جاءت مقابلة أنس حقاني، أحد أبرز وجوه طالبان الشابة، في بودكاست هندي مرموق، في توقيت سياسي بالغ الحساسية.
وتزامنت المقابلة مع زيارة وفد أمريكي إلى كابول ضم زلماي خليل زاد، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمنحدر من أصول أفغانية، وآدم بولر، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الأسرى، في إطار مبادرة إنسانية تهدف إلى إطلاق سراح مواطن أمريكي.
هذا التزامن، على الرغم من تواتره الظاهري خلال الأشهر الأخيرة، ليس محض مصادفة؛ بل يعكس رغبة طالبان في إظهار استعدادها للانخراط في حوار شامل، يتناول ملفات متعددة تتراوح بين الأمن والاقتصاد والسياسة، مع إدراك الطرفين أن لكل منهما شروطه وتصوراته. إلا أن إحراز تقدم في القضايا الأمنية قد يشكل بوابة لفتح نقاشات أوسع حول قضايا أخرى.
المنصة الهندية ورسائل التهدئة
اختيار منصة إعلامية هندية لإجراء المقابلة يحمل دلالات سياسية واضحة؛ فهو يعكس وعي الحركة وحكومة الأمر الواقع بأن الهند قوة إقليمية فاعلة على المستويين السياسي والاقتصادي، رغم تاريخ العلاقات المتوترة بين الجانبين.
إعلان الاستعداد للانفتاح على علاقات سلمية مع نيودلهي لا يبدو مجرد تصريح عابر، بل يحمل رسالة تهدئة مقصودة، تهدف إلى تبديد المخاوف الإقليمية وتعزيز صورة طالبان كفاعل سياسي راغب في الحوار والاستقرار.
خطاب الانفتاح والاعتدال
حرص أنس حقاني في المقابلة على تقديم طالبان كحكومة منفتحة على العالم، قادرة على التواصل مع المجتمع الدولي، بما يشمل الدول الأوروبية ودول الجوار.
هذا الخطاب يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى كسب الشرعية السياسية تدريجيًا، ويعبّر عن إدراك متزايد في داخلها بأن الاعتراف الدولي لا يُنتزع بالقوة وحدها، بل يُكتسب من خلال الالتزام بالقوانين الدولية وإظهار الكفاءة السياسية والإدارية.
مقابلات من هذا النوع تعزز صورة طالبان كحكام أمر واقع وكطرف مستعد لبناء الثقة والانخراط في حوار مسؤول، بما يمنحها نفوذًا دبلوماسيًا متزايدًا.
البعد الأمني ورسائل الطمأنة
تناول أنس حقاني في حديثه الملف الأمني، مشددًا على التزام طالبان بمنع الجماعات المتشددة من استخدام الأراضي الأفغانية كنقطة انطلاق لتهديد دول الجوار، في رسالة تطمينية موجهة إلى الهند والدول الغربية على السواء.
هذا الطرح يعكس محاولة من الجيل الجديد في الحركة وحكومة الأمر الواقع لتقديم أنفسهم كحائط صدّ ضد الإرهاب، في مسعى لإقناع المجتمع الدولي بأن التعاون معهم يخدم استقرار المنطقة أكثر من عزلهم.
البعد الاقتصادي والتنمية
أبرزت المقابلة أيضًا اهتمام طالبان بجذب الاستثمارات وإعادة إعمار البلاد، في مؤشر على إدراك واضح بأن استقرار الحكم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدعم الاقتصادي الخارجي والتنمية المستدامة.
هذه الرسالة تهدف إلى تقديم طالبان كجهة مسؤولة تسعى لإدارة الدولة لا كمجرد حركة عقائدية. ومع ذلك، لا تزال العقوبات الدولية، وضعف البنية التحتية، وتحديات الحوكمة تشكل عوائق حقيقية أمام جذب استثمارات كبيرة على المدى القريب.
التحديات الداخلية والخارجية
رغم الخطاب المنفتح، تبقى التحديات الداخلية كبيرة. قضايا حقوق المرأة، الحريات العامة، وتمثيل مختلف المكونات القومية والسياسية لا تزال موضع جدل وانتقاد محلي ودولي.
حكومة الأمر الواقع تسعى لتقديم وجه سياسي جديد، لكن المجتمع الدولي ينتظر دلائل ملموسة على الأرض، وليس مجرد تصريحات إعلامية، وهو ما يُعد التحدي الأكبر أمام الحركة في المرحلة المقبلة.
البعد العربي والخليجي
ورغم عدم تطرق أنس حقاني بشكل مباشر إلى العلاقات مع الدول الخليجية كالإمارات، وقطر، والسعودية، إلا أن السياق الإقليمي يشير إلى أن دعم هذه الدول، سواء سياسياً أو اقتصادياً، سيظل مرهونًا بقدرة حكومة الأمر الواقع على تقديم نموذج داخلي معتدل يتوافق مع مصالح الإقليم والعالم العربي.
فقطر، على سبيل المثال، لعبت دورًا محوريًا كوسيط في المفاوضات الدولية، فيما تشكل السعودية والإمارات قوى ذات ثقل سياسي واستثماري وديني، يمكن أن تعزز الشرعية الإقليمية لأي سلطة قادرة على إظهار الجدية في الإصلاح والاستقرار.
الخاتمة
جاءت مقابلة أنس حقاني في لحظة سياسية دقيقة، لتعكس مساعي طالبان الشابة وحكومة الأمر الواقع لإبراز رغبتها في الانفتاح والتفاعل مع المجتمع الدولي، لا سيما في ظل تحركات أمريكية تتعلق بالقضايا الأمنية والاقتصادية والإنسانية.
ورغم أن المقابلة تعزز صورة طالبان كسلطة أمر واقع وكطرف مستعد للحوار، إلا أن التحديات الداخلية والإقليمية والدولية ما زالت قائمة، ولا يمكن تجاوزها دون إصلاحات ملموسة على الأرض.
المستقبل السياسي لأفغانستان يتوقف على قدرة حكام كابول على ترجمة خطابهم الإعلامي إلى واقع عملي يعكس انفتاحًا حقيقيًا، ويضمن شرعية مستدامة على المستويين الداخلي والخارجي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة