التظاهر وإشعال الأردن.. «تيار الظل» يحارب في الجبهة الخاطئة
في محاولة لاستعادة وجودها بالشارع والقفز على الخلافات الداخلية التي تعصف بها، سعت جماعة الإخوان بالأردن لتوظيف حرب غزة لتحقيق مكاسب ذاتية بضغط من "تيار الظل" المتحكم في مفاصل التنظيم.
احتجاجات معتادة لدعم القضية الفلسطينية، تحاول جماعة الإخوان توظيفها من أجل الحصول على مكاسب سياسية والضغط على القيادة الأردنية التي لم تتوان في تقديم الدعم السياسي والإعلامي والإنساني والإغاثي لأهل غزة، في ظل قدرات وموارد محدودة نسبيًا، إلا أن مزايدات الجماعة ألمحت إلى أن لديها أهدافا أبعد من فكرة التضامن مع قطاع غزة.
ووفق مصادر لـ"العين الإخبارية" فإن تنظيم الإخوان يسعى لتوريط الأردن في الأحداث المشتعلة في فلسطين مع خلق فوضى بالبلاد عبر توسيع المظاهرات وخروجها عن السلمية، مع نشر ادعاءات تزيد من أعمال العنف وتمكنهم من الحصول على مزيد من التعاطف الشعبي بالمنطقة التي لفظتهم وباتوا غير مرغوب فيهم بها.
توقيت وسياقات الحراك الأخير تكشف عن جانب آخر خفي من القصة وهو محاولة الجماعة القفز على خلافاتها الداخلية في الفترة الأخيرة- بسبب رؤية قيادتها المتباينة لطبيعة انخراطها ومشاركتها السياسية في الفترة المقبلة- عبر التركيز على إشعال المملكة وإشغال قواعد الجماعة التنظيمية بالاحتجاجات للتغطية على الخلافات والأزمات التي تواجهها.
ورغم صدور حكم قضائي قطعي بحل الجماعة لعدم بدئها في تصويب أوضاعها القانونية في عام 2020 فإنها تتحرك عبر ذراعها السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي"، وجاءت حرب غزة لتعطيها أملا في تصدر المشهد واحتكار الشارع.
وعلى مدار تاريخها، شهدت جماعة الإخوان الأردنية خلافات وأزمات داخلية أفضت في كثير من الأحيان إلى حدوث انشقاقات هيكلية، وترجع جذور تلك الخلافات إلى طبيعة الجماعة المكونة من تيارات شتى منها الأكثر تشددًا والبراغماتي الأقل تشددًا فضلًا عن وجود تباينات ديموغرافية داخل الجماعة تُعزى إلى وجود أردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية وآخرين من الشرق أردنيين.
تيار الظل
ووسط هذه التباينات الديموغرافية والأصولية، برز ما عُرف بتيار الظل أو تنظيم "حماس" داخل جماعة الإخوان في الأردن (وهو بخلاف حركة حماس الفلسطينية) وهو تيار يميل للتركيز على القضية الفلسطينية على حساب القضايا الوطنية الأردنية، وهذا التيار وعلى رأسه المراقب العام للإخوان في الأردن عبدالحميد الذنيبات هو المتحكم حاليا في الجماعة ويسعى لتخطي الموقف الأردني الرسمي، والداعم بشكل كامل للقضية الفلسطينية، من أجل تحقيق أغراضه الخاصة وإظهار مزيد من التماهي مع حركة حماس الفلسطينية.
جدير بالذكر أن قضية العلاقة مع حركة حماس الفلسطينية اعتُبرت واحدة من أهم القضايا الخلافية بين ما يُعرف تيار الظل أو تنظيم حماس في إخوان الأردن، الذي رأى أن ازدواجية التنظيم (أي ازدواجية تنظيم الإخوان بين الأردن وفلسطين) أمر محوري بالنسبة للإخوان في المملكة، وذلك قبل إخراج السلطات الأردنية قيادة الحركة الفلسطينية من البلاد عام 1999.
ومع أن جماعة الإخوان في الأردن وكذلك حركة حماس الفلسطينية تقولان في العلن إنه لا يوجد رابط تنظيمي بينهما، خصوصًا في الوقت الراهن، وأنهما قطعتا صلاتهما الحركية قبل فترة طويلة فإن واقع وطبيعة الحراك الاحتجاجي الأخير أبرز أن هذا الحديث غير دقيق وأن الجماعة في المملكة تلقفت دعوة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج خالد مشعل للتصعيد على الحدود مع إسرائيل من أجل إثارة وإشعال الأوضاع في الأردن.
حقد أسود
وتعقيبا على الأزمة المفتعلة بالأردن، لفت الكاتب شحادة أبوبقر، في مقال كتبه بصحيفة الرأي الأردنية على خلفية التوترات التي شهدها الأردن في الأيام الأخيرة، إلى التيار الذي لا تهمه مصالح البلاد في جماعة الإخوان الأردنية، قائلًا إن المملكة انحازت منذ عام 1948 إلى القضية الفلسطينية وكان هناك جيل داخل الجماعة يدرك حجم التضحيات الأردنية في سبيل دعم فلسطين لكن بمرور الوقت نشأ جيل إخواني لم يواكب ما تعرضت له البلاد من تحديات ومنهم من لا يؤمن بوجود الدولة الأردنية ويتمنى زوالها لحقد أسود.
وأكد أنه "رغم كل الدعم الذي قدمه الأردن للقضية الفلسطينية فإن الحراك الأخير كشف أن الإخوان لا يقتنعون بذلك".
ودعا الكاتب الأردني جماعة الإخوان في البلاد إلى "عدم إدخال الفوضى إلى المملكة كما يتمنى ويريد بعض من يخططون لذلك من خلف الحدود، لأن الأردن لن يسمح بشق صف شعبه أو إدخال الفوضى إلى رحابه كما يتمنى بعض المخططين من الخارج"، وفق تعبيره.
سجالات الانتخابات
وتشهد جماعة الإخوان في الأردن، مؤخرًا، سجالات وانقسامات حول التحركات الهادفة للضغط على الحكومة بين التيار الأكثر تشددًا الذي يقوده تنظيم "حماس" في الجماعة أو ما عُرف بتيار الظل وبين تيار البراغماتية الذي يُسمى، في بعض الأحيان، تيار الحمائم.
فالتيار الأول يرى ضرورة ممارسة سياسة الضغط الأقصى على الحكومة من أجل الحصول على أكبر مكاسب سياسية ممكنة في الوقت الحالي، أما التيار البراغماتي فيرى أن الجماعة ستخسر في حال دفعت في اتجاه الصدام مع الحكومة الأردنية في ظل الأوضاع الحالية.
ولوح التيار الأكثر تشددًا (تنظيم حماس في إخوان الأردن) بفكرة استقالة نواب كتلة الإصلاح، الذين يمثلون الجماعة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي في البرلمان، وذلك حتى تتخذ الحكومة قرارات أكثر قوة بشأن الحرب في غزة، وفق قولهم، وهو ما اعتبره التيار البراغماتي بمثابة انتحار سياسي في توقيت حرج تتجه فيه البلاد إلى إجراء الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري.
وفي خضم هذا السجال بين التيار الأكثر تشددًا والتيار البراغماتي داخل إخوان الأردن، خرج مراد العضايلة الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أواخر مارس/ آذار الماضي، ليعلن أن الجماعة لم تحسم بعد موقفها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مرجعًا ذلك إلى أن "الانشغال بالحرب في غزة من صميم الانشغال بالشأن الداخلي"، على حد تعبيره.
وبدا الإعلان، في حينه، مفاجئًا لا سيما أنه جاء بعد نحو شهر من إقرار قانون الانتخابات الجديد الذي شاركت في صياغته وإقراره كتلة الإصلاح البرلمانية الممثلة لحزب جبهة العمل الإسلامي، رغم تحفظها على بعض بنوده، وهو القانون الذي خصص 40% من مقاعد البرلمان للأحزاب دون احتساب المستقلين الذين سيترشحون بشكل فردي وليس على القوائم الانتخابية، وهو ما تراه الإخوان فرصة مواتية من أجل الحصول على عدد مقاعد أكبر في البرلمان في حال قررت خوض الانتخابات المقبلة.
ومن الواضح أن الإشارات والرسائل التي تبعثها قيادة الإخوان بما في ذلك التلويح بورقة عدم حسم قرار الترشح للانتخابات البرلمانية، حتى بعد عقد اللجنة المعنية بإعداد قوائم مرشحين باسم الإخوان لاجتماعين متتاليين لمناقشة أسماء مرشحي الجماعة في الانتخابات المقبلة وكذلك إعلان أحزاب سياسية أخرى نيتها خوض السباق الانتخابي، هدفها الضغط على الحكومة في توقيت حرج حتى تضمن الجماعة الحصول على أكبر مكاسب وتضمن لنفسها مكانًا في أي ترتيبات سياسية مستقبلية في البلاد.
أجندة وأهداف مشبوهة
الضغوط المتزامنة مع الاحتجاجات الأخيرة تبين أن هناك أجندة وأهدافا مشبوهة تقف وراء التحركات الأخيرة لجماعة الإخوان في الأردن، فالجماعة تعمل على تأزيم المشهد السياسي وبالتوازي مع ذلك ترفع سقف مطالبها عاليا، فعلى سبيل المثال دعت الجماعة إلى إحياء الجيش الشعبي وتسليح الأردنيين لخوض معركة مع إسرائيل، كما دعت الأردنيين إلى الزحف إلى الحدود مع الأراضي المحتلة وهي نفس الدعوة التي أطلقتها القيادة العسكرية لكتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وقيادة المكتب السياسي للحركة وعلى رأسها خالد مشعل من قبل.
وتتزامن دعوات الإخوان مع مطالب شبيهة تطلقها قيادات حزب الله ومليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، حيث طالبوا في أكثر من خطاب خلال الفترة الأخيرة دولتي مصر والأردن بفتح الحدود مع فلسطين من أجل السماح لمحور المقاومة بالانخراط في "الجهاد المقدس"، مع أن المحور الإيراني له آلاف المقاتلين الموجودين في سوريا التي تملك حدودًا مشتركة مع إسرائيل، لكن "حزب الله" و"الحوثي" يتجاهلان عمدًا هذه الحدود ويطالبان الأردن ومصر بفتح الحدود وذلك لتحقيق أهداف المحور المتمثلة في ابتلاع بقية دول المنطقة العربية وإخضاعها للمشروع الإيراني"، وفق مراقبين.
وتكشف تلك الدعوات والمطالب الإخوانية التي تتوافق مع نظيرتها الصادرة عن قيادات ما يُسمى "محور المقاومة الإيراني" أن جماعة الإخوان في الأردن تعمل على ممارسة الضغط على القيادة الأردنية ومحاولة توتير الأجواء بالشارع دون التعاطي بروية مع الأوضاع القابلة للانفجار والتي قد تؤدي إلى انزلاق الأردن في منزلقات خطيرة بما يخدم في النهاية المشروع الإيراني.
aXA6IDMuMTUuMTQ4LjIwMyA= جزيرة ام اند امز