سيناريوهات الإجلاء التكتيكي لـ113 مليون نازح.. "العين الإخبارية" تحقق
تشير تقديرات المنظمات الدولية إلى أن أكثر من 113 مليون شخص سوف يضطرون إلى ترك أماكن معيشتهم في مختلف بلدان أفريقيا، بحلول عام 2050، وذلك نتيجة التداعيات الناجمة عن تغير المناخ.
ففي ظل استمرار الارتفاع في درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة، وعدم انتظام هطول الأمطار، وتفاقم موجات الجفاف، وتسارع وتيرة الأحداث المناخية الحادة، وما ينجم عنها من تداعيات كارثية، يجد الملايين من سكان القارة السمراء أنفسهم مضطرين للبحث عن أماكن أكثر أماناً، توفر لهم سبل الحياة ومصادر للرزق.
وفي إطار الجهود الدولية الرامية للحد من ظاهرة النزوح الناجم عن تغير المناخ، ظهر مفهوم "التراجع المخطط" (Managed Retreat)، وهو بمثابة إجلاء تكتيكي للأشخاص أو للبنية التحتية أو للمجتمعات البشرية، من المناطق المعرضة للمخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية، مثل الفيضانات أو الجفاف أو حرائق الغابات، إلى مناطق أخرى آمنة.
حول هذا المفهوم، عقدت كلية المناخ بجامعة كولومبيا الأمريكية مؤتمرها الثالث بعنوان "التراجع المخطط.. السكن والتنقل في ظل تغير المناخ"، تضمن عدداً من العروض التقديمية حول استراتيجيات إعادة التوطين الحالية والمستقبلية لملايين النازحين بسبب التغيرات المناخية في القارة الأفريقية.
وكشف التقرير السنوي السادس لمركز مراقبة النزوح الداخلي، عن أن أكثر من 80% ممن اضطروا إلى النزوح من منازلهم ومناطق معيشتهم، بسبب تداعيات تغير المناخ، كانوا في آسيا وأفريقيا، وسط تقديرات تشير إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد النازحين من مناطقهم في القارة الأفريقية، بحلول عام 2050، إلى 113 مليون شخص.
وأجبرت السيول والأمطار الغزيرة الكثير من النازحين في دول مثل السودان والصومال وجنوب السودان والنيجر، إلى النزوح مرة أخرى إلى مناطق أكثر أمناً، بينما في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فقد دفعت الكوارث البيئية أكثر من 4.3 مليون شخص إلى النزوح من مناطقهم، نصفهم على الأقل ظلوا بلا مأوى حتى نهاية العام الماضي.
استعرضت إحدى أوراق العمل، التي قدمها فريق من مركز الشبكة الدولية لمعلومات علوم الأرض، أمام مؤتمر كلية كولومبيا للمناخ، حركات الهجرة الداخلية وعبر الحدود في غرب أفريقيا، مع دراسة تأثير الأحداث المناخية الحادة على حركة الهجرة الدولية الدائمة، وكذلك الهجرة الموسمية والداخلية.
كما تناولت ورقة عمل أخرى تجربة سابقة لدولة رواندا في التراجع المخطط، عندما قرر الرئيس بول كاغامي، في عام 2016، إعادة توطين إلزامية لنحو 2000 شخص، كانوا يعيشون لأجيال في جزيرتي "مازاني" و"شاريتا"، ضمن بحيرة "رويرو"، على الحدود مع بوروندي، وذلك بسبب تزايد المخاطر الناجمة عن تغير المناخ.
وعقدت كلية كولومبيا للمناخ مؤتمرها الأول حول التراجع المخطط عام 2019، وجمع أكثر من 400 مشارك من الأكاديميين والعلماء وقادة المدن وممثلي الصناعة وغيرهم، لمناقشة قضايا التكيف مع تغير المناخ، وفي عام 2021، جمع المؤتمر الثاني أكثر من 900 مشارك، وكان موضوعه العدالة البيئية.
وأشارت كلية المناخ بجامعة كولومبيا، في بيان تلقته "العين الإخبارية"، إلى أن نسخة العام الحالي هي الثالثة للمؤتمر، وتم خلالها التركيز على موضوعات السكن والتنقل في مواجهة التغيرات المناخية، بالإضافة إلى التحديات والحلول المتعلقة بالهجرة الطوعية والقسرية والنزوح، وإعادة التوطين المخطط لها.
وقال الدكتور فابيان كوتييه، من مركز الشبكة الدولية لمعلومات علوم الأرض، المؤلف الرئيسي لورقتي العمل حول النزوح المناخي في أفريقيا أمام المؤتمر، إن "البلدان الأفريقية تتميز بأنها ريفية أكثر من نظيرتها في الشمال، كما أن قدرتها محدودة على الاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ".
وأضاف كوتييه، وهو أيضاً أستاذ في كلية كولومبيا للمناخ بمدينة نيويورك، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، أنه "من المهم أن تلقي الضوء على تأثير تغير المناخ في هذه البلدان، من أجل زيادة الوعي العام، وتحديد مسارات السياسة الممكنة للحد من الأضرار الناجمة عن النزوح ومعالجة الهجرة".
وبينما تعمل جامعة كولومبيا على تطوير نماذج للتنبؤ بحركة النزوح الناجمة عن تغير المناخ، على المدى القصير، أكد كوتييه أن نماذج التنبؤ بحركات الهجرة على نطاقات زمنية متعددة إلى المستقبل، يجب أن تكون مبنية على تاريخ الهجرة على مدى العقود القليلة الماضية.
وأشار إلى أن الدراسة الأولى، التي قادها إلى جانب فريق من الباحثين بمركز الشبكة الدولية لمعلومات علوم الأرض، تظهر أن الهجرة في المنطقة تتأثر بفعل موجات الطقس الحادة، خاصةً فيما يتعلق بحركة النزوح الموسمية وقصيرة المسافات، أكثر من الهجرة الدائمة لمسافات طويلة".
وقالت الدكتورة ليزا ألين ديل، الباحثة في كلية المناخ، والتي شاركت في إعداد ورقة العمل الثانية، إن قرار رئيس رواندا بإعادة توطين سكان جزيرتين في بحيرة "رويرو"، أتاحت لها ولفريق الباحثين فرصة لإلقاء نظرة فاحصة على الدروس الممكنة التي يمكن تعلمها في إطار مفهوم التراجع المخطط للتكيف مع تداعيات تغير المناخ.
وأضافت ديل، بحسب بيان كلية كولومبيا للمناخ، أن الدراسة التي تم إجراؤها بالشراكة مع جامعة رواندا، كانت محاولة لفهم مدى فاعلية النموذج الإلزامي كشكل من أشكال إعادة التوطين، وأوضحت بقولها: "أردنا أن نفهم ما إذا كان هذا يعكس تكيفاً جيداً مع المناخ، رغم وجود أجزاء من المناظر الطبيعية في رواندا في خطر كبير، وما هي العقبات التي تحول دون نجاح هذا النموذج؟".
وتُعد رواندا واحدة من أفقر الدول العالم، ويعتمد غالبية مواطنيها على الزراعة، ويتعرضون لتهديدات مباشرة نتيجة تداعيات التغيرات المناخية، وجاء قرار الرئيس كاغامي بإعادة توطين سكان جزيرتي "مازاني" و"شاريتا" في إحدى القرى النموذجية "رويرو موديل غرين"، بعد تزايد مخاطر الجفاف والفيضانات والانهيارات الأرضية.
وبينما عبر العديد من السكان الذين تم إعادة توطينهم عن سعادتهم بالمنازل الجديدة التي تم تسليمها إليهم، وتوافر الرعاية الصحية والمدارس والخدمات الحكومية الأخرى، أبدى عدد من السكان، الذين عملوا كمزارعين لأجيال، مخاوفهم من أن الأرض الجديدة، التي يتعين عليهم زراعتها، لن تكون مناسبة لزراعة المحاصيل التي اعتادوا عليها، مما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر بين العديد من الأسر.
وفي تصريحات سابقة، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن "تغير المناخ يعرض جميع خططنا للتنمية الشاملة والمستدامة للخطر"، وقال إن العديد من الدول الأفريقية معرضة للخطر بشكل خاص، على الرغم من أنها لا تسهم إلا بالقليل في ظاهرة الاحتباس الحراري.
وأضاف أن تغير المناخ يضاعف أيضاً التحديات والتهديدات الأخرى، مثل الفقر والصراع والنزوح بشكل خاص، كما يعيق النمو الاقتصادي، ويقلل فرص التنمية الشاملة والمستدامة في أفريقيا، واعتبر أن ارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف، والفيضانات، وانتشار الأمراض المدارية، وفقدان التنوع البيولوجي، جميعها يمكن أن تكون لها تأثيرات مدمرة.