم الكامل لمطالب السوريين، أصبح المراقبون يطلقون على صنعة هؤلاء "مهنة معارض" كون الذين يقومون بهذه الأعمال لا ينتمون إلى القضية، و لا يحملون في نفوسهم أي مبادئ، وهم في نظر أغلب السوريين عبارة عن مجاميع امتهنت العمل السياسي من أجل تحصيل المال وحيازة الجاه والاستمتاع بالنفوذ .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة