ماذ بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟
التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها أفغانستان خلال الفترة الأخيرة فرضت ضغوطًا عديدة على "طالبان" دفعتها إلى اتخاذ خطوات متناقضة.
تلوح في الأفق تساؤلات حول المرحلة التالية من الحرب الطويلة في أفغانستان، مع انتهاء وقف إطلاق نار مدته ثلاثة أيام وانتظار يلفه القلق لعودة العنف، في ظل القرار الأمريكي المرحلي بالانسحاب من هذه الدولة التي أنهكتها حروب متتالية.
ويتعين على البنتاغون، بموجب اتفاق وقعته الولايات المتحدة الأمريكية مع طالبان في فبراير/شباط، خفض عدد قواته من حوالي 12 ألفا إلى 8600 جندي بحلول منتصف يوليو/ تموز، قبل سحب جميع القوات بحلول أيار/مايو 2021.
لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الدفاع الأمريكية قال إن عدد القوات يبلغ بالفعل نحو 7500 جندي، حيث يتطلع القادة إلى تسريع الانسحاب بسبب مخاوف على صلة بجائحة كوفيد-19.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول أمريكي، لم تسمه، أن الانسحاب العسكري من أفغانستان سيتم قبل الموعد المحدد بكثير، فيما كرر الرئيس دونالد ترامب دعوته البنتاجون إلى إعادة القوات الأمريكية إلى ديارها.
وصرّح المسؤول أنّ "الانسحاب تم تسريعه بسبب الاحتياطات المرتبطة بكوفيد-19"، مشيرا إلى إعطاء الأولوية لمغادرة أي شخص لديه متاعب صحية أو أكبر من فئة عمرية محددة.
والثلاثاء، قال ترامب للصحفيين إن عدد القوات الأمريكية "انخفض إلى سبعة آلاف جندي راهنا".
ثم عاد في اليوم التالي، إلى الشكوى المتكررة بأن بلاده يجب ألا تتصرف "كقوة شرطة" في أفغانستان.
وكتب ترامب على تويتر "بعد 19 عاما حان الوقت أن يكونوا (الأفغان) شرطة بلدهم".
ماذا تريد طالبان؟
ألمح ترامب إلى ما بعد انسحاب قوات بلاده من افغانستان وقال عبر "تويتر": "أعيدوا جنودنا إلى منازلهم ولكن راقبوا عن كثب ما يحدث واضربوا كالرعد كما لم يحدث من قبل، إذا لزم الأمر!"
وقال المتحدث باسم البنتاجون اللفتنانت كولونيل توماس كامبل في بيان إنّ الولايات المتحدة ملتزمة باتفاقها مع طالبان.
وأضاف أن أي سحب إضافي للقوات سيتم "بعد أن تقيِّم الحكومة الأميركية البيئة الأمنية وامتثال طالبان للاتفاق".
وفرضت التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها أفغانستان خلال الفترة الأخيرة ضغوطًا عديدة على حركة "طالبان" دفعتها إلى اتخاذ خطوات متناقضة.
ففي الوقت الذي صعَّدت فيه الحركة من هجماتها الإرهابية في الشهور الأخيرة ضد العديد من الأهداف العسكرية والمدنية، أعلنت، قبول وقف إطلاق النار خلال أيام عيد الفطر، لتبدو الحركة أقرب إلى الاستجابة لمبادرة أكبر لوقف إطلاق النار.
استجابة طالبان دفعت اتجاهات عديدة إلى ترجيح وجود انقسام داخل الحركة بين اتجاهين: أولهما، يدعو إلى مواصلة العمليات الإرهابية، فيما يؤكد ثانيهما على أهمية الدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة، خاصة في ظل الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة لتعزيز هذا المسار.
"بروفة" تمديد الهدنة
تشهد أفغانستان الأربعاء استراحة نادرة من العنف في الحرب المستمرة منذ 19 عاما، بعد أن دعت حركة طالبان لهدنة لمناسبة عيد الفطر.
لكن وقف إطلاق النار التاريخي، الثاني فقط من نوعه منذ اندلاع الحرب، انتهى الأربعاء فيما لم تجب طالبان على دعوات لتجديده.
ولم يسجل ليل الثلاثاء الأربعاء أي اشتباك يذكر وتواصل النهار بالشكل نفسه. ومنذ أربعة ايام تشهد أفغانستان توقفا في المعارك وتراجعا كبيرا في مستوى العنف.
وقالت الحكومة الأفغانية إنها ستستمر في الإفراج عن سجناء طالبان بموجب اتفاق الولايات المتحدة مع الحركة المتمردة، وتعتبر ذلك مفتاحاً لبدء محادثات السلام الأفغانية الافغانية التي طال انتظارها.
والثلاثاء، أفرجت السلطات الأفغانية عن حوالي ألف سجين من طالبان، معظمهم من قاعدة باغرام، كجزء من تعهدها الإفراج عن ألفي متمرد تجاوباً مع الهدنة التي أطلقتها الحركة الجهادية المسلحة.
والاربعاء، أفاد عضو بارز في حركة طالبان أنّ المتمردين يخططون في المقابل لإطلاق سراح ما بين 50 و 100 من عناصر الأمن الأفغان في وقت مبكر الخميس.
وطالب كبار المسؤولين الأفغان طالبان بتمديد وقف إطلاق النار.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جاويد فيصل يوم الثلاثاء "إذا كانت طالبان مستعدة لتمديد وقف إطلاق النار فنحن مستعدون لمواصلة وقف إطلاق النار أيضا".
وأضاف أن مستقبل المحادثات مع المتمردين "يعتمد على الخطوة التالية لطالبان".
وفي خطوة مفاجئة، أعلن متمردو طالبان الذين يكثفون منذ أسابيع الهجمات الدامية على القوات الأفغانية، السبت بشكل أحادي وقف المعارك كي يتمكن المواطنون من "الاحتفال بسلام وطمأنينة" بعيد الفطر.
هل يأتي السلام بعد الانسحاب؟
عزز وقف إطلاق النار الآمال في التوصل لهدنة أطول تمهد لمباحثات سلام بين الحركة الجهادية والحكومة الأفغانية.
والرئيس أشرف غني وافق على هذا العرض فورا وأعلن الاحد أنه سيتم "الإفراج عن عدد يصل إلى ألفي سجين من طالبان في مبادرة حسن نية"، حسبما صرح الناطق باسمه صديق صديقي.
وعمليات تبادل السجناء هذه - خمسة آلاف مقاتل من حركة طالبان مقابل ألف عنصر من القوات الأفغانية - منصوص عليها في اتفاق بين واشنطن وحركة طالبان تم توقيعه في 29 فبراير/ شباط في الدوحة من دون ان تصادق عليه كابول.
وكانت كابول أفرجت قبل وقف إطلاق النار، عن نحو ألف سجين فيما أطلق المتمردون سراح حوالى 300 سجين.
وينصّ الاتفاق أيضاً على انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في عملية تستغرق 14 شهراً شرط أن يحترم المتمردون التزامات أمنية وأن يباشروا مفاوضات مع السلطات الأفغانية حول مستقبل البلاد.